شعار قسم مدونات

للصبر أشكال مختلفة!

BLOGS ضرب المرأة

لا زال هناك من شباب القرن الواحد والعشرين من يعتقد بكون الزوجة العربية متميزة على الزوجة الغربية بصبرها. لا، ليس الصبر الذي قد يخطر على بالك حاليا أيها القارئ الكريم، بل يقصدون صبرها على الشتم والضرب والذل والإهانة وسوء المعاملة ومقارنتها بالأخريات والخيانة وانعدام الشكر وغياب تام للكلمة الطيبة بالإضافة الى حرمانها من أنوثتها وإثبات ذاتها وما إلى ذلك من طرف الملقب بزوجها "العربي المسلم!" وكل هذا من أجل الحفاظ على لم شمل أسرتها الصغيرة.

عن أي أسرة تتحدثون بالله عليكم.. زوج يفتخر بفحولته وبممارسته للعنف وزوجة يائسة مدمرة نفسيا وأولاد يترعرعون وسط مشاهد العنف منذ نعومة أظافرهم يستيقظون وينامون على جملة لطالما رددتها المرأة العربية: "أنا أصبر على فعل أبيكم فقط من أجلكم". أليس هذا الصبر نفسه بمثابة صراخ صامت من طرف الزوجة على انعدام حيلتها وعدم قدرتها على الدفاع على نفسها وعدم وجود من يحميها وعدم ثقتها في قانون بلدها الذي من المفترض أن يحميها من شبح "الزوج"؟ 

شباب ورجال القرن الواحد والعشرين لا زالوا بعقلية ذكورية يتكلمون عن التعدد وضرورة تحمل المرأة لعنف زوجها كرمز لشهامتها. بدون مبالاة لحقيقة ما يشعرن به وكونهن قوارير كما ذكر الرسول محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، ويتعاملن بأحاسيسهن أكثر من اللازم. من طبيعة المرأة أنها تضحي من أجل الآخر لكن هذا لا يعني أنها لا تتحسر على نفسها حين تفشل أو حين تقف تضحيتها وجها لوجه أمام الإهانة والذل.

المرأة العربية تعتقد بكون الصبر ينحصر في قدرتها على تحمل كل أشكال العنف الذي يمارسه زوجها عليها الى أن يهديه الله يوما ما ويتراجع على كل أفعاله ويعترف بصبرها كمناضلة

لست هنا لأقول أنني مع شتات أو تجمع الأسرة، مع الطلاق أو ضده، فقط أريد أن أقول أنني ضد عدم فهم حقيقة ما يجري داخل كينونة المرأة ورأيتها كإنسانة وذات حالمة وذو طاقة وقدرة على الصبر في أمور تهدف إلى النهوض بأسرة طبيعية يتخللها تدبير جيد للبيت متناسب مع دخل الزوج والصبر من أجل متابعة ورعاية الأولاد كمشروع للمستقبل يهدف إلى الرقي بالمجتمع وسط صخب ما عُرف بالعولمة والسرعة والمخدرات الإلكترونية وما إلى ذلك من مخاطر أصبحت في متناول أي طفل، بالإضافة إلى الصبر من أجل التزاماتها المهنية دون التقصير داخل بيتها.

المرأة الغربية كالمرأة العربية. الاختلاف بينهما ينحصر في نظرة مجتمعهما إليهن. فالمرأة الغربية تتمتع بحقوق قدمتها لها دولتها بشكل موضوعي وفعلي يحميها في حالة تواجد عنف سواء لفظي أو معنوي كما أنها اقنعت أن التقاليد وثقافة أن الرجل له سلطة وحقوق وحظوظ أوفر أصبحت من الماضي عندها بينما المرأة العربية لم تتخلص بعد من تلك الفكرة، حيت أنها تعيشها وتلقنها لأطفالها كعلم أساسي لا مفر منه عن طريق التمييز بين الأنثى والذكر.

 

فالمرأة العربية تعتقد بكون الصبر ينحصر في قدرتها على تحمل كل أشكال العنف الذي يمارسه زوجها عليها الى أن يهديه الله يوما ما ويتراجع على كل أفعاله ويعترف بصبرها كمناضلة. فثقافتها العربية لم تجعل منها إنسانة قوية ما يكفي للدفاع عن حقوقها وإثبات ذاتها فهي مدركة جيدا أنها حتى وإن قدمت دلائل قوية استطاعت من خلالها إقناع السلطات والقاضي فإن عائلتها لن تحتضنها من جديد بشكل عادي وإن احتضنتها فهي لن تتقبل احتواء أطفالها وهنا تبدأ صراعات أخرى من مستوى آخر كحلقة مفرغة طالما أن المرأة لم تنهض لتتثقف نفسها ولتثبت ذاتها في العمل وإعطاء صورة جديدة عن المرأة أمام أطفالها وعائلتها ومجتمعها.

نحن على مشارف 8 مارس، اليوم العالمي للمرأة. بنفس المشاهد وبنفس الإشهارات لكن بغياب تام لأي شكل من أشكال المقاربات الميدانية توضح المعنى الحقيقي للصبر والتضحية الذي يتميزن بها الزوجات العربيات في حالة وجود من يقدرهن ويحترم قدراتهن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.