شعار قسم مدونات

الأمير لميكيافيللي.. قراءة غابرة للقرن الواحد والعشرين!

blogs الأمير لميكيافييلي

الأمير هو كتاب يعتبر كملحوظات دونها الفيلسوف والسياسي الإيطالي نيكولو ميكيافيللي في منفاه بعد أن هاجمت فرنسا فلورنسا وتم طرده من منصبه كسكرتير للمستشارية الثانية، ومن ثم قام بإهداء الكتاب إلى أحد أفراد أسر ميديشي الحاكمة! وبالضبط للأمير "لورينزو دي ميديشي" طمعا في أن ينال مكانة عنده.

وقد أثار هذا الكتاب جدلاً واسعاً بعد نشره لأول مرة في أوروبا، إذ أن ميكيافيللى كان أول من نشر أخلاقيات السياسة أو بالأحرى قام بفضحها، وقد أجمع النقاد على أنه لا يجمع سوى الأخلاقيات الشريرة للسياسة فقط، وأكدوا أن الكتاب لا يناسب إلا الطغاة الأشرار والدكتاتوريين من الحكام، ونتيجة لتلك الشهرة الواسعة والجدل الكبير فإن كل القراء في القرن السادس والسابع عشر تعرفوا على كتاب الأمير وصاحبه ميكيافيللى، وامتدت شهرته إلى عصرنا هذا فأصبح يضرب المثل بميكيافيللى في الشر والخداع والانتهازية والنفاق بسبب أفكاره في هذا الكتاب، فأصبح الناس يرددون مقولة: هذا مبدأ ميكافيللى! هذه ميكافيللية رخيصة!

ولعل العرب والمسلمين يعرفون هذا الكاتب من عبارته الشهيرة "الغاية تبرر الوسيلة" والتي جاءت في كتابه بمعنى واضح وصريح، أي الوصول إلى ما نريد بأي طريق، حتى وإن كان ذلك الطريق غير شريف.. وهي العبارة التي تجسد الانتهازية في أخس صورة لها. وبالرغم من السمعة السيئة التي اكتسبها الكاتب إلا أن البعض اعتبروا أن الكتاب خرج من رحم مؤلف غيور على وطنه، أراد أن يرى إيطاليا موحدة وقوية، لذا قدم خلاصة تجاربه السياسية للأمير يعلمه فيها كيف يحصل على السلطة وكيف يحافظ عليها مهما كان الثمن.

يشتهر الحاكم بالصدق ويمارس الكذب، ويعرف عنه الوفاء وكله خيانة، وتظهر عليه الشهامة والشجاعة بينما هو جبان. فما أشبه فكر ميكيافيللي قبل 5 قرون بما يمارسه وزرائنا وسياسيونا

وقد كان هذا الكتاب ذو تأثير كبير على الحكام الذين ارتبط اسمهم بالتجبر والتسلط فيكفينا أن نعلم أن موسوليني اختار هذا الكتاب كرسالة دكتوراه أيام دراسته، بينما جال حديث عن أن ستالين ولينين تتلمذوا على فكر ميكيافيللي، بل وحتى هتلر قيل أنه لم يكن ينام حتى يقرأ من هذا الكتاب.

ولعل البعض دافعوا عن الكاتب بأنه تناول الاشخاص كما هم وليس كما يجب أن يكونوا، إلا أننا نجد أن نيكولو في بداية كتابه ينصح الأمير علانية بأن يجمع كل الصفات الحميدة التي يفتخر بها الناس وأن يلتزم بها أمامهم وأن يعمل جاهدا لكي يشتهر بها، لكنه يشدد على أهمية أن يستخدم الأمير عكس كل هذه الصفات عند الحاجة إليها ومن دون أي خجل، فالمهم هنا هو ما يريده الحاكم وما يسعى إليه سواءا التزم بتلك الصفات أو لو يلتزم.

فيشتهر الحاكم بالصدق ويمارس الكذب، ويعرف عنه الوفاء وكله خيانة، وتظهر عليه الشهامة والشجاعة بينما هو جبان عميل لأسياده. فما أشبه فكر ميكيافيللي قبل 5 قرون بما يمارسه وزرائنا وسياسيونا يومنا هذا. ولعل أبرز القواعد التي يأكد عليها ميكافيللي للتشبث بالحكم والسيطرة على الرعية نجدها مألوفة جدا في عصرنا وكأن حكامنا ورؤسائنا كلهم أخذوا بفكره وطبقوه في ممارساتهم السياسية ليصبح كتاب الأمير هدية ميكيافيللي لأمير فلورنسا وإرثا لكل الحكام اللاحقين بعده من مختلف العصور والبقاع. ولعلنا نذكر بعض قواعد نيكولو في الحكم باختصار ولكم أن تسقطوها على واقعنا الحالي:

1- الأمير الجديد والسيطرة على الحكم:

الأمير الجديد يعيش في جو من المخاوف والمخاطر والتي تكمن سواءا في سلوك رعيته أو في خصومه بل وحتى في أصدقاءه وبعض رعاياه لذا يتوجب عليه التخلص منهم بكل ما أوتي من قوة وأن لا يترك للشك في تفكيره من سبيل. وهو ما نشهده الأن في عصرنا من اغتيالات وانقلابات وتصفية أي منافس يكون خطرا على صاحب السلطة.

