شعار قسم مدونات

"النكتة" وأزمة الخطاب السياسي في الجزائر!

مدونات - علم الجزائر

"نحن في زمن الرداءة وللرداءة أهلها"
– عبد الحميد مهري رحمه الله


من غير اللائق أن أتطرق إلى أزمة الخطاب السياسي في الجزائر دون ذكر هاته المقولة التي تعتبر فاصلا بين مرحلتين هامتين في المشهد السياسي الجزائري عامة والخطاب السياسي بصفة خاصة إذْ تعترف جميع الأطياف السياسية في الجزائر بأن قائلها مدرسة في السياسة الجزائرية وهو السيد: "عبد الحميد مهري" توفي في سنّ 85 سنة رحمه الله المعروف لدى العام والخاص بميوله للقومية العربية هذا الأخير الذي كان مدركا للمستوى المتدني الذي سيئول إليه الخطاب السياسي في البلاد مستعينا بـ مؤشراته الخاصة.

ما دفعني للكتابة عن هذا الموضوع في حقيقة الأمر هو طغيان نوع من الخطابات يغلب عليها طابع النكتة وحتى العجائبية عكس ما يجب أن يتوفر عليه الخطاب السياسي من أسس ومعايير لتفادي أخطاء صبيانية قد تجعل مرتكبها مسخرة لدى الرأي العام وهو ما شاع في الأوساط الشعبية في الجزائر فعندما يقوم سياسي جزائري بالتصريح أو ندوة صحفية سرعان ما تنتشر فيديوهات لتصريحات محملة بالنكت والعشوائية في تشريح الواقع المعاش تقابله في نفس اللحظة وسائل التواصل الاجتماعي بالسخرية والتهكم على رداءة مستوى هذا السياسي وجهله بمتطلبات الشعب وأهم مشاغله ففي حين كان على خطاب المسؤول أن يحمل دلالات الأمل وخططا بديلة يتشاركها مع الحكومة للخروج من الأزمة الخانقة والدعوة إلى البحث عن سبل لتطوير الجزائر بعيدا عن البترول والغاز وفك الشيفرة لولوج عالم الصناعة والفلاحة وتحقيق الاكتفاء.

تغير الساسة ولكن الخطاب بقي في الحضيض هذا الأمر جعلني أتساءل حول ما يقصده هؤلاء من تفعيلهم لهذا الجنس من الخطابات وهل هي محاكاة لشعبوية أم أنها تعكس مستواهم الحقيقي؟ المتتبع للشأن الديبلوماسي في الوطن يدرك جيدا المستوى المحدود للسياسي الجزائري ويعي تمام اليقين أن بعض الأحزاب لا تمتلك خارطة طريق لتسيير شؤونها ولم تسطر أهداف لها على المدى البعيد ولا القريب لهذا يعتبر المواطن المعارضة مجرد خلية نائمة لا فائدة ترجى منها في الساحة السياسية على الإطلاق.

أمثلة عن النكتة السياسية:
علينا أن ندرك حجم المسؤولية التي نتحملها لأجل أفراد المستقبل لأن القوة تكتسب عن طريق العمل والاستمرارية في التطور من دون السماح بكسر سلسلة الحضارة أو طمس لمعالمها

"الجزائر أفضل من السويد، أنا أم لكل الجزائريين، أنا من سلالة الرسول عليه الصلاة والسلام، انا درست مع أنجيلا ميركل، الجزائر أفضل من نيويورك". هي عينة فقط من بعض النكت التي تفوه بها السياسيون ورجال الأعمال لأسباب معينة والأمثلة كثيرة جدا لدرجة أني أعجز عن إحصائها كلها لكثرتها ونتيجة لهاته الركاكة في الخطاب السياسي ظهرت برامج تلفزيونية تقتات على هذه الشروخ وتُركب منها حصصا لتنتج سلسلة على مدار السنة وفق طابع هزلي لأجل معالجة التصريحات وربطها بالواقع المعاش مما أكسبها شهرة واسعة في الجزائر وباقي الوطن العربي.

 

وأذكر على سبيل المثال برنامج "طالع هابط" وبرنامج "عمر راسك" وكذلك "واش قالوا فالجرنان" اختلفت الحصص في العناوين لكنها تحمل هما واحدا في مواضيعها دوما وهو مهزلة الخطاب السياسي محاولين تقييمه ونقده بطريقة بناءة للرفع من مستواه ومن جهة أخرى ظهر نشطاء على يوتيوب يناقشون أزمة التصريحات السياسية محاولين بعث رسالة صريحة للكل من أجل إعادة الخطاب السياسي في الجزائر إلى أيام عزّه وقوته وهي فكرة لاقت استحسانا كبيرا وسط الشعب خاصة في مواضيعهم التي تطرح وتتم بلورتها بطريقة فنية إبداعية تكون خاتمتها رسالة أمل واتحاد للشباب الجزائري من أجل وطن قوي متلاحم.

ربما يكون الهدف من الاستعراض في التصريحات السياسية لفت الانتباه ومحاولة لرفع عدد المشاهدات في اليوتيوب من طرف السياسيين أو يمكن أن تكون ظاهرة مرضية يمر بها الخطاب السياسي بعد إصابته بالخرف وعدم وعيه بالتبعات التي قد تنجر خلف تصريحات عفوية لا معنى لها لهذا يجب تجديد الدماء في الأحزاب السياسية كاملة وإعادة تقويم الخطاب السياسي للنهوض به من الدرك الأسفل مرة أخرى ورسم خطة فعالة لتشارك في إيجاد حلول للأزمات التي تمر بها البلاد والسعي لتنويع الاقتصاد الوطني بغية التخلص من التبعية.

ما يمكن أن يأمله المواطن الجزائري هو؛ التخلص من الرداءة التي طالت كل الشيء وعطلت مساعي الاجتهاد في البناء للمستقبل الحقيقي لا مستقبل الشعارات واضعا بذلك الخطوة الأولى للأمام بالعمل الجاد والفعال للتخلص من الزوائد التي تعرقل عملية التطور لأجل غاية في النفوس المريضة لأن شعورهم بالرضا على ذواتهم ينتج فقط من تعطيل القدرات الإبداعية للشباب ودفن أفكارهم التي من شأنها رفع قدرات البلاد على الصمود في وجه الفتن والتحديات لهذا وجب علينا كشباب واعي التخطيط لبناء الجزائر التي حلم بها الشهداء وسعى إليها القادة الكبار في كنف عالم عربي متحد وقوي لضمان مستقبل الأجيال القادمة التي لا يجب أن تعاني من الاستعمار والتقيّد بأوامر الغرب.

 

علينا أن ندرك حجم المسؤولية التي نتحملها لأجل أفراد المستقبل لأن القوة تكتسب عن طريق العمل والاستمرارية في التطور من دون السماح بكسر سلسلة الحضارة أو طمس لمعالمها وأول خطوة يجب علينا اتخاذها هي تغير الخطاب السياسي للتحفيز على القيام من جديد كأمة كسبت تاريخها بالدم وستكتب حاضرها ومستقبلها بالوئام والسلم والتكاتف.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.