شعار قسم مدونات

كذابون بعمر الخمسون!

مدونات - رجل كبير

يتقن الجواسيس الكذب بل هو مصدر للفخر والمباهاة إذا كانت الكذبة متقنة وأخذها معه الكذاب إلى القبر وأجود الكذبات هي من الجواسيس الذين يلعبون علي الحبلين مزدوج ورغم ذلك ينجو من كلا المكذوب عليهم هذا جاسوس صنف من الدواهي الخطرين وقد ازدهرت فترة الحربين الأولي والثانية بهما كما عرفنا بعد ذلك حين تم نشر الوثائق المتعلقة بالجاسوسية والتجسس والكذب الذي كان يتم علي مستوي الدول والشخصيات المؤثرة في المجتمع بكل طبقاته وعندما تطايرت المذكرات الشخصية لهم بعد انتقال مرتكبوها إلى الرفيق الأعلى، هذه مرحلة ذهبت بحلوها ومرها وعدت على التاريخ الإنساني وقد كانت لها دواعيها وأسبابها وناسبت ذلك الزمان حيث كان كل فرد يشك في الذي عن يمينه أو يساره وإن كان الجاسوس الروسي سكريبال الذي مات مسموما بغاز الأعصاب الشهر الماضي بإنجلترا أعاد للناس لمحة من تلك الفترة.

 
لكن ما بال صحابنا هذا يحاول تقليدهم وكأنه يستدعي تلك الأيام المرهقة، وقد قال الزعيم الهندي غاندي إن الرجل الكذاب من أخطر الناس في الحياة.. إنه جارنا الخمسيني وأظنه كذلك إذ المحه يأتي من أطراف المدينة التي أسكن فيها إلى الشارع الرئيسي مكان وجود المحطة التي يركب منها كل أهل المدينة والمدن المجاورة، وقد صادفته للمرة الثالثة والذي جعلني ألحظ ما قام به لاحقا إذا حال ما استقر به الوضع في المركبة المليئة بالموظفين والطلبة وهي عادة الفترة الصباحية حيث أغلب ركاب المواصلات العامة في تلك الفترة إما من الموظفين أو من الطلبة بمختلف فئاتهم أو أصحاب محلات.

 

اتجهت الآراء وبعض الاقاويل إلى أن شبكات التواصل علمت الناس الكذب وأعتقد أن هذا غير صحيح بل هي من ساعدت في كشف الكذابين وفضحت أمرهم

كصاحبنا هذا قد عرفناه كلنا من خلال حديثه المسموع وكذبه المريع وأول كلمة نطق بها بعد السلام كانت أنا في المكان الفلاني والمكان الفلاني هذا أبعد ما يكون عن المكان الذي يتحدث عنه بعدة كيلو مترات وهي الكذبة الأولي التي جعلتنا كركاب ننتبه له. الكذبة الثانية عندما أمسك الهاتف وتحدث مع الشخص المساعد له في المحل أو الدكان أي كان ليخبره بأنه لا يرغب في رؤية شخص معين لذلك أصرفه وقل له أن لدي عزاء فقط ليصرفه عنه.

 
والكذبة الثالثة هي التي كانت قاصمة الظهر وجعلت الركاب يتململون ويحاولون اختلاس النظر لهذا الشخص الذي تفوق علي جواسيس الحرب العالمية الأولي والثانيه بعد والحرب الباردة أيضا عندما اتصل عليه شخص ما وقال له أنه في وسيلة مواصلات اخري متجه إلى مدينة لا علاقة لها بما يدعيه وأخذ صاحبنا ،بعد ذلك يطقطق بأصابعه طالبا النزول في مكان غير الذي ذكره في محادثاته المسموعة ونزل يتهادي كأنه لم يرتكب منكرا من القول وزورا واعين الركاب بسائق المركبة تشيعه باستغراب والسيناريو السابق ليس مسجل كحالة أولي ولن تكون الأخيرة لكنها ملاحظة وظاهرة عامة وأكثرها اضحاكا عندما تسمع أحدهم يرد علي الآخر بأنه يركب مركبة أخري أكثر سرعة واقل عددا من الركاب في حين أنه جالس قربك في وسيلة مواصلات مقاعدها تحمل 28 فرد لازال البعض منها فارغا وفي انتظار مجموعة اخري من الركاب وهذا قيض من فيض الفوضي التي كشفتها الهواتف المحمولة وثلاثة أكاذيب في مدة وجيزة وبهذه الضخامة لهو شيء قياسي من شخص واحد أمام حشد كالذي اذاه جارنا ذاك.

 

واتجهت الآراء وبعض الاقاويل إلى أن شبكات التواصل علمت الناس الكذب وأعتقد أن هذا غير صحيح بل هي من ساعدت في كشف الكذابين وفضحت أمرهم وخاصة بعض التطبيقات التي تبين ساعة دخول المستخدم إلى التطبيق مما جعل الكثير من الكذابين يقعون في فخ كذبتهم المشهورة الهاتف لم يكن معي أولم افتحه طوال اليوم بل ذهبت أبعد من ذلك وحددت أماكن تواجدهم وفضحت خباياهم، واذا تأملنا في حالة جارنا هذا وغيرهم من الأشخاص في غير مكان وعلي نطاق أوسع نجد هذه الظاهرة متواجدة بصورة جعلته فعل غير مستهجن من البعض أو كأنه أمر يجب أن يحدث ويأتي من مختلف الأعمار وهم لا يخضعون لتحقيقات أو أي من الجهات الامنية تقف علي رؤوسهم علي سبيل المثال حتي يقذفون الكذب من أفواههم علي هذه الشاكلة الموجعة.
 
ما الذي يدفع الناس للكذب بهذه الكثافة جهارا نهارا من غير خجل أو مدارة مثل جارنا الخمسيني؟ هذا في زمان قريب كان مظنه الصدق والخير كله وهو الخبرة وحلال المشاكل ومعاقب الكذابين من الصبية الصغار والمراهقين المشاكسين، ولكن بمن تستعين والكذابين فوق الخمسين!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.