شعار قسم مدونات

الصراع الإماراتي العماني يعيق تحقيق المصالحة اليمنية

مدونات - السلطان قابوس
فتحت سلطنة عُمان أبوابها ومنافذها البرية والبحرية والجوية لأبناء اليمن من خلال منحهم فيز عبور عبر أراضيها إلى دول العالم، وفتحت مستشفياتها لجرحى جماعة الحوثي والرئيس الراحل صالح إبان شراكته السياسية مع الحوثي قبل أن يغدر به حلفائه الحوثيين ويقتلوه في مطلع ديسمبر العام الماضي. من الواضح أيضا، أن صناع القرار في مسقط ليسوا مرتاحين لتدخل الإمارات في المشهد العسكري في اليمن. تعرف سلطنة عمان أكثر من أي دولة خليجية أخرى أطماع الإمارات في اليمن وكيف تحاول الإمارات تطويق السلطنة من الغرب من خلال نشر مليشيات الحزام الأمني في محافظة المهرة اليمنية ودعم بعض قبائل المحافظة كي يهددوا أمن واستقرار السلطنة.

 

انتبهت سلطنة عمان لهذا الأمر مبكرا وأفشلت المخطط الإماراتي بل وقامت القبائل اليمنية الموالية لسلطنة عُمان بإحراق بعض مخازن الأسلحة الإماراتية التي خزنتها الإمارات في أحد مناطق المهرة. كانت تنوي الإمارات تسليم هذه الأسلحة لمليشيات يمنية من أبناء المهرة الذين يدينون بالولاء لأبو ظبي. لكن، أفشلت سلطنة عمان المخطط تماما وكثفت من عدد جنودها على حدودها مع اليمن.

 

من مصلحة سلطنة عمان إنجاز مصالحة يمنية شاملة من أجل الحفاظ على أمنها القومي ومن أجل إبعاد الإمارات من المناطق اليمنية الشرقية المحاذية لسلطنة عمان، إلا أن الصراع الخفي بين مسقط وأبوظبي يعيق تحقيق مصالحة يمنية، ليس المجال هنا لذكر تفاصيل ذلك الصراع. لو لم يكن هناك صراع بين السلطنة وأبو ظبي لاستطاعت السلطنة تحقيق مصالحة تاريخية يمنية. وهناك عدة فرص تجعل من السلطنة قادرة على إنجاز المصالحة اليمنية في حال تخلى الحوثيون عن السلاح وانسحبوا من المدن وفككوا معسكرات ميليشياتهم المؤدلجة ونفذوا مخرجات الحوار الوطني وما تبقى من بنود المبادرة الخليجية وأيضا تنفيذ القرار الدولي رقم 2216 الخاص بحل الأزمة اليمنية. أيضا، تعرف سلطنة عمان أنه لا يمكن تحقيق مصالحة يمنية دون خروج الإمارات من كامل الأراضي اليمنية، حيث أصبحت دولة غير مرحب بها من كافة الأطراف اليمنية.

وهنا بعض الأسباب التي تجعل من سلطنة عمان قادرة على تحقيق مصالحة يمنية:

تعرف سلطنة عمان كيف تتوسط ومتى ستكون الفرصة سانحة لإنجاز مصالحة تاريخية يمنية. يبدو أن الوقت غير ملائم للقيام بدور الوساطة، لأنها تعرف أن دول التحالف العربي لن يسمحوا لسلطنة عمان أن تنجح

