شعار قسم مدونات

عشرة أسباب لمقاطعة الانتخابات العراقية

مدونات - انتخابات العراق 2018

تتميز الانتخابات العراقية عام 2018 بعدة أمور:

الأول: كمية المقاطعين لها الكبيرة، وقدرتهم على التصريح بالمقاطعة دون الخوف من التخوين والقدح والشتم من الجموع.

الثاني: مدى وضوح غياب العراق عن الانتخابات وتحوله لمسرح للمنافسة الإقليمية على العراق لا غير، حتى صار الشارع يقيس مدى قوة الدول المجاورة بكمية الإعلانات والدعاية التي يقوم بها مرشحيها.

الثالث: استخفاف القوائم الانتخابية في الإنسان العراقي من خلال طرق الإعلان الرخيصة تارة بتوزيع الدجاج المشوي، وتارة باختيار نساء جميلات لجذب الشاب العراقي، وبتسعير سعر الصوت بمئة دولار امريكي، وابتذالهم لفكرة الشهيد بطريقة منحطة ورخيصة.

الرابع: كثرة الفضائح الجنسية التي تلاحق المرشحات وعدم التزام الكثير منهن في أسلوب التصوير اللائق، وجهلهن التام بأدب التحدث إلى العامة وغياب سمة الوقار والاحتشام عنهن.

الخامس: والأهم أن القوائم الانتخابية تحمل نفس الوجوه التي جاءت بها انتخابات 2014 و2010 و2005 ووجوه مجلس الحكم، أي أن كل ما سيفعله الناخب هو إعادة تدوير الوجوه.

السادس: الانتخابات وأن غيرت وجوه بعض النواب لن تستطيع أن تغير البنية الإنسانية للحكومة من موظفين مدنيين وعسكر لأن الوظائف الحكومية توزع بمافيات توظيف، حيث يشكل الفاسدون شبكة متماسكة وقوية فوق كل سلطة في العراق لن تنحل ما دمنا نعيد انتخاب رؤوسها والقابلين للانخراط فيها.

المقاطعة الشعبية الجادة مع الفتاوى الخجولة من المرجعيات الدينية في العراق تعمل على تحرير الانسان العراقي من سلطة المعمم بل وتفسح المجال لرجال الدين القادرين على مواجهة رجال السياسة بحزم

السابع: لم ينجح الشعب العراقي في القيام بثورة شاملة وعارمة تقتلع الفساد من العراق ولا يمكن أن يكون هناك انقلاب سياسي أو عسكري يقتلع هذه الحكومة من جذورها أذن ليس أمام الشعب العراقي إلا العصيان المدني، وأنا أعلم بأن العصيان المدني التام في الانتخابات مستحيل لكن اتساع رقعة الرافضين للمشاركة يقلل من شرعية النواب والعملية السياسية أمام الشعب مما يجعل احتمالية قيام ثورة مستقبلا أكبر، ويضعف شرعيتها أمام العالم كذلك.

الثامن: غالبية المرشحين من أصحاب الميليشيات الملطخة أيديهم في دماء العراقيين والذين تغولوا على مدى سنوات حكمهم حتى صار المرشحين الجدد ذوي السجلات النظيفة عاجزين تماما على مواجهتهم والوقوف بوجههم.

التاسع: قانون الانتخاب في الدستور لا يضمن العدالة للشعب العراقي وذلك من خلال سكوته عن تحديد حد أدنى للمشاركة الانتخابية بالإضافة لقانون "سانت ليغو" الذي يمنح الأصوات المبعثرة للكتل المتغولة ولكونه قاصرا تماما في جوانب عديدة لذا سياق الانتخابات برمته فاسد تماما ويجب تغيير الدستور قبل كل شيء ومعلوم أن النواب الذين يدخلون القبة من خلال هذا الدستور لم ولن يحاولوا تعديله.

العاشر: طغيان صوت القبلية على كل صوت اخر بل حتى على صوت الطائفة، وهذا مؤشر خطير على تفاقم الصراع المجتمعي في العراق فبدل أن يكون صراع طائفي فقط سيكون صراعا قبليا يجر العراق لتناحر من نوع جديد تعجز أمامه الدولة العراقية المهترئة تماما وتعجز التحالفات الدولية على إيجاد مبرر مقنع لشعوبها لتدخل لحله.

