شعار قسم مدونات

سنودع رمضان قريبا.. فهل ألقينا التحية؟

blogs رمضان

رأينا الهلال وبدأنا الصيام. صلينا الصلاة ورتلنا الآيات. صفقنا لأنفسنا وشاركنا الجميع صورة لمائدة إفطارنا. صفقنا لأنفسنا لأننا فعلا فعلنا كل ما يجب علينا. لكننا تذكرنا أننا عبسنا كل صباح. وتذمرنا كل مساء من طول النهار وكثرة الأشغال. تذكرنا أننا لم نحاول عناق الفرح ومصافحة القناعة ولا تجربة الطمأنينة فنحن مشغولون دائما بالتذمر والغضب وقلة السكينة. فهل حقا رأينا الهلال؟ وهل حقا ألقينا على رمضان التحية؟ 

يأتي كل عام حاملا معه علامات الأمل والفرح. يدق بابنا ملقيا التحية والسلام مانحا إيانا فرصة جديدة للتغيير. بعضنا يستقبل هذا الشهر بعناق حار شبيه بذاك الذي نبادله للمسافر العزيز العائد بعد الفراق الطويل، نتسابق للتحية ونستلم الهدية ونعد بأن نستخدمها كما وجب استخدامها. وبعضنا يلوح للشهر من بعيد نخبره بأننا نراه وسنلتقي به بعد قليل، يتحول القليل إلى كثير وينتهي الشهر دون اللقاء الموعود.

ليس رمضان صيام الجوف والمعدة فقط ولكنه أعمق من ذلك. رمضان هو صيام النفس عن كل ما هو قبيح ومفسد من فعل وكلام وأفكار. رمضان هو شهر استعادة النفس للطمأنينة وتهذيبها. رمضان هو شهر الانضباط والتنظيم. رمضان هو شهر تحول المستحيل إلى ممكن. لهذا الشهر أثر جميل علينا أفرادا ومجتمعا إذ أحسنَا التصرف والاختيار. في رمضان نكتشف أنفسنا ونعرف حق اليقين ما يجول في خاطرنا وطبيعة شخصيتنا. هذا يحصل فقط وسيحصل طبعا إذ أفسحنا المجال لذلك. سنكتشف هذا الأثر الجميل إذا قررنا أن نكون صريحين مع أنفسنا أولا ووضعنا مخططا واقعيا متوكلين على الله في ذلك. مع بداية العشر الأواخر من هذا الشهر الكريم اسأل نفسك ماذا غيرت وكيف تغيرت؟ كم شخصا أسعدت وكم نفسا أحزنت؟ كم عادة سيئة ودعتها وكم أخرى حسنة رحبت بها؟ 

سيبدو لنا التغيير صعبا بل مستحيلا. لكن تذكر فقط أن البدايات دائما ما تكون صعبة وأن عقلنا سيحاول ردعنا عن التغيير فهو مبرمج على حمايتنا من كل ما هو صعب وغير مألوف

إذا كانت إجابتك سلبية لما سبق فلم تقدر على تغيير ما تريد ولم تكن قد استفدت من هذا الشهر كما خططت، لا تقلق ولا تقلقي فعشر أيام كفيلة بالتغيير. فلنستيقظ كل يوم حاملين معنا أملا بالتغيير عازمين عليه. من الممكن أن يكون هذا التغيير بسيطا كأن نستيقظ باكرا، أن نأكل جيدا وصحيا، أن نبتسم أكثر، أن نقرأ أكثر وأن نكون أفضل.. ويمكن أن يكون الأمر أكثر تعقيدا كأن تقرر أن تسامح من ظلمك أو من خاصمك، كأن تعتذر عن أخطائك وتعترف بها وكأن تتوقف عن التدخين أو العادات السيئة المميتة الأخرى. فلنختر أن نكون أفضل. أن نتنفس هواء العيش من جديد وننفض غبار الماضي والمستقبل البعيد ونبدأ التغيير المراد.

تذكري وتذكر أن لا أحد يمكنه تغيير حياتك إن لم تفعل أنت وتفعلي أنت ذلك. فلما لا نبدأ التغيير الآن ما دام الشهر ينادي والوقت ينفذ. سيحدث أن نلتقي في هذا الطريق بعوائق كثيرة. سنلتقي بأشخاص يريدون منا التمهل المميت والتفكير قبل التغيير، يريدون أن نظل كما نحن وكما عرفونا حتى وإن كان ذلك لا يصب في مصلحتنا. في طريقنا هذا ستراودنا مشاعر ممزوجة بالخوف والسكينة.

سيبدو لنا هذا التغيير صعبا بل مستحيلا. لكن تتذكر فقط أن البدايات دائما ما تكون صعبة وأن عقلنا سيحاول ردعنا عن التغيير فهو مبرمج على حمايتنا من كل ما هو صعب وغير مألوف. لكن الفرح سيكون أكبر والرضا سيكون أعمق إذ أثبتنا لأنفسنا قبل الغير أننا نستطيع التغير وأننا سنستطيع أن نحول ما ظنناه مستحيلا إلى ممكن. فلنثابر ولنساعد بعضنا على التغيير. ولنتذكر أن الكلام سهل المنال أما العمل فيحتاج إلى أفعال.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.