شعار قسم مدونات

رواندا.. الثورة على الحرب

مدونات - رواندا
دولة أفريقية من دول العالم الثالث استعمرتها بلجيكيا من 1901 إلى 1962. يتألف سكانها من قبيلتين، قبيلة الهوتو التي تشكل نسبة 80 بالمائة من السكان وقبيلة التوتسي التي تشكل 20 بالمائة المتبقية. بعد خروج بلجيكيا منها حدثت خلافات بين القبيلتين نتيجة الصراع على الحكم والتفرقة العنصرية مما أدى إلى وقوع حرب طاحنة بين القبيلتين وعمليات انتقام من عام 1990 إلى عام 1994. قتل في هذا الصراع حوالي مليون إنسان ودمرت البلاد وتشرد الناس وتفرقوا، وساد الحقد والبغض والكراهية والانتقام عموم البلاد. ومن عجائب ما قرأته عن هذا الصراع أن أحدهم حينما كان يمسك بالآخر-من القبيلة الأخرى- كان يخيره بين أن يموت بالرصاص أو بأداة حادة، وإذا أختار أن يموت بالرصاص يجب عليه أن يدفع مالاً مقابل ذلك.

 
في عام 1994 قتل رئيس البلاد كابيلا -ينتمي إلى قبيلة الهوتو- إثر انفجار طائرته نتيجة تعرضها لهجوم لصاروخي، اتهمت قبيلة الهوتو قبيلة التوتسي بقتله، تمكنت بعدها قبيلة التوتسي من السيطرة على البلاد بقيادة كاغامي زعيم الجبهة الوطنية وتم تعيين باستور بيزيمونجو رئيساً للبلاد. بدأت الحكومة في ملاحقة المتورطين في الأحداث، وبدأت عمليات قتل مرة أخرى ولكن أقل وتيرة من الأولى. في عام 2000 قام زعيم الجبهة الوطنية كاغامي بإقالة الرئيس الرواندي واستلام السلطة مكانه.

بعد استلام كاغامي للسلطة قام بثورة على الحرب التي مزقت البلاد وشردت العباد وفرقتهم، فقضى عليها بشكل نهائي من خلال إجراءات وقوانين صارمة أعادت الحياة إلى طبيعتها وفتحت الباب لبدأ عصر جديد لرواندا الجميلة المتعبة والممزقة من اقتتال ابناءها فوق ثراها.

 
من جملة الإصلاحات التي قام بها كاغامي (القرارت الثورية التي اتخذها):

بلجيكيا قبل أن تخرج من رواندا كانت قد طبعت بطاقات الهوية للمواطنين حسب الانتماء القبلي، ربما كانت هذه البطاقات سبباً أيضاً في الظلام الذي خيم على رواندا بعد خروجها

1. تشكيل مجلس حكماء (لجان مصالحة وطنية): تم تشكيل مجلس حكماء في كل منطقة من البلاد للإصلاح بين الناس، يقوم المجلس بجلب الطرفين والجلوس معاً، يقوم المذنبون بالاعتراف بجرائمهم وذنوبهم، وبعدها يبدأ العفو والتسامح والصفح. وما فعلوا ذلك إلا بعد أن تيقنوا أن الحرب تقتل الجميع وتهدم بنيانهم ولا يوجد رابح في الحروب اللعينة، وإن لم يعفوا ويسامحوا ويصفحوا ستدوم الثارات ويدوم القتل حتى ينتهي الجميع.
 
2. وضع دستور للبلاد ينص على المصالحة والوحدة الوطنية، وتجريم كل من يتلفظ بلفظ عنصري في البلاد.
3.إعداد وتطبيق برامج تثقيفية وتعليمية لإعادة تأهيل المواطنين وخاصة الذين شاركوا في عمليات القتل والتدمير والتخريب.
4.إعادة تقسيم المحافظات، حيث كانت كل قبيلة تسيطر على عدة محافظات ومناطق، قامت الحكومة بوضع برامج لإعادة التوزيع السكاني في المحافظات وفتح مدارس تضم أبناء القبيلتين معاً بعد أن كان لكل قبيلة مدارسها الخاصة.
 
