شعار قسم مدونات

هل نحن أمام أزمة قيم؟

مدونات - تكسير يد زجاج مكسور قيم

تداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي المغاربة، شريط فيديو قصير، يوثق محاولة اغتصاب فتاة قاصر من طرف أحد شاب مته وور، بحضور شخص أخر يوثق الحدث ببرودة الدم.. الشيء الذي أثار غضب كل من شاهد الشريط، ليندد ويشجب وينادي بإنزال أقسى العقوبات على الجاني.

 

هذا الحدث يجعلنا نتوقف وقفة تفكير، لنتساءل مع دواتنا عن السبب الكامن وراء ما يعيشه المجتمع المغربي اليوم من حوادث اجتماعية ربما جديدة نسبيا على المجتمع، ليقودنا سيل الأسئلة الجارف لنبحث عن تفسيرات لائقة لا غلو فيها، لنتوقف عند إشكالية القيم، باعتبارها أزمة كما صرح بدلك غير ما مرة السوسيولوجيين المغاربة الباحثين في مجال القيم، الذين أكدوا أن المغرب يعيش انتقالا قيميا مهما في السنوات الأخيرة مما استوجب التصدي له بالبحث وإخضاعه للسؤال.

ففي كل مجتمع نجد منظومة من القيم تؤطر سلوك الفرد وتجعله يخضع لممارسات ويتشبع بقيم اجتماعية من صنع ذات المجتمع، ويعتبر كل من حاول اختراقها خارجا عن القوانين التي رسمها المجتمع منذ زمن بعيد بغية الحفاظ على السلم الاجتماعي والتعايش بين مكونات المجتمع، وبالتالي تتم معاقبة الخارجين عن الخطوط الحمراء التي رسمها المجتمع، هنا تكمن التنشئة الاجتماعية التي يتلقاها الفرد من الوسط الذي يعيش فيه والتي تجعل منه إنسانا إنسانيا.. هده القيم هي ما يجعل للوجود معنى وقيمة، فالمجتمع بدون قيم كالجسد بلا عقل، يتخبط خبط عشواء، ليعيث فسادا في ما حوله بلا تأنيب ضمير ولا سابق تفكير في النتائج…فالقيم كمنظومة تشمل فاعلين كثر، هي بمثابة الحجر الأساس لكل مجتمع، الهدف منها هو إعداد مواطن صالح متشبعا بحقوق الإنسان وقيم المواطنة بمفهومها الحقيقي..

 

أصبحنا نتحدث اليوم عن قيم كونية نظرا لما وصل إليه العالم من تقدم جعل العالم قرية صغيرة، إذ ساهمت التكنولوجيا، ومواقع التواصل الاجتماعية، في التواصل بين الحضارات والثقافات

فالمجتمع المغربي كما هو ظاهر لكل ذي بصيرة، عاجز على ترسيخ قيم المحبة والتسامح والعدالة والإخاء في نفوس الناشئة وهذا راجع إلى مجموعة من الأسباب أبرزها تفشي الفساد في شتى مناحي الحياة والأنانية والفرادنية التي سار إليها المجتمع في الآونة الأخيرة جعلت الفرد منعزلا عن العالم حوله لا يفكر اجتماعيا، الشيء الذي كان ذات وقت هو السائد، وكدا تهميش المدرسة العمومية باعتبارها القطب الأساسي في قضية القيم، فالناجح في المدرسة سيكون نسبيا ناجحا في المجتمع، وهدا النجاح لن يتأتى إلا بتضافر جهود الأسرة والمجتمع والمدرسة كذلك.

 
هناك من يعيد أزمة القيم التي يعرفها المجتمع المغربي إلى تراجع الفلسفة والدين ودور الأسرة والمجتمع المدني.. عن أدوارها الأساسية التي تلعبها داخل المجتمع مما جعل الفرد تائها بلا تأطير ولا توجيه يدكر، ليعيش فراغ أخلاقي وعاطفيا، يقوده لا محالة ليصير غير مقبول اجتماعيا، فيتصور نفسه سيد نفسه وبلا قيود يقوم بكل ما جادت به نفسه الأمارة بالسوء، دون التفكير في العواقب.. دون إن نستثني هنا دور المدرسة كمؤسسة اجتماعية مهمتها تكوين الأفراد وتأهيلهم عن طريق التنشئة الاجتماعية، بمعنى إكسابهم معارف وقدرات تساعدهم على فهم العالم حولهم والتفاعل بشكل ايجابي مع المؤثرات الاجتماعية.

 
أن أزمة القيم باتت وبشكل ظاهر مكشوفة لكل ذي عقل وبصر وبصيرة، وما نحتاجه اليوم هو البحث وبشكل دقيق عن حلول ووصفات لائقة لأجل زرع أو إحياء قيم تتماشى وطبيعة المجتمع الذي نتواجد به، ورد الاعتبار للأدوار الفيصلية والأساسية التي تقوم بها الأسرة والمدرسة والمحيط الاجتماعي ليس فقط المحلي وإنما العالمي على حد سواء، لأننا أصبحنا نتحدث اليوم عن قيم كونية نظرا لما وصل إليه العالم من تقدم جعل العالم قرية صغيرة، إذ ساهمت التكنولوجيا، ومواقع التواصل الاجتماعية، في التواصل بين الحضارات والثقافات، بسهولة تامة مما سهل تقاسم وتبادل المعلومات والأفكار والتي ساهمت في تغيير النظام القيمي في المجتمع والتخلي عن بعض القيم التي كانت تميز بعض المجتمعات في وقت من الأوقات.

 
ونستحضر هنا ما أشار إليه الدكتور المهدي المنجرة في كتابه "قيمة القيم"، والذي تناول فيه دور منظومة القيم في تغيرات النظام العالمي، إذ أكّد أن القيم كمنظومة اجتماعية لها دور كبير وأساسي في تقدم وتأخر المجتمعات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.