شعار قسم مدونات

رابطةُ الإعلاميين المصريين بالخارج.. بقعةُ ضوءٍ تأخرت

مدونات - رابطة الإعلاميين المصريين بالخارج

ارتبطَ الإعلام في مِصرَ بالسلطاتِ الحاكمةِ منذ بداياته الأولى، فأرشيف جريدة الأهرامِ العريقةِ يكشفُ عن مواد صحفية تم فيها وسم الزعيم أحمد عُرابي بالخائنِ! ووصف حركته الثورية "بالهوجة"!! وليس غريبا أن قام ضباطُ الجيشِ بتأميمِ الصحفِ بعد انقلاب يوليو 52، بل وتكبيل أقلامِ كُتّابِها بإصدارِ قانونٍ أسموه (حرية الصحافة) وهو القانون الذي فرض الرقابة العسكرية الصارمة على الصحف، بل وأدَ حُريتها تماما وأدَ الجاهلية الأولى للطفلةِ الأُنثى. ومع ذلك ظلَ سُلم نقابة الصحفيين لعقودٍ هو منارة الحريات ورايتُها التي تُشهر في وجه الحكومات العسكرية في مصر كلما ازدادَ طغيانَهم، ولم يَقدم حاكمٌ مصريٌ على اقتحامِ هذه النقابة العريقة حتى جاء السيسي الذي فعل كل من ما لم يجرؤ من سبقوهُ على فعلهِ، وبعدها دُجنت نقابة الصحفيين تماما، وخَضَعَت للنظام بكل أسفٍ وأسى.

  

كما يمكن اعتبار الفيديو الذي نشره مستشار الديوان الملكي السعودي تركي آل الشيخ على صفحته بصحبه الإعلامي المصري "الأشهر"، والذي أصبح اليوم "الأغلى" بعد تدخل "الرز" السعودي، يمكن اعتبار هذا الفيديو اختزال غير مُخل لحالة الإعلام داخل مصر بقراءة ما تمثله يد آل الشيخ التي هوت بطريقة أبوية على كتف عمرو أديب التي تدل لغة جسده على الالتزام التام والطاعة التامة، بل والانصياع الشديد بعد توقيع العقد، ثم الجملة التي أنهى بها آل الشيخ الفيديو قائلا: "اللي بعده – Welcome to Saudi Arabia".

  

شهد ميلاد هذه رابطة الإعلاميين المصريين بالخارج عثرات هي في أغلبها انعكاسٌ لحالة التّعصب الزائد لدى بعض المصريين والتخوفات أحيانا من الآخر ولو ذوي قربى

بالطبع الدعم بين الأشقاء ليس فقط أمرا مَحمودا ومَرغوبا فيه بل هو واجبٌ وفرضُ عين، ونحن في النهاية أمةٌ واحدةٌ مزقها الاستعمار وقطّعها بالحدودِ ليباعد بين الأخوة، أما فكرة تركيع وإهانة وإرسال ِإشارات بهدف إحباط وكسر 100 مليون مصري، بالطبع هذا لا يصب إلا في مصلحة الصهاينة ويبدو أن أعرابا كثر -بكل أسف- باتوا يعملون لصالح الصهاينة في العلن دون حياء أو وجل، وليس أدل على ذلك من تصريح الحركة الإسلامية بفلسطين والذي كشف عن قيام بن زايد بشراء عقارات عربية في القدس لصالح الاحتلال.

  
ووسط هذه الأخبار التي تنم عن جزء من حجم التخريب المنظم الحادث فينا، استطاعت مجموعة من المصريين بقيادة الإعلامي حمزة زوبع تأسيس رابطة للإعلاميين المصريين في الخارج، وإشهارها رسميا في دولة المقر الرئيسي للرابطة وهي الجمهورية التركية، لتصبح كيانا رسميا وشرعيا معترف به تقول لائحته الأساسية في بندها الثالث: شكل الإعلاميون المصريون بالخارج (خارج جمهورية مصر العربية) وفقا لأحكام هذه اللائحة رابطة تسمى رابطة الإعلاميين المصريين بالخارج تتمتع بالشخصية الاعتبارية، تكون مظلة لهؤلاء الإعلاميين وممثل لهم أمام الجهات الرسمية اقليميا و عالميا، وتسعى لتنظيم علاقاتهم ببعضهم البعض وبمؤسساتهم، وتحسين ظروف معيشتهم، وأوضاعهم المهنية، وتراعي المهنة ومواثيقها المعتبرة.

   

 

 وهذا البند يدلُ على ميلادِ كيانٍ قانوني يستطيع أن يلعب دورا سياسيا هاما في ظل تباطؤ حركة الجماعات والأحزاب السياسية دون مبرر مفهوم لدعم القضية المصرية، ويؤكد على ذلك البند الخامس للائحة والذي ينص على: تلتزم الرابطة بدعم أهداف الشعب المصري، وثورته المباركة في 25 يناير 2011، من العيش والحرية والكرامة والعدالة، وتدافع عن استرداد المسار الديمقراطي، وبناء دولة القانون والمؤسسات، ودعم حرية الصحافة والعالم دون انحياز أو تفرقة. وبهذا تستطيع هذه الرابطة أن تكون المتنفس النقي والمأمون الجانب لكل الإعلاميين المصريين في الداخل أيضا والقابضين على جمر ثورة يناير، ممن لا يتورع النظام المصري في اعتقالهِم وتجريمِ عملِهم ومهنتهم، والمؤسف أن الأصوات التي تنادي من الداخل بإطلاق سراحهم تأتي خافتة خجولة، عكس تقاليد نقابة الصحفيين بالقاهرة التي كانت تنتفض إذا ما جرؤ النظام على النيل من الحقوق الأساسية للصحفيين.

  

 وبالفعل أشارت اللائحة الأساسية للرابطة إلى ذلك بوضوح في بندها السادس الذي أكد على: الدفاع عن حريات الصحفيين والإعلاميين أينما كانوا، من ً المصريين خصوصا، ومن غير المصريين على وجه العموم وتقديم الدعم الممكن لقضايا الحريات في مصر. بقدر ما شهد ميلاد هذه الرابطة من عثرات هي في أغلبها انعكاسٌ لحالة التّعصب الزائد لدى بعض المصريين والتخوفات أحيانا من الآخر ولو ذوي قربى، بل والتشكيك غير المبرر أو المفهوم، بخلاف أيضا رغبة محمومة لدى بعض آخر لتصدر المشهد، أو في أقل تقدير إحداث صخب لجذب الأضواء للبقاء في دائرتها، ولكن في النهاية استطاع الإعلاميون في الخارج تأسيس هذا الكيان البالغ الأهمية والقدرة على التأثير، والذي لو وجد دعما مخلصا من الداعمين بالمال والأفكار والجهد والعمل لأصبح ذا تأثير إعلامي وسياسي مهم، ونواة صلبة لإعادة بناء إعلام مصري يعمل لصالح المواطن وليس لنيل رضا السلطة، إعلام يمارس جوهر حقيقة دوره وسبب وجوده وسر أهميته، ويَتَلمَس خُطى الأنبياء عليهم السلام والمصلحين، إعلامٌ يحُارب الفساد دون خوف من بطشٍ أو تَنكيل، ويُصحح العُقول ويُصوب الأفكار ويُنقح التاريخ، ويُلهم الحاضر ويساهم في رسم مَلامِح المستقبل، إعلام يُحارب الطغيان، ويسعى لاستعادة المجد القديم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.