شعار قسم مدونات

القدوة.. بين محمد أبو تريكة ومحمد صلاح

blogs محمد صلاح

كانت بداية اهتمامي بكرة القدم في عام 2005، وهو العام الذي انضم فيه أبو تريكة إلى صفوف النادي الأهلي. كنت أتابع تريكة وأسعد بعبير خلقه الطيب الذي نشره في محيطه، بل وعلى مستوى كرة القدم المصرية كلها، فقد غير تلك السمعة التي رافقت "كويرة" مصر، فصاروا يصلون ويسجدون لله شكرا عند كل هدف. كان ذلك بالطبع تحت أعين الكبار وبرعايتهم، فكما صنعوا من الدين أفيونة تسكر الناس عن المطالبة بحق أو الانتباه لنهب، صنعوا من الكرة ملهاة تخلط بين لعبة يحبها الجمهور ودين يقدسه الناس بفطرتهم، ليكون الناتج جيل من الاعبين لا أظنه قد يتكرر، وعلى رأسهم كان "الماجيكو، أمير القلوب".

حتى هذه اللحظة كنت أتابع مهارة أبو تريكة كلاعب، لا يعنيني شخصه إلا كإنسان يبدو طيب الأصل والمنبت، وكنجم ونحن نحب متابعة النجوم. ولكن في عام 2008 تغيرت نظرتي لهذا اللاعب ليتحول إلى صاحب فكر ومبدأ، بعد حادثته الشهيرة خلال مباراة المنتخب المصري ونظيره السوداني في بطولة كأس الأمم الإفريقية، عندما كشف عنن شعار "تعاطفا مع غزة" المكتوب على ملابسه تحت قميص اللعب عند تسجيله الهدف الثاني، تم بيع القميص في مزاد خيري لصالح صندوق توفير الدواء لأبناء غزة إقامته لجنة الإغاثة الإسلامية بنقابة أطباء مصر مقابل 1500 جنيه؛ ذكر أبو تريكة أن السبب الذي دعاه لهذا هو أن: "الحصار الجائر الذي كان يتعرض له الشعب الفلسطيني في غزة أثار ألما شديدا في نفسه، وجعله يبحث عن أي وسيلة يساعده بها". ومنذ ذلك اليوم تابعت اللاعب بعين غير التي كنت أتابعه بها من قبل، فهذا رجل بوصلته سليمة.

توالت مواقف اللاعب ما بين رفض مصافحة المشير طنطاوي بعد مذبحة بورسعيد الشهيرة وتحميل المجلس العسكري مسئولية الأحداث ، وتضامنه مع رابطة أولتراس الأهلي في رفض متابعة النشاط الرياضي بعد المجزرة ، وامتنع عن المشاركة في أول مباراة عقب المقتلة ،ثم أعلن في مقطع مصور دعمه لجماعة الاخوان المسلمين ولحزب الحرية والعدالة وللرئيس محمد مرسي في انتخابات الرئاسة 2012، كما رفض تسلم ميداليته من الوزير الانقلابى طاهر أبو زيد ردا على اتهامه باطلا بسب وقذف أحد ضباط القوات المسلحة المكلف بتأمين بعثة الأهلي العائدة من رحلة الكونغو عقب مباراة فريقه وأورلاندو الجنوب أفريقي، لم يبك ويتوسل التعاطف من جماهيره العريضة حين أدرج على قائمة الارهاب المصرية ولا عندما صادروا أمواله، واتهموه ظلما وبهتانا.

صلاح لاعب ماهر، يبعث الفرحة والسعادة في القلوب لآدائه الرائع، يحبه الناس لأنه مثال جميل للمسلم في الخارج، ولكن إذا ما أردنا أن نتحدث عن قدوة فليكن أبو تريكة

لا أناقش هنا صحة مواقفه من عدمها ، فقط أشير إلى انه اتخذ قرارات مصيرية تنم عن مبادئ وقيم ضحى في سبيلها وهو يعلم أن نتائج مواقفه تلك قد تكون وخيمة. أستعرض كل ما سبق لأشير إلى أن مسألة القدوة أمر ليس بهين ، فعندما يخرج الاعلاميون اليوم ليصفوا النجم محمد صلاح بأنه قدوة للشباب ليبثوا فيهم أملا كاذبا فهذا تسطيح لعمق الفكرة.

محمد صلاح لاعب لا غبار على مهارته، اعتمد على نفسه واحترف وشق طريقه، كل ذلك جميل؛ ولكن أين القدوة في ذلك؟ هل تقزمت مصر بحيث صارت قدوة أبنائها كلهم تنحصر في لاعب كرة قدم ناجح أوحد؟ ثم ما القدوة التي يقدمها لأبناء وطن يخفى شبابه قسريا، شباب منهم من يحمل أعلى الدرجات العلمية ومنهم من كان له مستقبل واعد كصلاح.

صلاح مثال وقدوة لكل شاب عربي مسلم خلوق، كاف غيره شره، ويسير داخل الحائط. هذا الشاب خاض سلسلة من الاضطرارات لينجح، اضطر لمصافحة السفاح، واضطر للتبرع لصندوق تحيا مصر، واضطر لمدح القاتل، ولا علم عندي إلى متى سيظل يضطر وإلى متى سيظل جمهوره يبرر؟! حتى أن جمهوره يعتبر قدرته على التهرب من حوارات تتصل بالصهاينة بطولة!

هل هذا مثال النجاح الذي يجب ان يضعه الشاب الناشئ نصب عينيه؟! أن يسير أموره بشكل دبلوماسي، وكلما اضطر تنازل؟ إن أردتم وصف صلاح باللاعب الخرافي الأسطوري فلا مانع عندي على الاطلاق، لكم ذلك وأؤيدكم؛ أما أن تصنعوا منه صنما يصلح في كل معبد فهذا لا يليق؛ ومن الطرائف أن صيرتموه داعية قام بما لم يقم به الشيوخ؛ متناسين أن الشيوخ لا تسلط عليهم الكاميرات وأن أعمال الدعوة ليست للشهرة.

إن سطوع نجم اللاعب خارجيا وهو أمر يستحقه، ما هو إلا جزء من خطة بريطانيا لتجاوز أزمتها مع العمليات الإرهابية التي ألصقت بالمسلمين مؤخرا، كما كان تعيين ساجد جاويد وزيرا لداخليتها؛ أي أنه نوع من أنواع نشر السلم الاجتماعي؛ أما تلميعه داخليا فهو محاولة بائسة لنظام يريد التباهي بشعر بنت أخته وأخرى يائسة لمحو حب أبو تريكة من الصدور.

لا أقدح في شخص اللاعب ولا أكرهه ولا أحقد عليه كما قد يتصور البعض فلا مبرر لذلك، ولا أدعى أنى أريده بطلا مغوارا يحرر فلسطين بضربة سيف، ولكن، أريد من مجتمعاتنا أن تضع كل شخص في حيزه، فصلاح لاعب ماهر، يبعث الفرحة والسعادة في القلوب لآدائه الرائع، يحبه الناس لأنه مثال جميل للمسلم في الخارج، ولكن إذا ما أردنا أن نتحدث عن قدوة فليكن أبو تريكة. ولنتذكر، أن هذا الغرب الذي يقتلنا صباح مساء، لن يرفع مسلما سنيا إلا إذا كان يوافق هواه، أو في أفضل الأحوال حين يجده بالغ الضعف بحيث لا يستطيع أن يعبر عن توجهاته بينه وبين نفسه أو حتى في أحلامه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.