شعار قسم مدونات

ماذا لو مات العرب!

blogs - شباب مصر
كيف وصلنا إلى هنا؟ وإلى متى سنبقى هكذا؟ أسئلة يطرحها باستمرار كل فرد في هذه البقعة من الأرض يبحث عن جواب فلا يجد، ﻷن تواجده على قيد الحياة في حد ذاته قد يكون جوابا لأسئلته. دائما ما نتساءل ماذا قدم العرب للعالم في العقود الأخيرة، فيقول قائل "لم يقدموا شيئا يذكر"، لكن لولا العرب لما وصل العالم إلى ما وصل إليه اليوم من تقدم أو من تأخر فذلك لا يهم، فبغض النظر عن ما قدموه في عصرهم الذهبي، فمازال العرب يقدمون الكثير في زمن الحضيض هذا، وتدوينتي هذه غير كافية لسرد كل ما قدمه العرب للعالم المعاصر. فكيف سيكون العالم إذا لولا العرب؟ ماذا لو مات العرب فماذا سيبقى للعالم؟

 

إذا مات العرب فمَن سيهتف عاش الملك ويحيا الرئيس، يركع للطغاة ويقبل الأيدي والأقدام ويعلن نفسه عبدًا مطيعا يهوى التطبيل لحاكم لا يُنفد سوى أجندات سُلمت له ومن سيقبل الذل والخنوع. إذا مات العرب فدموع مَن ستتساقط على هذه الأرض تسقيها لتُنبت حقدا وكرها، ودماء مَن تنسكب عليها تملأ تجاعيدها التي خطتها الحروب وأشلاء مَن تستخرج تحت الأنقاض. مَن سيموت حرقا وتعذيبا ومن ينجوا ليموت جوعا وقهرا وتشريدا ولمَن ستقام المجازر. مَن سيحيا ليجسد أفلام هوليود الحربية ويعيد تمثيل ابكاليبس لكن هذه المرة عربية.

 

إذا مات العرب فمَن سيدفن ما تبقى من أحلامه ويحمل أغراضه وذكرياته حتى يرحل عن أرض كانت يوما ما وطنه الدافئ، يحمل أبناءه ويسير بها في العراء بحثا عن أرض تعطيه ما سلبته منه أرضه. أجساد مَن ستحملها الأمواج وتهوي بها الرياح، ومَن سيُنجب عمرانا جديدا تُعزف عليه معزوفة الصمت وتُحيطه العدسات، وطفلا آخر كالآن الكردي تلفظه مياه البحر فيضع جبينه على رمالها بعد أن بحث عن أرض تأويه فلم يجد، وبثينه تفتح عينها لتُبصر العالم فلا تجد سوى عالما وُضعت كمادات على عينيه فلا يرى إلا بقدر ما أراد واضعوها، ومَن سيموت ليحيا حكامه.

 

إذا مات العرب فمَن سيملأ السوشيال ميديا رثاء، وقنوات الإعلام بكاء، ومَن سيصطف في العزاء. مَن سيفتي في النكاح والطلاق وعذاب الجحيم

إذا مات حكام العرب، فمن يقسم هذه الأرض يجزئها ويهديها حقلا لتجربة أحدث الأسلحة وأفتكها، مَن سيستورد إذا من تجار السلاح ويعلن أرض شعبه مهرجانا لإراقة الدماء. مَن سيحابي إسرائيل ويغازلها في الخفاء، وفي العلن يتوعدها، مَن سيبيع القدس، يحرق حلب، يبيد الغوطة، يدمر بغداد، ويهدم صنعاء. من سيمارس الوحشية كروتين يومي وينافس ستالين وهتلر ويعيد عجلة الفتك إلى الدوران. ومَن سيتلاعب بالمفاهيم كيفما يشاء يرمي الحرية والكرامة في خانة الانفصال والقتل مستباح تحت دريعة الاستقرار، ومن سيقول أنا وبعدي الطوفان.

 

إذا مات العرب فماذا يبقى للأمم المتحدة لتعلن استنكارها عليه وتعبر عن قلقها، ولأي سبب ستجتمع روسيا وأمريكا في مجلس الأمن يتوعدان وبعدها يتبادلان القبل ويتعانقان، وما قيمة القمم والاجتماعات إن لم تنعقد على أطلال حروبنا وتتباحث عن حل لصراعاتنا بل حل لاستنزاف ما تبقى من ثرواتنا، وعلى من ستطبق سياسة العصا والجزرة، أو بالأحرى سياسة الحمار والعصا والجزرة.

 

إذا مات العرب فمَن سيملأ السوشيال ميديا رثاء، وقنوات الإعلام بكاء، ومَن سيصطف في العزاء. مَن سيفتي في النكاح والطلاق وعذاب الجحيم، ولا يسطع أن يفتي في تحريم قتل أبرياء دنبهم الوحيد أنهم طالبوا بالعيش الكريم، ومن سيوقظ الفتنة ويفرق أبناء الدين الواحد يكفر هذا وذاك. ومن سيخلق من الاختلافات المذهبية والعرقية سيوفا تتحارب بها الأجيال وكل يدعي أنه هو من يملك الصواب دون سواه.

 

إذا لم نكن نحن فمَن سيتغنى بأيام المجد السالف وبالتاريخ والحضارة التي أكل عليها الدهر وشرب ويذكر العالم بأن هذه الأرض كانت ولادة يوما ما، وأنا مَن أنجبت فلان وعلان، فمَن إذا سيغني " إذا الشعب يوما أراد الحياة، فلابد أن يستجيب القدر " فيأتيه القدر شهادة أو تشريد، وعلى مَن ستمر الأيام تفعل به ما تشاء، ينطق بالحرية دون أن يعيشها، ينتظر الأمل حتى يمل انتظار، مَن سيطلق أمنياته في السماء فتتساقط عليه رصاصا، ومَن سينتظر بزوع الفجر الذي لربما لن يبزغ ومع ذلك يستمر في الانتظار، فأخبروني من سيقدم كل هذا لو مات العرب؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.