شعار قسم مدونات

من أخبار الحمقى في رمضان

blogs رمضان

كلَّما هَبَّتْ رياحُ رمضانَ حاملةً تباشيرَ الخيرِ وجليلَ الرَّحماتِ، تنسَّمَ المشتاقونَ أريْجه، وعزموا على استحضارِ النَّوايا لاستقبالهِ استقبالَ الغائبِ المنتَظر، والحبيبِ العائدِ من سفر. فإذا ما حضرَ الشهرُ المباركُ انقسمَ الناسُ فيه على ثلاثه: فالقِسمُ الأولُ مِن هؤلاءِ شدُّوا مآزِرَهم، وشمَّروا عن سواعِدهم، وطَفِقوا يصومونَ نهارهُ، ويقومونَ ليلهُ، ويأتونَ فيهِ منَ الخيرِ ما وسِعتهم طاقاتهم؛ مغتنمينَ تضاعفَ الأجورِ، وانحباسَ الشٍَياطينِ عنهم. أمَّا القسمُ الثاني منهم فقد اكتفوا بالقليلِ، فأدركوا بنواياهم أكثرَ مِن الذي أدركوه بأعمالهم. وأمَّا القسمُ الثالثُ فهم الحمقى، ولهؤلاء مع الشَّهرِ شأنٌ آخر.

  

و قد ورد في الصّحيحِ نقلاً عن السَّيِّد المسيح عليه السَّلام قوله: "عالجتُ كل أكمهٍ وأبرصٍ مشوَّه لكنني لم أطق قط علاج الأحمق". وقد قالت العرب قديماً: (لا تأمن الأحمقَ وبيده السّيف). كما قالت أيضاً: (ربّما أراد الأحمق نفعك فضرَّك)، فاجتنب الاحمق فإنه يرتكب الحماقة ولا يدري أنه ارتكبها.

 

والحُمْقُ في رمضانَ كثيرةٌ أنواعه وكذلك أهلُه، نَذكرُ منها في هذه التدوينة -على سبيلِ المثالِ- سبعةَ أنواع:

حُمْقُ من قضى صيامَهُ في إعدادِ إفطاره، فذاك انتكسَ حُسبانهُ فجعلَ شهرَ الصيامِ شهراً للطعام. وهذا النوعُ منتشرٌ جداً

النوعَ الأول: حُمْقُ من يَشغلُ وقتَهُ باللَّهثِ وراءَ أخطاءِ النَّاسِ وتتبُّعِ عوراتِهم، فلا يكادُ يتركُ أحداً إلا وقالَ فيهِ ما قالَ وعابَ عليهِ ما عاب، فلا هو شغلَ نفسَهُ بتصحيحِ مساوِئِها، ولا هو تركَ الناسَ لخالقها. فصاحبُ هذا النوعِ من الحمقِ يخرجُ من شهرِ المغفرةِ والرحماتِ ومضاعفةِ الحسناتِ، مليءَ الوفاضِ بالسَّيِّئات. وقد قيل قديماً: (من نظر في عيوب الناس فأنكرها ثم رضيها لنفسه فذلك الأحمق بعينه).

  

النوعُ الثَّاني: حُمْقُ مِن يَشغلُ نفسَهُ بمتابعةِ الجديدِ من المسلسلاتِ، وفوازيرِ القنواتِ، فهذه الأخيرةُ قد نابتِ الشياطينَ في عملهم، وكفتهم مؤونةَ العَنَت. أما صاحبُنا فقد أضاعَ وقتهُ في ما لا يُرجى منه فائدة، فلا هو أصابَ من ذلك خيراً، ولا هو اغتنمَ وقتَهُ في ما يجدرُ به. بمثل هكذا حمقى تحتفي الشياطين وهي في أصفادها.

 

النوع الثَّالث: حمقُ من قضى جُلَّ أيامِ الصيامِ في المنام؛ لقضائهِ الليلَ في الأنسِ والسَّهر. فذاك غيَّرَ سنةَ اللهِ في الليلِ والنهار، واليقظةِ والمنام، فلا هو في النهارِ ذاقَ الصيام، ولا هو شغلَ ليلهُ بالقيام.

 

النوع الرابع: حمق من أضاع خارطةَ الأولويّات، فشغل نفسه بالطاعات المسنونة عن المفروضة، فأقام ليله متنفلاً بشتى النوافل ونام عن فريضة الفجر. وبعض أصحاب هذا الحمق أيضاً لا يملُّون التحقير من ايجابيات الأخرين، يقول قائلهم ساخراً حين رأى غيره مجتهداً بالطاعات في رمضان: ربُّ رمضان ربُّ سائر الشّهور. فهذا قد أعماه حمقُه عن كون باب الهداية فُتحَ لفرعون فضلاً عن سواه.

 

حمقُ مَنِ اقتطعَ الثُّلثَ الأخيرَ من الشَّهرِ -أو زادَ عليهِ قليلاً- يسرحُ في أسواقِ الملابسِ؛ ينتقي أفخمَ الماركاتِ، ويتتبَّعُ أحدثَ الصيحاتِ والموضات. فذاك خسرَ رمضانَ خسراناً مبيناً

النوعُ الخامس: حُمْقُ من قضى صيامَهُ في إعدادِ إفطاره، فذاك انتكسَ حُسبانهُ فجعلَ شهرَ الصيامِ شهراً للطعام. وهذا النوعُ منتشرٌ جداً، فترى جُلَّ ربَّاتِ البيوتِ تقضي شطرَ يومِها الثَّاني من كلِّ يومٍ في رمضانَ في إعدادِ أطباقِ الطعامِ وأصنافَ الشراب، حتى إذا كان الغروبُ قعدَ أهلُ البيتِ وهم خفافٌ خماصٌ ولا ينزاحونَ عن مواضعهم إلا وقد صاروا بطاناً ثقالاً. والنتيجة أنك ترى من الناس من كرشُه يكاد يعلن الاستقلال عن جسده. هكذا جعلَ الحمقى رمضانَهم شهراً للتَّسمين.

 

النوعُّ السادس: حُمْقُ من يقضى الثُّلثَ الأخيرَ من الشَّهرِ في مسجدٍ معتكفاً دون تحقيقِ المرادِ منَ الاعتكاف، فلا هو استغلَّ وقته في عبادةٍ، ولا هو ترك لغيرهِ مجالاً للعبادة، بل يقضي جلَّ وقتهِ في السَّلامِ والكلامِ ومطاردةِ السّآم. أما بعضهم فاعتكافهم -كما يُحكى- ليس المراد منه التقرب إلى اللهِ ولكنِ الابتعاد عن أهلِ بيته.

 

النوع السَّابع: حمقُ مَنِ اقتطعَ الثُّلثَ الأخيرَ من الشَّهرِ -أو زادَ عليهِ قليلاً- يسرحُ في أسواقِ الملابسِ؛ ينتقي أفخمَ الماركاتِ، ويتتبَّعُ أحدثَ الصيحاتِ والموضات. فذاك خسرَ رمضانَ خسراناً مبيناً، وكانَ عِيدُهُ كَدِراً حزيناً، والعروس على قدر مهرها.

 

هكذا يجعلُ الحمقى رمضانَهم أقلَّ منفعة، وأكثرَ كلفة، وأضرَّ صحَّة، فيخرجون منه بخُفَّي حُنين، فنسألُ اللهَ رمضاناً مقبولاً، لا كرمضان الحمقى!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.