2- فصل السياسة عن الفضائل والأخلاق:

على الأمير الراغب في تقوية سلطنته وعدم زوالها أن لا يتحلى بالفضائل وأن لا يعبأ بها كون الغرض الوحيد من السياسة هو الحفاظ على القوة وتدعيمها بغض النظر عن ممارستها هل كانت غادرة أم قاسية أم غير مشروعة. وفي هذا الصدد يأكد الكاتب أن الأمير ليس عليه أن يكون طيبا ومتفهما دائما في علاقته مع رعيته وإنما عليه أن يدرك متى يكون كذلك ومتى يكون العكس وذلك حسب ما تقتضيه الحاجة والضرورة. كما يجب أن يكون قاسيا تجاه رعاياه في غالب الوقت إذ أن الرحمة تولد الفوضى والانشقاق بينما القسوة هي عمود النظام وأساسه حيث تقضي على الفتنة وتوحد الشعب.

3- الحنث والنفاق لتسيير أحوال الرعية:

فيما يخص العهود والوعود فينبغي على الأمير أن لا يراعي فيها الضمير فليس ملزما بالوفاء بها إلا إن كان ذلك لمصلحته ومصلحة حكمه. إذ يعزز ميكافيللي نصيحته بقوله مخاطبا الأمير "ستبدوا هذه الوسيلة غير طيبة إن كان الناس جميعًا خيرين، غير أنهم أشرار لا يراعون عهدًا لأحد، وبالتالي لا تراعي أنت ما قطعته على نفسك من عهود ووعود إزاءهم، كذلك بأن الوفاء هو من الصفات التي لا يتحلى بها بنو البشر، ومن هنا فمن غير الحكمة أن تراعي عهدًا أعطيته إذا كان في ذلك ما يضر بمصلحتك، أو إذا كانت الأسباب التي دفعتك إلى إعطائه قد اختلفت، وأنت لن تجد أية مشقة على الإطلاق في إيجاد الأعذار من أجل تزيين حنثك بالعهد".

يجعلنا الكتاب نتساءل إن كانت السياسة بعصرنا تنبع من أفكار ميكافيللية أم أن السياسة ومن غابر الزمان لم تعد عن كونها أخلاقيات وتعاملات غير شريفة
يجعلنا الكتاب نتساءل إن كانت السياسة بعصرنا تنبع من أفكار ميكافيللية أم أن السياسة ومن غابر الزمان لم تعد عن كونها أخلاقيات وتعاملات غير شريفة

أما بالنسبة للصعيد الخارجي فيأكد ميكيافيللي أنه يتوجب على الحاكم أن يكون ذو وجهين، فيتحلى بالقوة والشجاعة من جهة وأن يكون ماكرا منافقا غادرا من جهة أخرى إذ أن على الأمير ألا يقيم تحالفات إلا لمصلحته ويمكنه الغدر والخداع ما دام ذلك يحفظ حكمه ويقوي سلطنته.

ومن هذه النقاط القليلة نقشت قواعد ممارسة السياسة لدى كثير ممن يمارسها في عصرنا الحالي بحيث تزداد الحاجة لهذه القواعد عند المنافسة الانتخابية أو في الأزمات الاقتصادية والسياسية وذلك لطمأنة الرعية وتهدئة الأوضاع، حيث في الغالب تكون هذه الممارسات غير شريفة، تعتمد على النفاق والتضليل والغش والخداع والكذب، فينتشر المال الحرام والرشوة والتزوير والقمع والتهديد والبلطجة، وهذا يؤدى إلى جعل المجال السياسي بكل مكوناته مجالًا عفنا سيئ السمعة، لا يجمع سوى الفاشلين والعاجزين من أصحاب المصالح، وتتحول السياسية من وسيلة للحفاظ على وحدة الأوطان واتحادها وحفظ حقوق المظلومين والمستضعفين، إلى وسيلة للنهب والسرقة وتخطى قوانين الدولة.

ومن أبرز مقولات نيكولو التي تجسد واقع السياسة في وقتنا هذا:
* حبي لنفسي دون حبي لبلادي.
* من الأفضل أن يخشاك الناس على أن يحبوك.
* الغاية تبرر الوسيلة.
* الدين ضروري للحكومة لا لخدمة الفضيلة وإنما لتمكين الحكومة من السيطرة على الشعب.
* من واجب الأمير أحيانا أن يساند دينا وإن كان يعتقد بفساده.
* ليس أفيد للمرء من ظهوره بمظهر الفضيلة.
* لا يجدي دائما أن يكون المرء شريفا.

في الأخير يجعلنا هذا الكتاب نتساءل إن كانت السياسة في عصرنا تنبع من أفكار ميكافيللية أم أن السياسة ومن غابر الزمان لم تعد عن كونها أخلاقيات وتعاملات غير شريفة هدفها الأول والأخير خدمة ممارسها ومصالحه على حساب الرعية دائما.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.