شعار قسم مدونات

إسلام النواعم وتجلياته في الواقع السوداني

مدونات - طلاب السودان شباب السودان
لعل الظهور الأبرز لما يُعرف بإسلام النواعم كان نتيجة لما تلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر من تغيرات جيوسياسية.. والحوجة إلى خطاب جديد في ظل الحرب الموجهة ضد الخطاب الإسلامي الأصيل النابع من القرآن مصدراً معرفياً رئيساً وتجييش كل إمكانيات الحرب الكذوب ضد الإرهاب لهذا الغرض.. ما تُوِّج بتوجيه مؤسسة راند الأمريكية كل جهودها البحثية لتفكيك الخطاب الإسلامي وإصدار التقارير تلو التقارير والدراسات المطولة لهذا الغرض حتى قال الرئيس الأسبق لـ CIA جيمس ووسلي في ٢٠٠٦: "سنصنصع لهم إسلاما يناسبنا.."!

 

هذا الخطاب الجديد أفرز عدة تجليات في المجتمع الشرق أوسطي وعدة أنماط تدين لم تكن لتطفو لو لا المخطط المدروس الذي تنبه له الشيخ ابراهيم السكران فك الله أسره في كتابه مآلات الخطاب المدني.. ولعل أخطر تلك الأنماط ليس المجاهر بالعداء للخطاب الديني الأصيل كنمط تحديث الإسلام وعلمنته أو نمط السيولة المطلقة والانفتاح الكلي.. ولكن أكثرها خطراً ومكراً وسوء نية وفساد طوية النمط التلفيقي الليبروسلفي ونمط إسلام الكهنوت أو ما نسميه اصطلاحا بـ "إسلام العيال التوتو".. فبعد الدعم اللامتناهي للأسرة الحاكمة في السعودية للتيار السلفي تنبهوا أن هذا التيار هو مصدر أصيل للأفكار الدموية واللتي سبقت مفهوم الجهاد عند الحركات الإسلامية المعتدلة بمراحل وأنتجت المسخ المشوه (داعش) الذي يرتكز في المقام الأول معرفياً على نقولات من يعرفون بأئمة الدعوة النجدية… والناظر في تاريخ هؤلاء يعلم أن (داعش) مقارنة بهم حملان وديعة لا شر لها..

  

هنا قررت الأسرة الحاكمة وأربابها في البيت الأبيض أن الوقت قد حان لتجفيف الدعم لهذا المنهج وظهور مناهج موازية له كالسلفية المدخلية والسلفية الأبستملوجية وملحقاتهم من تيارات تجاوز السلفية وتيارات السلفية المتثاقفة.. ولعل أهم ما يميز هذا النمط بشقيه المدخلي والابستمولوجي هي حالة إسلام النواعم هذه.. إذ إن المنهج على جملته قائم على تعظيم الاستبداد وتقديس ولاة الأمر ومن ثم تفصيل باقي القضايا على هذا الثوب كمرتكز أول و قائم على تعطيل فاعلية الإسلام في واقع ومعاش الناس كمرتكز ثاني.. فلا تعجب ان رأيت سلفيا رأسماليا أو متديناً مناصر للاستبداد بل ويرى ان امريكا هي راعية السلام وحماس إرهابية ومنقبة تدعي أن الإسلام لا يقدم نموذجاً للحكم وأن الليبرالية هي آخر ما توصل اليه العقل البشري!؟

 

يكفي أن تقرأ كتاباً للطيب بوعدك لنطعن في مجاهد فقد رئته ويده في سبيل الله وما زال يقدم ويدرس ويعلم كذباً وزوراً.. ويكفي أن تتعرف على مشروع طه عبد الرحمن أو الجابري لنطعن في تضحيات الحركات الإسلامية

وآخر ملتحٍ يناصر المستبد اللذي قتل آلاف المحتجين من بني جلدته ويهرع نحو تأييده وترشيحه فيي الانتخابات ويأتي ليخطب في المنابر عن عدل عمر!!.. فنشأت هذه الحالة التلفيقية التي تخيرت من الإسلام ما يناسب هوى المانحين أو ما يطلبه المستمعون ليتصدر هو كفضيلة الشيخ على اشلاء طفل يحمل حجراً يبغي حقه في العيش… ولَم يدرِ ذلك الحبر النحرير الذي لا يميز الدرة من البعرة ان سورة الفاتحة التي يرددها خمس مرات يومياً ذمت يهوداً لأنهم نبذوا كلام الله وراء ظهورهم ولَم يعملوا بما علمهم الله..

