شعار قسم مدونات

لنختلف ويبقى الود..!

Blogs- different

لماذا كلما نشب خلاف بسيط بيننا نخفق في كثير من الأحيان في التعامل معه، الأمر الذي يؤثر على علاقاتنا فيمن حولنا وربما تمدد ذلك لكل ودّ يجمعنا؟! على المستوى الفردي أو الأسري أو الجماعي أو حتى على مستوى الدول لا نحسن كثيرًا في أي خلاف يعترض طريقنا، وفي كثيرٍ من الأحيان نستدعي تاريخا من التجارب الفاشلة، ونستدعي عصبية العائلة والقبيلة وغيرها. ألا يمكن أن نختلف يومًا ويبقى الودُّ الذي بيننا؟ 

عندما تتأمل في خلق الله -عز وجل- تجد التنوع في كل شيء، وهذه الحقيقة سلط القرآن الكريم عليها الضوء ليبين الإبداع فيها وقدرة من خلقها. في النبات تجد التنوع الرهيب فيها، فالنخل بحد ذاته فيه من الأصناف المختلفة الكثير، مع أنها تسقى بماء واحد، وقس على ذلك كل الأنواع الأخرى من النباتات! بني البشر فيهم من التنوع الكثيرُ أيضاً، تعددت الشعوب والقبائل واللغات والألوان فيهم والثقافات وهم في الأصل من أب واحد وأم واحده. "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (٢٧) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (٢٨)" سورة فاطر.

إذا كانت لوحتك تضم لوناً واحداً فقط ستكون باهتةً مُملّةَ، أما إذا كانت مفعمةً بالألوان المنظمة الجميلة ستبتهج العين لجمالها. إذاَ في الاختلاف يكمن سِرُّ الجمال. في أفكارنا ووجهات نظرنا قد نختلف وهو واردٌ جدًا، وهذا مدعاةٌ لأفقنا كي يتسع ويكبر، لا أن يضيق ويصغر، ومدعاةٌ لأن نرى أشياء بأعين غيرنا لا نستطيع لأن نراها بأعيننا.

تقبل ورحب وناقش وفكر.. ثم لتكن قراراتك وتصوراتك مبنية على هذه الأسسِ الراقية، فكثيرون ممن يلبسون لباس الثقافةِ والدعوة ينادون بهذا الفكر، ولكن ينسفون كل ذلك عند أول احتكاك أو تصادم

كل مثقفٍ ومطلعٍ يعلم جيدا هذه الحقيقة وكيف يتعامل معها حيث لا يكون للهوى وشهوات النفس منفذ لهذا الأمر كي تستغله في الجانب السلبي الذي يؤدي إلى حاجز كبير هو العداوة والبغضاء. إذا كنت أنا من البداية لا أعترف بوجهة نظرك أساساً أو كنت أنت كذلك فقد أغلقنا كل باب للنقاش والتفاهم، وهذا ما ينبغي تداركه. لا تحتقر وجهة نظر أحد أو آرائه لأنك بهذا تشعره أن تحتقر مكانته وكرامته، وإذا كانت هناك بعض الآراء التي تراها في صاحبك خاطئة فينبغي أن تعالجها بمنطق وعقلانية وصدر رحْب.

رحّب بمن يخالفك الفكر، واجلس معه وافرش طاولة النقاش حوارًا، واعرض ما لديك ودَعهُ يعرض ما لديه وأينما يكون الصواب فلتكن أنت. لماذا لا يكون الهدف مشتركٌ بيننا وهو المتمثل في "الحق ضالة المؤمن"، فهو الحريُّ بالبحثِ عنه وطلبه والكفاحِ من أجلِ الوصولِ إليه. لا ينبغي أن نجعل لحظوظ النفس ومزاجها أيَّ مجالٍ حتى تؤثر في آرائنا أو تعاملنا مع من نختلفُ معه وإلا فإننا نتبع هوى أنفسنا، وهذا الأمر يحتاجُ إلى شجاعة وإيمان كبير.

تقبل ورحب وناقش وفكر.. ثم لتكن قراراتك وتصوراتك مبنية على هذه الأسسِ الراقية، كثيرون ممن يلبسون لباس الثقافةِ والدعوة ينادون بهذا الفكر، ولكن ينسفون كل ذلك عند أول احتكاك أو تصادم.. ينبغي أن نحذر من ذلك، لأن ذلك يهدم كلَّ ما بنينا من علاقات طيبةٍ وصورة جميلة سابقا. إذا كان هناك من نختلف معه ويختلف معنا فليس من الحكمة ولا من الشجاعة أن نضرب ظهره من الخلف ونؤلب عليه، بل يجب أن نبادر إليه ونناقشه لعله يكون على الصواب والحق وهذا ما ينشدهُ العاقل.

عند كل إنسان ناضج أو مجتمع ناضج ترى التعامل مبنيا على رقيّ من الأخلاق وسعةٍ من رحابة الصدر والاحترام، وهذا ما ينبغي علينا التمثلُ به ونقله لأبنائنا ومن حولنا. أن نختلف لا يعني أن نتخاصمَ ونثري العداوةَ فيما بيننا ونفتحَ البابَ للخصومِ كي يعيثوا في حديقة علاقتِنا فساداً وتضييعاً، ولكن هو سببُ لإخصابِ آرائنا وثَقافاتنا وتوسيعِ أفقِ الرؤيةِ لدينا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.