شعار قسم مدونات

لماذا طلقوا عدنان إبراهيم؟

blogs - عدنان إبراهيم *
أذكر قبل 6 سنوات عندما كنت لا أزال في طور دراستي الجامعية بمصر، حديث السن ذا عقل شغوف لمطالعة كل كتاب يتحدث عن الفكر والسياسة، في ذلك الوقت اقترح عليّ صديق وأخ وكاتب جزائري فرنسي أن أشاهد حلقات لمفكر ذاع سيطه؛ اسمه عدنان إبراهيم، وأرسل لي بعض الروابط التي تعتبر الأكثر إثارة وحدّة بأفكار الرجل.
 

بدأت وأنا أنتقد هجومه الشديد وبعض الألفاظ وبعض الأفكار، ثم واصلت متابعتي وتركيزي على أكثر محاضراته، وأستطيع أن أدعي أنني شاهدت للرجل مئات الساعات التي تشمل خطبه ومحاضراته ودروسه في مسجده الشورى بفيينا عاصمة النمسا. وسرعان ما وجدت نفسي متأثرًا ومن ثمّ معجبًا بجل أفكاره، وخصوصًا خطابه التجديدي الأقرب للشباب، حتى أنني تمكنت من التواصل معه عن طريق كاتب وسياسي سوري مقيم في النمسا والصديق المقرّب لعدنان إبراهيم، بل وبدأت بمشروع كتاب عن أفكار الرجل بصورة المدافع المتزن. ولكن كلّ هذا زال! وأحمد ربي ومن ثمّ أثني على نفسي أنني طلقت التعصب منذ سن الثامنة عشر، بعد أن ابتليت به لا بسعي مني بل بإيديولجيات فُرضت عليّ خلال مرحلة دراستي الإعدادية والثانوية. ولا أريد أن أغوص كثيرًا في المقدمة، فلديّ الكثير الهام الذي أريد طرحه هنا.

 

تبًّا لرجال الدين الذين أصبحت أمتنا الجاهلة رهن أفكارهم وانقلاباتهم، تبًّا لرجال الدين الذين يريدون تركيعنا لأعدائنا باسم الدين، تبًّا لهذه التحولات ولهذا النفاق وما أروع الإلحاد أمام هكذا دين

عندما بدأ د. عدنان في سلسلة دروس مع قناة روتانا الخليجية، برغبة من صاحبها الوليد بن طلال، كنت ألاحظ ردود الأفعال الصاخبة حتى من بعض المعجبين به، كنت أراقب ذلك مع استمراري بمتابعة الرجل بكل خطوة، وكنت متعلقًا به معجبًا نعم ولكنني لم أكن متعصبًا ولن أكون متعصبًا لأحد. استمرّ في قناة روتانا وكنت أرى أنّ هذا شيئًا طبيعيًّا، إلى أن وصل لمرحلة أنه بالكاد يصعد لمنبره ويلقي الخطب، بل كان أكثر وقته لقناة روتانا، ومن ناحية أخرى وأهم بدأت أفكاره السياسية المتناقضة تطغى على رحلته الفكرية التي أعتبر أنها قتلها بهذا التناقض.

 
الذي يعرف د. عدنان يعلم كيف كان موقفه من الثورات العربية، حيث كان مؤيدًا لها، هاجم مبارك والقذافي والأسد، ثمّ ما لبث أن خرج قبل نحو سنتين على قناة الميادين الموالية لنظام الأسد، ليتحدث عن نظام الأسد أنه ممانع ومقاوم وللحقيقة لم يغفل ذكر أنه نظام ظالم! ربما تقول أنه رأي منصف، لكنني أرى أنه إما تناقض بتّ ألاحظه بشكل كبير عند الدكتور، أو أنه جهل بعالم السياسة، التي لا علاقة بمشايخ الدين بها، بل الأفضل لهم أن يسكتوا. وبالمناسبة كان موقفه باردًا تجاه انقلاب السيسي العسكري على رئيس منتخب ديمقراطيًّا من قبل الشعب المصري لأول مرة بتاريخ مصر، بل حتى أنه برّر لذلك نوعًا ما، معتبرًا أنّ تصويت الأغلبية لا يعني بالضرورة شرعية الرئيس!!

