شعار قسم مدونات

قفة رمضان.. إعانة أم إهانة؟

blogs قفة رمضان

"يسرقون رغيفك.. ثم يعطونك منه كِسرة.. ثم يأمرونك أن تشكرهم على كرمهم.. يا لوقاحتهم!"

– غسان كنفاني

 

ينسونك عاماً ويتذكروك بقفة! يقولون أنت لست مواطنا، بل نحن أسيادك.. يا للحسرة، يا للأسى، يا للألم، ويا لقهر النفس ويا للدوس على عزتها! وأنت تسمع وترى كل أشكال وأنواع الإهانات تمارس على شعب بأكمله من أقصاه إلى أقصاه من رفيعهم إلى وضيعهم، إهانات ما كانت ترى من مستعمِرات على مستعمَراتها، وليس من حكام على محكوميهم! (قفة رمضان) أو هكذا يحبذ اللصوص النبلاء والبورجوازيين تسميتها لإعطائها صفة النقاء والصفاء زورا وبهتانا، والشهر الكريم منها براء!، قفة أقل ما يقال عنها (قفة الذل الرسمية) بختم وتوقيع!

ما هي هذه القفة؟

تتكون قفة الشؤم الوطنية والذل الاجتماعي من (كيلوغرام) من كل رديء. سكراً وعدساً وأرزاً وفاصولياء ومعكرونة وقيلا من الزيت وعلبة حليب (الذي يكاد الصبية أن يحرموا من شربه لفحش أسعاره)! نعم هذه هي مكونات القفة الوطنية العجيبة التي لو رفعنا قيمتها لن تتجاوز قيمة حذاء في قدم صبي ابن أبسط مسؤول في البلاد. قفة رمضان الكريم ترعاها أيادٍ سارقة ناهبة.

وللإشارة هنا فلستُ أتنكف على المساعدات الإنسانية التي تتكفل بها الجمعيات والمنظمات الخيرية الأمينة التي سخر مناضلوها، أموالهم وأوقاتهم وراحتهم خلال شهر رمضان أو في غيره، فهؤلاء سوادهم الأعظم من شرفاء ونزهاء وإنسانيي قومنا، فلولاهم لأحصينا من الكوارث الإنسانية عددا ولامتدت مآسي الغلابة مددا. هؤلاء الشرفاء يفعلون المعروف في ضعفاء قومنا في أجمل صور التكافل والتضامن الاجتماعي، نقاوة وتنظيما وإتقانا في العمل على مرّ السنين بيننا، فهم لله خادمون ولعباده الضعفاء على أرضه مسخرون.

مواد أقل ما يقال عنها رداءة المقتنيات الغذائية!، أقل ما يقال عنها فتات المحلات، أقل ما يقال عنها رداءة المخازن

ولكن أيها المسؤول المسعور أن تسرق رغيف خبز أمة قاطبة وتركب ظهر شعب بأكمله، وتتصدق عليه بفُتات خيراته وتطلب منه التصفيق لفخامتك أو لمعاليك طوعاً وكرهاً، بل وتزيده كرماً أن تقدمها له في (سيارات القمامة وشحن والركام) وذلك ما شاهده البعيد قبل القريب، فهذه لصعلكة وأنت لأشد خبثا ومكراً وعفنا من ذلك المستدمر القديم (المسمى كذباً استعماراً) والذي على أقل شيء كان لا ينافق الشعوب وكان يجلد ظهورهم وهم صاغرون! بل ويحرمهم من أرزاقهم وأملاكم وهم ناظرون.

قفة لا تتجاوز قيمة ما فيها 3500 دج في بعض مناطق الوطن وتحديداً، في قرى ومدن الجنوب الجزائري الزاخر بالخيرات، الذي يحتوي على مناجم الذهب والبترول والغاز الطبيعي والغاز الصخري!، أبناءه يكرمون بقفة أقل يقال عنها إهانة مباشرة لا إعانة إنسانية، وكأن الاستعمار الفرنسي لا يزال ينتقم من هذا الشعب المسكين، تارة بأيديهم وتارة بأيدي حكام لا يشك عاقل من أن قصر الاليزيه هو من يحكم لا من انتخبهم الشعب الكادح المسكين. نعم ذاك هو مبلغ تلك القفة التي يشرف على توزيعها مجلس البلدية بكل أجهزته الإدارية والتقنية! مواد أقل ما يقال عنها رداءة المقتنيات الغذائية!، أقل ما يقال عنها فتات المحلات، أقل ما يقال عنها رداءة المخازن. أقل ما يقال عنها أنها تجسيدا وعملا بالآية الكريمة: "إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا".

فيا قومنا اعلموا أن شعب الملايين من الشهداء والمعطوبين والأرامل والثكالى، يذل ذلاً عظيما ممن ظنهم أهله وإخوانه ونخبته ومثقفيه، أُهِين ممن وعدوه بالعزة والكرامة سنينا بعد سنين، وأسقوهُ من كؤُوس المهانة ما أسقى به فرعون موسى قوم بني إسرائيل قبل أن يبعث فيهم نبياً. يتفننون في إذلاله لأنهم متأكدون أنه يئس من الدموع، يئس من وضائم الجنائز، تعب من نصب خيم العزاء، اكتفى من أنهار الدم. وتناسوا أنه لو قال لا وكلا فإنه لن يبقى بعدها شيء ولن يذر. فارحلوا عنا فقد مللناكم وانزلوا عن صدورنا فقد والله لضاقت أرواحنا من ثقلكم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.