شعار قسم مدونات

البوصلة الغائبة.. أفق الاستقرار السياسي في الصومال

مدونات - الصومال جندي صومالي
الدولة أو النظام سمة من سمات المجتمع الإنساني في كل عصوره قديما وحديثاً، وفي العصور الحديثة تختلف سمات الدول منهم الديمقراطي ومنهم الديكتاتوري، لكن الكل يحافظ هيبة شعبه للتعامل مع الدول الأخرى وإن اختلفوا في أسلوب التعامل مع المواطن العادي داخل الدولة. فالصومال ذلك البلد الواقع في القرن الإفريقي والذي يعيش فيه شعب يشترك فيه كل مقومات الوحدة، العرق والدين واللغة، لكن مع الأسف الشديد ينغمر حروب مستمرة لم تنقطع منذ انهيار الحكومة المركزية عام 1991م، واجتاحت الحروب ربع قرن ولم تنفع كل مقومات الوحدة لتلملم شمل المجتمع والتوحد من جديد، وهذا هو اللغز الذي حير الكتاب والمؤرخين ولم يجدو سبب مقنع كل هذا الشتات والتناحر بين شعب له جذور مشترك.

 

وإن إرهاصات التناحر السياسي المبنية بالفئوي (القبلي)بدأت بداية الاستقلال لتقسيم السلطة السياسية، واتسعت الفجوة مع مرور الزمن إلى أن انهارت الحكومة المركزية، ودخل البلد متاهات من الفوضى، وبدأت الجبهات المسلحة المناوئة للحكومة المركزية صراعها من جديد ، وهو لم يخرج فلول جيش الحكومة بعد أطراف العاصمة، حيث تناحروا على من يخلف الرئيس، وانشطرت الجبهة المحاربة في العاصمة إلى كتلتين، وقد حاولت كل واحدة على إرغام الأخرى بقوة السلاح ولم يجد،فع لا أحد غلب على الآخر، وبدأت الانشطارات تتكاثر إلى أن تكونت أمراء حرب، وأصبح الأمر إلى مقاطعات في المدينة الواحدة "كل واحد أمير في مزبلته" وأصبح حال الشعب لاحول له ولا قوة تتابعت له النكبات والمجاعات والفيضانات يئن ويستنجد لا مجيب له.

 

تمر الصومال بمنعطف خطير وتتوسع فجوة انعدام الثقة على صعيد الحكم وأوساط الشعب، وفحواه الأساسي فشل أنظمة الحمة التي مرت الصومال منذ الاستقلال

فالثقة هي البوصلة الغائبة في الصومال والتي تُجمّع الشتات السياسي والتناحر إذا منحوا الثقة بين الفرقاء، فالثقة هي جسر الحياة الصحيحة التي نمضي عليها إذا ما احتجنا حياة مطمئنة آمنة، وبغيرها يكون الحال تفريقا وتمزيقا في الجزء الواحد المتماسك، وسيسعى كل فرد لحصول لقمة عيشه على، قاض الآخرين، وتكون المعادلة أربح أنا وتخسر أنت ويطول التيه. والآن يشير الحال أن الجمهورية الصومالية منشطرت إلى ستة أجزاء (الحكومة المركزية في العاصمة، وخمس ولايات على شكل فدرالي) في حين الجزء السابع أعلن انشقاقه من قبل، فالكل يدير أمره على حاله وبشكل دولة مستقلة علمه ومؤسساته الخاصة به، ويجري سلطاته التنفيذية بشكل أحادي لا على شكل فدرالي كما هو المأمول عند التأسيس، وذهب الحال إلى أبعد من ذلك من ضرب طبول الحرب والمقاطعة ضد الآخر.
   

وفي الجانب الإداري تكشف مدى هشاشة الوضع الإداري بحيث تفشى الفساد الإداري والمالي وكثرت المحسوبية، وغياب الرقابة القانونية والمحاسبة على المسئولين، وعدم شفافية المعلومات، وعدم الفصل بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة، وإساءة استخدام الموارد المالية، وأصبحت الصومال كواحدة من أكثر دول العالم فساداً حسب تقارير منظمة الشفافية الدولية، وتتصدر الصومال قائمة أكثر دول العالم فساداً في هذا السنة والسنوات الماضية، لذا يعتبر هذا المؤشر دليلا قويا على أن السياسة الإدارية في البلاد لا تخدم مصلحة المواطن، وأن السلطة السياسية القائمة في البلاد تزداد إبعادا عن مصلحة المجتمع، وتحولت المناصب من كونها مناصب تستهدف المصلحة العامة إلى مناصب خلق الثروة، من خلال استغلال النفوذ والرشاوي، وكأن الحال يقول "كن مليونيرا قبل فوات الأوان "لأن المسئول لا يثق بأن مسئوليته ستكون مستمرة ولو بحين حتى ولو حاول جداورته وتمكنه، لذا يحاول أن يضمن نفسه ويستعد بعد سحب الثقة عن مسئوليته.

 

وبذلك تمر الصومال بمنعطف خطير وتتوسع فجوة انعدام الثقة على صعيد الحكم وأوساط الشعب، وفحواه الأساسي فشل أنظمة الحمة التي مرت الصومال منذ الاستقلال، بحيث لم ينفذوا طموحات الشعب الصومالي المشروع، في الأمن والرفاهية والعزة والعدالة الاجتماعية والسياسية.

 

والحل يكمن في وأد النعرات وجبر كسور الماضي وفتح صفحة جديدة من الثقة والتآزر والتمسك بالأيادي والبدء في البناء والنهضة، والصفح على الخصوم، ولكى نضمن أن نسير على هذا المشروع النهضوي نحتاج إلى قائد يقوم بذلك ليكون مهاتير القرن الإفريقي، ويكن قدوة وأسوة على مهاتير الماليزي، ذلك الرجل المتواضع الذي نجح بتجربة أدهش العالم إذ جعل بلد ضعيف ومفكك إلى بلد مزدهر وأحد النمور لاقتصادية في شرق آسيا، بحيث وضع الخلافات الشخصية جانبا وعقد صفقه مع خصمة، ونحتاج مثل هذا القائد الذي يضع مصلحة وطنه وشعبه فوق كل شيء، ويتسامح خصومه وينسى الأحقاد، ويحقق من أبرز الأمثلة في التسامح.

 

وأخيرا، نرجو من الله أن يمن فينا الثقة، وأرجو من الوجهاء والسياسيين أن يجعلوا خطابتهم ما ينادي إلى الثقة والتسامح حتى ولوكان خصمهم، ارحموا الجيل القادم واغرسوا الثقة فيما بينهم، فالإنسان لا يعيش وحده، والعيش داخل الجماعة تحتاج إلى ثقة متبادلة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.