 

وفي السودان طفت مؤخراً على السطح حالة مشابهة بتحالف لا يستقيم في عقل عاقل أركانه شقي النقيض الحالتين السابقتين !فلا تعجب إن مررت بجامعة الخرطوم ورأيت عمرو خالد ملتحياً ومقصر ويتكلم عن منهجية التحليل الماركسي ثم يجهش بالبكاء! بل ولا تعجب ان رأيت محمد أمان الجامي أو ربيع المدخلي يرتدي بنطالاً على الموضة وحذاء من أفخم الماركات العالمية ملتصقاً بحسناء ذات شعر طويل كشفت عن بعضه أو كله يحدثها عن ان منتسبي الحركات الإسلامية (حزبيون موغلون في الحزبية أو وجدناهم مريض)! وبالعامية السودانية (تدي ربك العجب)، والمؤسف أن هذه الحالة الرمادية البائسة من الإسلام طرقت حاضنة العمل الإسلامي الأساسية ومحضن الحركات الإسلامية الرئيس العمل الطوعي وبصورة تفوق الوصف..

 

وما ذلك إلا نتاج طبيعي للنمط الليبرالي من العمل الطوعي المراد له أن يسود في هذا الوسط من المانحين الأجانب بمفاهيم الغرب من المجتمع المدني وغيره من مدلولات تنزع قيمة المجتمع الاسلامي والأمة وتعين بعض اللذين لا عمل لهم أوصياء عليها ليشلوا حركتها الطبيعية.. فكان من الطبيعي ان يتحول التطوع الى حالة منزوعة الدسم ونزوع فرداني يهدف صاحبه للرضا الذاتي من نفسه من غير مشقة ولا تكاليف مما سهل على نمط تدين (العيال التوتو) أن يُقدم نفسه لهذه الفئة كبديل يحقق الرضا الشخصي الفرداني حتى في الدين وبلا تكاليف أو مشاق أو مجاهدات..

 

فيكفي أن تقرأ كتاباً للطيب بوعدك لنطعن في مجاهد فقد رئته ويده في سبيل الله وما زال يقدم ويدرس ويعلم كذباً وزوراً.. ويكفي أن تتعرف على مشروع طه عبد الرحمن أو الجابري لنطعن في تضحيات الحركات الإسلامية في شتى بقاع الأرض …ويكفي أن تقرأ لحلاق لتدّعي أن الإسلام لم يقدم نموذجاً للدولة وان أردت ان تتوج هذا المجهود العظيم فلا عليك إلا أن تتلو خاطرة حزينة تتحدث فيها عن الحب في تعبئة اكياس الصائم أو إطعام اليتيم ثم تشرع في البكاء والنحيب كأن لك مع الله الذي لا تعرفه إلا من خلال كتاب علي جابر الفيفي "لأنك الله" خبيئة أو سابق مجاهدة..

 

هذه هي حالة التدين البديلة التي صنعتها لنا راند يا سادة.. تدين همه أن يظهر صاحبه بغض النظر عن الثمن في ثوب المفكر والفيلسوف والاجتماعي..
تدين لا تكاليف له ولا أعباء
… ولا مخاطر فيه ولا دماء…
تدين يكتفي بنصرة القضية الفلسطينية من الفيس بوك
وبنصرة قضية الميراث من تويتر
ثم ينتفخ صاحبه زاعماً انه حرر فلسطين وأعاد لنا الخلافة!
( تدين العيال التوتو )

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.