أولاً: تعرف سلطنة عمان الخلاف العميق بين الحركة الحوثية الانقلابية والحكومة الشرعية وكانت تتوسط بين الحكومة اليمنية وبين جماعة الحوثي قبل أن تنقلب جماعة الحوثي على السلطة الشرعية وتحبس رئيس البلاد ورئيس الحكومة في أماكن إقامتهم في العاصمة صنعاء مطلع العام 2015. كان لسلطنة عمان الدور الأكبر في تحقيق ما يسمى باتفاق "السلم والشراكة" بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين في نهاية العام 2014. كما كان لسلطنة عمان دورا لا يستهان به في الضغط على الحكومة الايرانية كي تضغط على حلفائها الحوثيين بالقبول باتفاق السلم والشراكة وقد كشف ذلك ممثل الحكومة اليمنية في الحوار مع جماعة الحوثي آنذاك الراحل الدكتور عبد الكريم الارياني، حيث أكد أن مبعوث السلطان قابوس بن سعيد كان يقوم بنقل رسائل بين الحكومة اليمنية ودولة إيران، ولولا نقض الحوثيون للاتفاق وعدم الالتزام بالملف الأمني، ولاحقا الانقلاب على الشرعية اليمنية لكان اليمن بخير. لكن، رفضت جماعة الحوثي منطق السلام والحوار واستبدلت ذلك بلغة القوة مما أدخل البلد في دوامة صراع دامي لا يزال حتى كتابة هذه السطور.

 

ثانياً: لم تعترف سلطنة عمان بشرعية الحوثيين ولا زالت تعترف بشرعية اليمن الدستورية بقيادة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي. تمتلك سلطنة عمان علاقات جيدة مع جماعة الحوثي وهناك عدد كبير من قادة الحركة الحوثية متواجدين داخل أراضي السلطنة. كما تمتلك سلطنة عمان علاقات جيدة مع إيران وأيضا مع بعض دول التحالف العربي، مما يؤهلها للقيام بدور الوسيط وإيقاف نزيف الدم اليمني. لذلك، تعتبر هذه العلاقة التي تمتلكها سلطنة عمان مع كافة أطراف النزاع سواء داخل اليمن ممثلا بالحكومة الشرعية والحركة الانقلابية الحوثية أو مع طرفي الصراع في الإقليم (إيران والسعودية) فرصة لتقريب وجهات النظر والخروج بحل يرضي جميع الأطراف شرط أن لا يكون على حساب سلامة ووحدة الأراضي اليمنية ومصالح الشعب اليمني العليا.

 

ثالثاً: معروف عن دبلوماسية سلطنة عُمان بأنها تنتهج الدبلوماسية الناعمة والهادئة والناجحة إلى حد ما وخير دليل على ذلك هو وساطتها المشهورة بين الإدارة الأمريكية ودولة إيران حول برنامج الأخيرة النووي وهو ما تمخض عن هذه الوساطة الاتفاق التاريخي بين الدول الست (الصين وروسيا وأمريكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا) مع إيران في العام 2015. ولذلك، من وجهة نظر كاتب هذه السطور، هذه الخبرة الطويل سيمكنها من إحراز مصالحة يمنية في حال تخلت جماعة الحوثي عن المكر ونقض العهود.

 

ختاما..
تعرف سلطنة عمان كيف تتوسط ومتى ستكون الفرصة سانحة لإنجاز مصالحة تاريخية يمنية. يبدو أن الوقت غير ملائم للقيام بدور الوساطة، لأنها تعرف أن دول التحالف العربي لن يسمحوا لسلطنة عمان أن تنجح في مساعيها لتحقيق مصالحة يمنية مما سيجعل دورها في اليمن قويا في المرحلة القادمة. كما أن سلطنة عمان تفهم أن الإمارات على وجه التحديد ستقوم بدعم مليشيات مسلحة جنوبية من أجل تهديد أمن سلطنة عمان في حال أعلنت عن وساطتها. من الواضح أن خلافات أبوظبي مع مسقط عميقة وسبب من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى إطالة أمد الصراع اليمن. لذلك، لم تتدخل السلطنة في التحالف العربي وجعلت كل الخطوط مفتوحة مع الحركة الحوثية الانقلابية في صنعاء وأيضا مع الحكومة الشرعية اليمنية. حفظ الله اليمن وشعبها!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.