شعار قسم مدونات

التقييم والنقص في الرواية العربية

Blogs - Books

الرواية العربية، الفكرة الصاعدة التي وُجدت في مجالس السهر والحكايات الشعبية قبل أن تُعد في ثلاثينات القرن الماضي أيقونة للأدب والفن والأصالة.. تنقلت بين إحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ وعبد الرحمن منيف ووصلت إلى أقلام اليوم. فما الذي ينقص رواية اليوم لتكون مدرسة للأدب؟ السببان الرئيسان المتحكمان كما أعتقد في رواية اليوم هما: اعتماد الكُتّاب على فكرة "ما يطلبه القُرّاء" بغض النظر عن ماهية القرّاء وعن تنصُّل أسلوب القارئ منه. والثاني هو تقييم الجوائز الدارجة والمشهورة للرواية.

 
ولا يكاد ينفصل السببان عن بعضهما؛ فكاتب اليوم -وليس بالعموم- يكتب بما يناسب دور النشر والتي تطلب ما يناسب مبيعاتها بغض النظر عن تدني مستوى الذوق العام وسطحية المحتوى وبساطة اللغة والسرد وربما بما لا يتفق مع القواعد العامة للرواية، وقد تسمى بذلك جزافاً بما يتفق مع ثقافة الجمهور !ويأتي السبب الثاني باعتباره معيارية فريدة في التقييم، وعليه فإن الاسم الذي يُشيّد به من قبل إحدى الجوائز سيأخذ خمسة نجوم في عيون عالم الرواية وشهرتها ونفوذها؛ ولا يمكن الجزم بأنها أفضل فكرياً وفنياً، هذا ربما لأن فكرة النقد صارت ادعاءً ومجاملة لشخص الكاتب وموقعه الاجتماعي والمادي وشهرته الاجتماعية التي خوّلت له القفز سريعاً في عالم الرواية في غضون شهرين أو أقل من الكتابة لا أكثر، وهذا ما لا يجب أن يندرج تحت قائمة النقد.

  

إلى من تخطتهم جائزة نوبل لمن هم أقل شأناً.. إلى البريق الذي لم يجد فرصة عادلة لِلمعانه.. اجعلوا للرواية منها عقيدةً لا يمكن زعزعتها إلا بما هو أكثر إيماناً

فحال بعض الروايات الآن إما أن تكون من قلب المجتمع أو تغوص في محرمات المجتمع، مكدّسة انشائياً أو بسيطة جداً، تقريرية جداً أو عاطفية ساذجة، تُلقى فيها المشاعر بفوضى دون أن يحتضنها موقف الشخصيات أو أنها مسهبة بالغموض وعسر الهضم وإعاقة السلاسة والحركة، وقد تكون مُسترسلة في موضوعة "الجنس" إلى حد الإباحية معتقدين بأن الكاتب المحافظ لا يمكن أن يكون مبدعاً؛ وعليه فإن الكتب الأكثر مبيعاً في العالم العربي – مع أني لا أثق في الإحصائيات – تشير بأنها مختصة بقصص الحب ومتأثرة بلغة الحروب ولا تكاد تخلو من مشاهد خليعة، ولا ننسى بأن الرواية البوليسية العربية ذات المهارة والحبكة تكاد تختفي عن الأنظار.
 
لا شك بأني لا أعمم، وإلا ما كنت سأشيّد بالرائعتين "فرانكشتاين في بغداد" و"حرب الكلب الثانية "! ولا كنت سأعتبر الأدب العراقي منذ حضارته وحتى الآن مكتبة ومدرسة عريقة في الأدب. ولا شك بأن الكتابة حقٌ متاح للجميع ولا شك بأن للقارئ أيضاً حق اختيار ما يحلو له ونقد ما لا يحلو له. ولكن الناظر إلى المحتوى الروائي المنتشر والدارج وإعلانات دور النشر المادية، والتجول المقلق للشاعر والقاصّ والـ"يوتيوبر" في عالم الرواية يجعلها عرضة للقلق والهشاشة!..

 

فيا حُكّام الرواية العربية، أنتم مقيّدون؛ فاختياركم عناوين أصغر من غيرها في الكفاءة ذلك يعني أنكم حددتم المحتوى الذي سينكبّ عليه القرّاء الذين يرون فيكم نجاة محتوى الأدب العربي! وإلى المُقبلين على تشرُّب الأدب، اعلموا انه عماد الثقافة، فلا تقمعوه.. وإلى هؤلاء القراء الذين لا زالوا يأخذون من العنوان نصفه، التقييم المشهور ليس كتاباً مقدساً والمُقيِّم ليس نبياً! فكم من فكرة عبقرية غابت عن الظهور وكم من قلم ساحر لم يوقّع اسمه؟!

 

أيها القُرّاء، ما زال هناك فسحة،
وما زال هناك عمالقة يكتبون،
انظروا جيداً إلى الكتب المطوية،
إلى المدارس العتيقة التي احتفظت بأصالتها، إلى "زينب" في نهج محمد حسن هيكل، وإلى "خانن الخليلي" والثلاثية في مخيلة نجيب محفوظ..

 

إلى من تخطتهم جائزة نوبل لمن هم أقل شأناً.. إلى البريق الذي لم يجد فرصة عادلة لِلمعانه.. اجعلوا للرواية منها عقيدةً لا يمكن زعزعتها إلا بما هو أكثر إيماناً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.