شعار قسم مدونات

أربع علب فول وحكاية المواطن الأردني

blogs - فول

الغريب أن تكون الأربع علب فول هي الحل السري لكل أحلام المواطن الأردني فهي التي تتصدر العروض الرمضانية فجميع المحال التجارية تتنافس فيما بينها على تقديمه بعدد متميز من العلب على اختلاف دول المنشأ خاصتها فتتفاوت العروض بين ثلاث إلى أربع علب من الفول ذي الحبة الكبيرة أو المتوسطة أو الصغيرة. الملفت للنظر في هذه العروض تلك اليافطة الصفراء التي تلف بها العلب ومخطوط عليها عرض خاص.. الجميل في الأمر أن يكون الفول الوجبة الرئيسة على طاولة الإفطار أو السحور على حد سواء مع احتفاظه بمزاياه المعروفة لدى الجميع من سرعة الوصول إلى الشبع والصبر على الجوع في ساعات النهار الطويلة في شهر رمضان المبارك.

 

لم تتوقف أهمية علب الفول عند هذا الحد بل تعدته لتكون لاعب الارتكاز في طرود الخير التي تتسارع أيدي المحسنين على تعبئتها بالإضافة إلى علب رب البندورة ولفافتان من المعكرونة والكثير من العدس وكم كبير من البقوليات مع افتقارها إلى اللحوم والشحوم. بل تعدته أيضاً لتكون ذائعة الصيت في الحملات الدعائية لكثير من رجال الأعمال الذين يسعون لتقديم أنفسهم كمحسنين وكخدمة منهم للمجتمعات المحلية فيقومون من خلال هذه الحملات بتوزيع علب الفول الأربع التي تتصدر الشاشات التلفزيونية مع صور للبسطاء الملفوحة وجوههم بحرقة وسمرة معاً.

لا تتوقف أهمية علب الفول الأربع على شهر رمضان المبارك بل يمكن القول أنها تعتبر العنصر الثابت بالقائمة الشرائية لكثير من الأردنيين وبخاصة مع تنفيذ قانون الدخل الجديد بآخر صيحات الموضة والتي رفعت عقوبة المتهرب من التحصيل الضريبي واعتباره مجرماً يستحق السجن فيما خفضت مستوى الدخل السنوي ليشمل أكثر الفئات المتوسطة المسحوقة فقراً بحجة السعي لحماية الطبقات الأخرى التي لم يعرف جنسها بعد.

اللعب على قوت المواطن والسلب المصرح به لمكتسباته تجعل علب الفول الأربع هي الملجأ لكل من يريد الإحساس بالشبع مع الاحتفاظ بالكرامة

من الملفت للنظر أن عقوبة السجن رفعت من حد الجنحة إلى حد الجناية مع تطبيق المثل لا يفل الحديد إلا الحديد وبحيث تكون هذه العقوبات الدرع الواقية للمحافظة على التزام المكلفين بدفع الضرائب المفروضة عليهم حسب أحكام هذا القانون بحيث تصبح أحكامه متضمنة لعقوبة السجن لمدة غير قابلة للاستبدال بقيمة مالية لتردع من تسول له نفسه التهرب من دفع الضريبة. المضحك في الأمر أن هكذا عقوبات لم تقترن فقط بقانون ضريبة الدخل بل على العكس ارتبطت بكل الرسوم أو المستحقات الضريبية التي يمكن للمواطن الأردني إغفالها أو نسيانها أو حتى إهمالها كمخالفة المرور على سيبل المثال لا الحصر. وما يزيد من مقدار هذه العناية مقترح قانون الضمان الاجتماعي كعدم نيل الزوج حقه من راتب التقاعدي للضمان الاجتماعي من زوجته العاملة في حال وفاتها إن تزوج الزوج بامرأة أخرى أو كان بالفعل متزوجاً بأخرى فإلى أين سيذهب راتبها التقاعدي.

إن الغريب في كل هذه الأمور بالإضافة إلى غرابة علب الفول الأربع أنها تعتمد على الربح السريع أو الجبي السريع للمال ثم ينتهي الأمر قصر النظر أو انحرافه هو ما يعانيه المشرع لأن اعتماده على الربح السريع يعني أن تكون القيمة المستقبلية للقرار الذي ينفذه في صالح المواطن كما يروج له هي صفر لا غير بدلالة أن كثيراً من المخابز قد أغلقت أبوابها عندما تم إقرار رفع الدعم عن رغيف الخبز والكثير منها سيفعل ذلك إن عاجلاً أم آجلاً ستفعل أو ستقلل كمية المنتج وجودته وهذا يكفل ظهور أنواع عديدة من الخبز تخالف كافة المواصفات الإنسانية ومع أنواع مختلفة من الطحين الفاسد هذا يقود ببساطة إلى تقليص قيمة الاستثمار المحلي ويعني ضمور شريحة كبيرة من مقدمي الربح المستمر للحكومة.

عدم نضج القرار السياسي هل هو عبثي أم مقصود وبخاصة في هذه الفترة التي تتصف بالحرجة والأكثر شراسة والتي تهدف إلى جعل الأردن وطناً بديلاً ليس كحل ولكن كواقع في البنود الأساسية لصفقة القرن ليس هذا فقط بل والسعي للعبث الحثيث بأمنه الداخلي. اللعب على قوت المواطن والسلب المصرح به لمكتسباته تجعل علب الفول الأربع هي الملجأ لكل من يريد الإحساس بالشبع مع الاحتفاظ بالكرامة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.