5.تنمية وتطوير القطاع التعليمي والقيام بحملات توعية في عموم البلاد تحارب العنصرية وتبين مساوئها ونتائجها الكارثية على الجميع، وتخصيص ميزانية كبيرة لأبناء الفقراء لينالوا نصيبهم من التعليم والتثقيف.
6. وضع قانون خاص بالمدارس، يمنع منعاً باتاً التلفظ باسم القبيلة أو القول بالانتساب إليها، ومن يفعل ذلك يعاقب.
7.تطوير وتنمية القطاع الصحي ووضع ميزانية كبيرة له.
8.تسهيل الإجراءات على المستثمرين، حتى بات بإمكان رجل الأعمال أن ينشأ شركته في يوم واحد فقط وبمكان واحد.
 
9.تشكيل مجلس استشاري يتألف من ذوي الكفاءات والخبرة والعلم من إداريين وأطباء وخبراء وعلماء في شتى المجالات لوضع خطط استراتيجية لتنمية وتقدم البلاد ولطرح حلول للمشاكل التي تواجه الدولة.
10.الاهتمام بجلب شركات كبيرة للاستثمار في البلاد من أمثال ستاربوكس العملاقة التي باتت اليوم -لها أكثر من 16000 فرع في العالم- أكبر مصدر وبائع للقهوة الرواندية في العالم.
 

من نتائج هذه الإصلاحات التي قام بها الرئيس كاغامي
   
بول كاغامي  (الجزيرة)
بول كاغامي  (الجزيرة)

 

1.الانتهاء من عصر القتل على الهوية والتفرقة العنصرية المقيتة.
2.تعتبر رواندا اليوم من أوائل الدول الأفريقية جذباً وجلباً لرجال الأعمال والمستثمرين، وما دخل هؤلاء مكاناً إلا تقدم وتطور ونهض. 
3.ارتفاع دخل الفرد بمقدار ثلاثين ضعفاً مقارنة مع السنين السابقة.

 
4.صرحت منظمة الكوميسا أن الاقتصاد الرواندي سجل أكبر نمو على مستوى العالم منذ عام 2005 وهذا ما أكده تقرير البنك الدولي بأن اقتصاد رواندا شهد التطور الأكبر على مستوى العالم منذ عام 2005.
5.انخفاض مستوى الأمية بنسبة 50 بالمائة.
6.أصبحت ميزانية الدولة تعتمد على 20 بالمائة فقط من القروض والديون والدعم الخارجي بعد ان كانت الدولة تعتمد بنسبة 100 بالمائة على الخارج بديونه وقروضه ومنحه.
   
7.بات أفراد القبيلتين يعملون معاً وينشئون الشركات معاً ويخدمون بلادهم معاً بعد أن كانوا يقتلون بعضهم على الهوية. بالمناسبة قرأت أن بلجيكيا قبل أن تخرج من رواندا كانت قد طبعت بطاقات الهوية للمواطنين حسب الانتماء القبلي، ربما كانت هذه البطاقات سبباً أيضاً في الظلام الذي خيم على رواندا بعد خروجها، وهذه من عادات الاستعمار على مر العصور، يتركون وراءهم ما يثير القلاقل ويفرق الناس ويزكي نيران الحقد والكراهية والحروب بين الأعراق والقبائل والقوميات المختلفة، ليحن الناس لعهود الاستعمار ويكون لسان حالهم: ليت الاستعمار يعود يوماً فأخبره بما فعل رحيله عنا.
   
تجربة رواندا مليئة بالدروس والعبر وجديرة بالدراسة والتعلم منها، بلد مزقتها ودمرتها الحرب وشردت أبناءها، استطاع في غضون بضع سنين أن ينهي الحرب ويقضي على العنصرية والصراعات القبلية ويزرع في نفوس أبنائها المتناحرين الكارهين لبعضهم حب بعضهم والعمل معاً والتعاون على خدمة وطنهم والنهوض بالاقتصاد والتعليم والسياحة وزيادة كبيرة في دخل الفرد مع إنها لا تمتلك نصف ما تمتلكه بلداننا في الشرق الأوسط من مصادر للدخل وثروات علمية وثقافية وطبيعية. فهل من معتبر ومتعظ؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.