شعار قسم مدونات

المرأة العاملة.. عقلين في خوفها!

مدونات - المرأة أم طفل
ترتشف فنجان قهوتها على عجلة من مزاجها، تغير ثيابها، ترتب ما بقي من فوضى في بيتها، تتجه إلى الباب مسرعة، تلحقها أصوات من هم في البيت، بين طلبات وتوصيات، وقليل من عبارات الوداع ترحل، ستعود حتما لتعدل شعرها، أو بعد أن صفعتها نسائم الصباح الباكر، تأخذ ما وجدته أمامها، لكنها في المقابل تهرع لتغير عقلها، فتعلق الأول على المشجب مستمتعا بعطلة ما بعد صباح، وترتدي الآخر مضطرة للقيام بواجبات ومسؤوليات موكلة إليها.
 
تتقاسم مع الرجل الباب الرئيسي للعمل، تزاحمه في المصعد، ومن هنا تبدأ حياة أخرى لا علاقة لها بتلك التي تركتها خلفها، مهما كانت صفتها، ومهما كان سنها، تناقش تحاور، تستقبل وتدافع، تكتب وتشرح، تختلف وظائفها في المجتمع، تارة تراها مبتسمة في وجه المشاهد تقدم النشرة الإخبارية، وقد تسمع صراخها في القسم تشرح درسا معقدا، تشاهدها مسرعة في المستشفيات لتلحق بروح تتأهب الرحيل، تجدها تقدم لك المساعدة في كافة الإدارات، وقد تلمحها تقود طائرة أو سيارة تسهل بها مهام الراحلين في ربوع هذا الكون، وقد تصدمك حين تحمل سلاحا وتدافع عن الوطن، وتلقي حكما تبرأ فيه مظلوما طاله القهر.
 
وسط كل هذه الدوامة التي تتعدى السبع ساعات لا أحد منا ينتبه لنقصها، واختلاف تكوينها، وهشاشة عاطفتها، تقحم في أكبر التحديات، متساوية مع يحمل القوامة، وكثيرا ما تجدها تتفوق عليه في الإخلاص والأمانة، والإلتزام، تحقق نجاحات مبهرة، يعترف بها العام والخاص، يلجأ لها الأب والأخ والزميل، يستند عليها المجتمع في أعمال خلقت لها، فما زرعه الله بداخلها من عطف وحب وحنان، يجعلها تتقدم على الرجل في معايير النجاح، والأداء.
 

تعشق الإناث تحمل المسؤولية، وتقديم يد المساعدة، ووضع بصمة فوق جبين المجد، بكل ما نكنه من حب في الآخر نقدم الأعمال في مقرات العمل بتفان

ينتهي الدوام، يرحل الجميع وعلامات التعب عنوان لكل وجه نراه في الطريق، أجساد تمشي وعقول لاهثة خلف كل مقعد تراه راحة لظهورها المحنية، وقطرات من العرق معلقة على جبين كل كادح في هذا الوطن، البعض من حسن حظه، يلقي بكومة المتاعب فوق طاولة المقاهي، ينتظر أصدقاءه، ليسحبوا من داخله كل هذا الوجع، أو يرحل للبيت يلقي بنفسه فوق سرير النوم ليعيد شحن بطارياته التي اكتست اللون الأحمر، وأصبحت تصدر صوتا في شكل نرفزة ظاهرة أو صمت مظلم.

 
هنا تبدأ حياة أخرى عند كل امرأة عاملة فور عودتها للمنزل، العقل الذي تركته فوق المشجب تسحبه بيد مرهقة لتخلع الآخر وترتدي المنتظر، لا مجال للهدوء، ولا حتى للجلوس، زوج يطالب بكوب من الشاي، طفل ينتظر قارورة الحليب، أخ يسأل عن قميص قصد الغسيل، أخت تحمل تمرينا صعب، والد يطالب بالإسراع في تقديم العشاء، وأم تسأل عن موعد غسل الأواني، وروح لم تهدأ بها عجلة التفكير، مئة يد، وألف نفس، والملايين من الطلبات والأوامر، يقابله جسد نحيل، لا يهتم حتى بمضغ لقمة وبلعها بسلام.
 
يخرج أحدهم ليعلل "أنتم تحبون العمل وتدرسون من أجل ذلك"، بكل ما نحمله من طموح طفولي، تعشق الإناث تحمل المسؤولية، وتقديم يد المساعدة، ووضع بصمة فوق جبين المجد، بكل ما نكنه من حب في الآخر نقدم الأعمال في مقرات العمل بتفان، والأعمال المنزلية بود، نعم تأخذ مرتبا في آخر الشهر، لكنها تصرفه بين دواء الصداع والضغط، لها إجازة سنوية وأخرى مرضية، وعطلة للأمومة، وساعات للرضاعة، لكن متى ستشرع القوانين بخصوص الأعمال المنزلية التي تنهش العقول، والقلوب، والأجساد؟
 
من غير المعقول أن تطالب المرأة بمرتب عن تنظيف بيتها أو إعداد إفطار لعائلتها، فتلك فطرة تأن بداخلها كلما تمردت عليها، لكن يمكنك عزيزي الرجل أن تقدم شكرا بعد كل لقمة هنية، ومن فضلك قبل كل طلب تقدمه، أن تساعد في تربية أبنائك، وترتيب أغراضك، أن تتوقف عن التأفف لخطأ بسيط، وعن التذمر لطلباتها بالتسوق أو التجول، أن تقبل جبينها في آخر الليل، ويدها عند بزوغ الفجر، ليس عيبا أن تكون السند الذي يساعد، ويسهل، فقد كانت المرأة التي تعمل وتربي، تتعب وتبتسم، تتألم وتحتضن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.