لهذه الأسباب أنا أدعو لمقاطعة هذه الانتخابات دون أن يكون هناك أمل واحد يضمن أن المقاطعة قد تجدي وتؤدي إلى تغيير الوضع البائس في العراق الى الافضل بل هناك احتمال ضعيف أن نتائجها قد تكون أسوأ، ولكن برأيي أن مشكلتنا في العراق أننا بحاجة الى إعادة اعمار الإنسان وتشييد الاخلاق وترميم الضمائر وتعلية القيم المعنوية على حساب القيم المادية والتخلص من الأمراض المجتمعية التي اكتسحت مجتمعنا في سنوات الحرب ولن نستطيع أن نفعل ذلك إلا إذا أصبحنا نأخذ جانب الحق لا جانب المنفعة ونتصرف بما يمليه علينا الضمير لا التيار وان نرفض أنصاف الحلول ونرفض المداهنة والقبول بالأمر الواقع ونتعلم أن الأغلبية الصامتة هي المسؤول الأول عن كل ما يلحق بنا من دمار وأن المشاركة في عملية سياسية فاسدة يجعلنا شركاء فيها.

التزوير في الانتخابات السابقة طال حتى البطاقات المصوتة وأن القضية ليست قضية أصوات بل قضية ضمير ونزاهة
التزوير في الانتخابات السابقة طال حتى البطاقات المصوتة وأن القضية ليست قضية أصوات بل قضية ضمير ونزاهة
 

ثم إن المقاطعة الشعبية الجادة مع الفتاوى الخجولة من المرجعيات الدينية في العراق تعمل على تحرير الانسان العراقي من سلطة المعمم بل وتفسح المجال لرجال الدين القادرين على مواجهة رجال السياسة بحزم والرافضين لأنصاف الحلول من التصدر في الساحة الدينية. يقول تعالى في سورة هود "وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ"(113). جاء في تفسير الطبري رحمة الله عليه لهذه الآية "حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن يمان، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا)، يقول: لا ترضوا أعمالهم". والرضا علامته السكوت والساكت عن الحق شيطان أخرس والخرس يصيب الأمة حين يداهن رجالها والمداهنة هي سمة المرجعيات الدينية في العراق فلم نشهد وقفة جدية وحازمة ومبدئية اتجاه الحكومة العراقية بل كثيرا ما كانت للظالمين ظهيرا.

وختاما أقول: قد يقول قائل بأن الامتناع التام عن المشاركة الانتخابية يؤدي إلى تزويرها فنقول له: التزوير في الانتخابات السابقة طال حتى البطاقات المصوتة وأن القضية ليست قضية أصوات بل قضية ضمير ونزاهة تجعلنا نرفض أن نلمس في أيدينا كل ما له علاقة في عملية سلبتنا الغالي والنفيس، دعونا نطهر أصابعنا بعد سنين من عضها كلما انتكس العراق وحلت فيه المحن، دعونا نريهم بأن الأغلبية ترفضهم وترفض الذل والمهانة وأقول لكل من يشارك في الانتخابات ما قاله الشاعر احمد محرم:

يا أيها الشعب الذلول أما كفى​
ما قال أقطاب السياسة فينا
بوركت من شعبٍ يقاد بشعرة ٍ​
لو كان قائدك المطاع أمينا
أخذتك ثالثة الصواعق فاستفق​
أفما تزال مضللاً مفتونا
هل أنت إذ مضت البعوث مخبري​
أتريد دنيا أم تحاول دينا
إن الذين زعمتهم حلفاءنا​
نصرواالعدى نصراً عليك مبينا
يتنازعون تراثنا فإذا رضوا​
عاد الضجيج هوادة ً وسكونا
أعملت رأيك في الوساوس حقبة ً ​
وشغلت نفسك بالمحال سنينا
وطفقت تهذي بالعهود وقد أبى
​عهد السياسة أن يكون مصونا
الذئب أصدق من أولئك موثقاً​
وأبر منهم ذمة ً ويمينا
اللص يغضب إن جعلنا ذكره
​يوماً بذكر زعيمهم مقرونا
وأرى البغي على اختلاف شؤونها
​أدنى إلى شرف الخلال شؤونا
ضج الدم المسفوك في يد عصبة
جنت بقتل الأبرياء جنونا
بئست حضارة هادمين رموا بها​ 
شم الفضائل والعلا فهوينا
جعلوا الأذى في العالمين لها يداً​ 
والإثم وجهاً والفسوق جبينا
ويح المعارف والفنون فإنهم​
جعلوا الشرور معارفاً وفنونا
ظنوا الظنون بها وأعلم أنها
​ستذوب في الدم والحديد يقينا

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.