شعار قسم مدونات

إضراب ١٠١.. هل سنستطيع أن نرسم ملامح اللعبة؟

blogs إضراب الأردن

أنا أتحرق شوقاً لإضراب اليوم! فلأول مرة سنشهد حركة شعبية في الأردن بهذا النضج وهذا التوحُّد. فالمقياس الأساسي الذي يحدد أي حركة شعبية، ليس الأصل لقوادها، وإنما هو في الدرجة الأولى الطبقة الاجتماعية التي توجه الحركة ضده. سنشهد حركة شعبية منظمة ذاتياً ضد الاستبداد. ضد تحكم  طبقة من البشر في حقوقنا وبلا خوف من التبعة.

أنا متشوقة لأبصر ألوان طيف جديدة، لم أبصرها من قبل. فإن مظهر الأشياء يتغير عند الاحتكاك بالجماهير الغارقة في العذاب. يمكننا أن نرى واقعاً حياً متحركاً متبدلاً، لا تعلم عنه شيئاً بعض الأوساط السياسية التي يدهشنا ألا يستشيرها بحارة أبحروا بلا بطاقات. إن الحياة وحدها هي التي تصحح خطأ من يخطئ في الغرفة، باحثاً عن الحقيقة كوسيط جنوني بعيد عن الواقع، شأن متذوق الجمال الذي يحاول أن يحرك الجماهير بيسر، ضمن أُطر نظرة رآها في الكتب.

ذلك أن الأوضح والأصفى هو المناضل المتواضع، الذي يعيش في صميم الشعب، والذي هو أستاذ نفسه، فلا يفصل الدرس عن العمل، والثوري بتكونه وكهنته، الذي يستخدم النظرية الملموسة كأداة تحديد لإدراك الوقائع التي لا تخطر على البال. إن النفور من الزعماء ليس جحوداً من الجماهير المتلونة التي تقتل أبطالها، حارقة ما تعبده، وإنما هو على العكس، نضج روحي، لم يعد الشعب يمجد أحداً كالأصنام، إنه يحيد بحق عن طواحين الكلام، البحارة المجهزين ببوصلة، لكن الذين تنقصهم شجاعة الإقلاع في العاصفة.

سأشارك في الإضراب اليوم، أنا والموظفين في شركتي، مع الصيادلة الأردنيين كجزء من المنتسبين للنقابات المهنية، وسأدفع كل من أعرف ليشارك فيه

ولكي يكون لدى الإنسان الشجاعة لأن يحلم باسترداد حقوقه وانتزاعه لا بد أن يكون مليئا بالتفاؤل الذي لا يتزعزع. لكن في داخل كل منا برغوث صغير، كان قد وضع فيما مضى في علبة زجاجية مغلقة، وما زال حتى الآن يقفز إلى نفس العلو ظانا أن هذا هو العالم فقط. كلنا تعودنا أن نصل للمسموح فقط، ونخاف أن نقفز أعلى لمجهول لا نعرفه، نخاف أن نطير إلى الفضاء الرحب ونخاف من الحرية لأنه يتبعها المسؤولية.

ولتكون حراً لا بد أن تكسر كل القوالب التي تعودت أن تعيش فيها، والتي أجبروك عليها وتزيح ذلك الكم الهائل من السلبية وعدم الثقة في النفس. عليك أن تكسر كل ما تراه في مجتمعك من ضعف وهوان وذل وتبعية. ترى هل جال بخاطرنا يوما أن هناك من دربنا لنقفز ونتحرك ضمن منطقة محددة حتى أصبحنا غير قادرين على مغادرتها؟ بل مرة تلو المرة ندخل في زجاجات أصغر فأصغر -صاغرين-؟

نحن الذين سنحدد اليوم إن كنا سنبقى براغيث تقفز في العلبة الزجاجية أم سنصبح فراشات ذات أثر ولو بعد حين. سأشارك في الإضراب اليوم، أنا والموظفين في شركتي، مع الصيادلة الأردنيين كجزء من المنتسبين للنقابات المهنية، وسأدفع كل من أعرف ليشارك فيه. وكما يقول بول سارتر: إن كل إنسان عندما يختار أمرا ما كأنه به يضع قاعدة عامة لكل البشرية، وهذا يجعل كل إنسان عند اختياره خيراً ما من أجل البشرية يختار مثالاً ونموذجاً ونمطاً ينبغي أن يعمل جميع الناس على أساسه، إذن كل فرد في كل عمل يقوم به يحس في نفسه بالمسؤولية عن كل البشرية، ومن هنا كان كل فرد مرشد لجميع الناس وعليه مسؤولية قيادتهم وإرشادهم.

وأقول لكل المتلكئين: إذا كان العالم لا يعجبكم فغيروه لكي يناسبكم. فكل الناس الأسوياء فعلوا ذلك من قبلكم. وإن العالم يفسح الطريق للمرء الذي يعرف إلى أين هو ذاهب، لا إلى أول طريق سهل يعثر عليه. وفي كل عمل في هذه الحياة توجد قواعد للعبة. وأنت أمام خيارين: الأول أن تنصاع لهذه القوانين وتحافظ عليها، والثاني أن تكون أنت الذي يضع قواعد هذه اللعبة. فهل سنستطيع اليوم أن نبدأ في رسم ملامح اللعبة؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.