 

منذ قرابة سنة قلت "كفى"، فالرجل لم يعد عدنان الذي نعرفه، الذي كان يثور مدافعًا عن الحق، بل أضحى تحت وصاية ابن زايد، وابن سلمان، أقولها وبكل أسف وأنا حزين، كوني تعلقت به في مرحلة معينة وكنت كشاب معجبًا بشدّة، ولكن ما زلت أصرّ على فكرة إبعاد السياسة عن رجال الدين وليس عن الدين، بمعنى لا حرج في أن تكون السياسة منبثقة عن حضارة دينية متقبلة لعصرها ومتفاهمة معه، ولكن لا أن تكون السياسة منبثقة عن رجال دين يمكن أن يباعوا بدراهم او بريالات معدودة.

 

الذي جعلني أمسك قلمي وأكتب هذا المقال وأنهي حالة الصمت التي أعيشها؛ مقطع فيديو نشره الإعلامي السعودي والمقدّم على قناة روتانا، أحمد العرفج، في لقاء قصير مع د.عدنان إبراهيم تمهيدًا لبرنامج "صحوة 3″، كان عدنان إبراهيم فيها للأسف أشبه ما يكون بمعتقل سياسي مرتهن لدى ابن سلمان الذي باتت سجونه ضيقة بمعتقلي الفكر والسياسة، كان إبراهيم يمسح الجوخ لآخر درجة، وكان يلمّع صورة الطاغية بأقبح صورة، يا للأسف يا للأسف، كم هي الريالات والدراهم فاتنة في أعين البعض.

  undefined

 

ألم يسائلك ضميرك وأنت تشيد بمسيرة الرائد الجديد ابن سلمان، عن مصير سلمان العودة الرجل الطيب الذي لم يكن ذنبه إلا أن قال "ربنا لك الحمد لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك. اللهم ألف بين قلوبهم لما فيه خير شعوبهم"؟.. ألم يسائلك ضميرك يا عدنان عن انبطاح وذلّ ابن سلمان أمام ترامب المتبجح الذي لم يذق العرب والمسلمون الذل إلا في زمانه؟! ألم تخجل من ربك الذي دائمًا ما تقول أنك تسعى لرضاه؟!

 

كان اللقاء أقرب لتلك الاعترافات السخيفة التي ينشرها الإعلام السوري الرخيص، هل أنت نادم؟ نعم أنا نادم. هل تراجعت عن مواقفك حول عزمي بشارة؟ بالطبع نعم. هل تغير رأيك بالنظام الإيرانيّ الذي كنت تمجده؟ نعم نعم بل أنا كنت مغفلًا سياسيًّا! هنا يضحك العرفج ويقول لعدنان: والله اعتراف جميل يا دكتور أن تقول عن نفسك بأنك مغفل سياسيّ، ليجيبه عدنان ضاحكًا أيضًا: بل كنت معفلًا وساذجًا ههههه!!

 

تبًّا لرجال الدين الذين أصبحت أمتنا الجاهلة رهن أفكارهم وانقلاباتهم، تبًّا لرجال الدين الذين يريدون تركيعنا لأعدائنا باسم الدين، تبًّا لهذه التحولات ولهذا النفاق وما أروع الإلحاد أمام هكذا دين، فوالله لأن أكون ملحدًا أفضل لي من أكون ذا دين هش ذليل سِمته النفاق.

 

عدنان إبراهيم خرج من عيون الكثيرين، لقد قتل نفسه وقتل رسالته التي بدأ بها، والتي كانت نشر الفكر والوعي والابتعاد عن الخرافات وما شابه. المشكلة باعتقادي تتبلور في افتقارنا إلى الوعي الناضج الذي يمشي عبر استقلالية شخصية أصحاب الفكر، لأن الفكر ثمين ومن المعيب أن يُشرى ويباع ببضعة نقود. أعتقد أنّ دور عدنان في المرحلة التي تمرّ فيها السعودية الجديدة مهم جدًّا لابن سلمان، فلا بدّ أن تكون واجهة فكرية حاضرة في موجات التغيير هذه، مقابل اعتقال مئات المفكرين والسياسيين الرافضين لسياسة ابن سلمان.

 

أختم بهذه الجملة الأخيرة، عدنان إبراهيم بات لا يختلف عن عمرو خالد أو الجفري وغيرهما من الذين يطبلون للحكام الطغاة الظلمة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.