شعار قسم مدونات

الزواج.. كيف نسيت الأمة قضاياها المصيرية؟

blogs الزواج

الزواج الكلمة التي نسمعها كثيرا والهدف المرجو عند الجميع فبمجرد أن يبدأ الشاب ببلوغ العشرين من عمره -بل وربما قبل- حتى يبدأ بالتفكير بهذا الأمر المهم ويصبح همه الأكبر في حياته فينصبُّ جلَّ فكره في تأمين الأسباب المعينة على هذا الزواج ونفس الأمر للفتاة فبمجرد بلوغها ترى هاجس الزواج مسيطراً على عقلها مخافة أن تصبح عبئاً على أهلها وخوفهم الوحيد أن تبقى عانساً في بيت أهلها.

 

وما بين همّ الشاب وشهوته التي هي من الفطرة وبين خوف الفتاة من كلام أهلها والمجتمع وحاجتها لرجلٍ يصونها يضيعُ الإثنان ويغرقان في بحار العادات والتقاليد وصعوبات الحياة ويتضاربان بعواصف الفتن والشهوات. فأصبح الزواج عند الشاب في زماننا هذا هو فقط لقضاء شهوته بالحلال وليبتعد عن الحرام وهذا إن كان مطلوباً ولكنّه ليس الدافع الوحيد للزواج لذلك تجده لا يريد اختيار إلا الفاتنة الجميلة دون الإلتفات إلى ثقافتها ودينها وهل إذا كانت ستصلح لأن تكون أمّا ومربيةً لأولاده.

 

وإن جئنا لهمّ الفتاة وجدناه منصبّا في الماديات ومظاهر الدنيا حتى أصبح كل هدفها اختيار الرجل الأقدر على تأمين مطالبها الدنيوية والكماليات التي تفتخر بها أمام مثيلاتها دون النظر إلى صفات الزوج الحقيقي القادر على إسعادها والحفاظ عليها. وقد نسي كل من الطرفين أيضاً أهم الأسباب لإرتباط الأسرة ودوامها ألا وهو الحب الصادق الطاهر الذي يجعل كل من الطريفين مخلصاً للأخر راضياً به حتى ببعض عيوبه لا يستطيع التخلِّي عنه والعيش دونه.

 

لا بدّ لنا جميعا أن نعي المعنى والهدف الحقيقي من الزواج ونفهم شروط إختيار شريك الحياة الصحيحة حتى يسعد كل واحد منا في حياته الزوجية ويعيش مطمئنا في كنفها مع أفراد أسرته

وما بين الهدفين ضاع الهدف الأسمى للزواج والمعنى المقدس له ألا وهو إقامة أسرة مسلمة صالحة بين طرفين متفاهمين متحابين تعاهدوا على السير معاً في طريق واحد وهدف واحد وعلى تقديم الغالي والرخيص وبذل التضحيات في سبيل إسعاد بعضهم والحفاظ على منظومة الأسرة. فمن لم يفهم من الزواج إلا قضاء لشهوته والتمتع بجمال زوجته لن تمرّ عليه أيام أو أشهر إلا وسيندم حينما ينصدم بخفايا كثيرة ستظهر من زوجته وفي حياتهما لم يكن يحسب لها حساباً من قبل الأمر الذي سيؤدي إلى دمار الحياة الزوجية وإن استمرت فستكون حياة تعيسة بل ربما تستمر بوجود الخيانة من الطرفين فحين يفتقد كل طرف منهما لما يريده من سعادة وأمان وحبّ صادق حتماً سيبحث عن ذلك مع طرف أخر.

 

والزواج ليس الهدف الأكبر في حياتنا فمن المؤسف أن ترى شباب اليوم لا يدور في فكرهم ولا يشغل بالهم إلا الزواج فهم يلهثون خلف كل عمل وكل درهم ليؤمنوا حاجات هذا الزواج. فإن كان الجميع سينشغل بالزواج وتأمين حاجاته فمن سيهتم بقضايا الأمة المصيرية التي تخلى عنها الجميع ولا نقول للشباب لا تسعوا للزواج بالعكس الزواج سنة واجبة وأمرٌ ضروري لبقاء الأمة وزيادة نسلها ولكن لا تجعله همك وشغلك الوحيد وتنسى أموراً كثيرة مهمة على صعيد حياتك الشخصية وعلى صعيد المجتمع.

 

فنحن نريد أن يزداد نسلنا صلاحاً وإبداعاً وليس فساداً وغباء كما يحصل اليوم ففاقد الشيء لا يعطيه وكيف لأب وأم لا يملكان أدنى مستوى من الفهم والعلم أن ينشئوا جيلاً مبدعاً ومثقفاً ولا نتكلم هنا عن العلم الذي يحصل في الجامعات وعن حملة الشهادات فالعلم والفهم لا ينحصران بالشهادات والجامعات فكم من حامل لشهادة لا يعرف من العلم والفهم إلا اسمه وكم من محروم من الشهادات الرسمية عنده من العلم والفهم الكثير الكثير.

 

فلا بدّ لنا جميعا أن نعي المعنى والهدف الحقيقي من الزواج ونفهم شروط إختيار شريك الحياة الصحيحة حتى يسعد كل واحد منا في حياته الزوجية ويعيش مطمئنا في كنفها مع أفراد أسرته وهذا ما يجب على الحكومات والمنظمات والجمعيات أن تتحمل مسؤوليته. فصلاح المجتمع يبدأ من صلاح الأسرة وصلاح الأسرة مرتبط بنجاح الأب والأم في رعاية هذه الأسرة وهذا الأمر لن يتم حتى يفهم كل من الأب والأم دوره الجوهري في أسرته وما يترتب عليه من واجبات اتجاه أسرته.

 

فما أحوجنا جميعاً أن نعي وننشر ثقافة وفقه الزواج في مجتمعاتنا وبين شبابنا وفتياتنا حتى تعود السكينة والطمأنينة والاستقرار بين الجميع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.