شعار قسم مدونات

الإلحاد بين الهزيمة النفسية والرغبة في التطوي

blogs الكون

مع الانتشار الرهيب لمواقع التواصل الاجتماعي، أصبح التحليل النفسي والفكري للمجتمعات أسهل من ذي قبل، خصوصا بعد إدمان كل الطبقات والأطياف تلك المواقع، ومن خلال تصفحي لعدة صفحات ومواقع، لاحظت اتساع دائرة الفكر الإلحادي في مجتمعاتنا المسلمة، والمؤسف أكثر أن هؤلاء الذين فرطوا في قيمهم الدينية والاجتماعية لم يعتنقوا هذا الفكر عن طريق البحث واتخاذ منهجية علمية في تبنيهم له بل هو إلحاد فارغ كما وصفه الدكتور محمد عياش الكبيسي في احدى مقالاته، ولم يتقنوا سوى النيل من الاسلام وبيئتهم الاسلامية كنوع من جلد الذات والانتقام من تلك المجتمعات التي عانوا فيها كما هي تعاني من تخلف ثقافي وتدهور اقتصادي، وانحطاط فكري منقطع النظير.

فأردت البحث في أسباب الانتشار الخطير لهذا الفكر، خصوصا وأنه سبق وأن عانينا منه أيام اعتناق جزء كبير من الأنظمة العربية للفكر الاشتراكي كمنهج اقتصادي وسياسي والجهود المبذولة من طرف السوفيات أنذاك لنشر فلسفتهم الشيوعية وتأثر الكثير من النخب أنذاك بهم، لكن المعضلة الكبرى اليوم أن شبابنا هو من يسعى ويبحث (بدون أي تفكير وتمييز) عن هذا الداء ويعمل جاهدا من أجل نشره والدعوة إليه واعتباره طوق نجاة من الانحلال الفكري والسياسي والمعيشي بل حتى الديني، مستدلين بما يشهده الغرب من ازدهار في جميع المجالات وعلى جميع الأصعدة ومن بين ما استنبطته في بحثي المتواضع أن الأسباب متعددة ومختلفة كما أن المشكل نتيجة لتراكمات فكرية وسيكولوجية وتاريخية لكنني أرى انه يمكن أن نحصر أخطر وأبرز هذه الاسباب في النقاط التالية:

1- المشاكل الاجتماعية وطغيان القيم المادية على القيم الروحية
2- التأثر الكبير بالحضارة الغربية والفكر العلماني الحداثي
3- الأنظمة الاستبدادية 
4- ضعف الخطاب الديني

وسأحاول أن تبيين كل نقطة وتفريعاتها ونتائجها كما لا ننسى علاقة كل واحدة بالأخرى، حيث يوجد ترابط كبير بين كل سبب وآخر.

المشاكل الاجتماعية:
لا يمكن أن ننكر سعينا للتطور الفكري والفني والعلمي والتكنولوجي متأثرين بما يعيشه الغرب من رفاهية واستقرار وعدل

كما هو معلوم أن المجتمعات في تطور مستمر ويمكن لأي مجتمع أن يرجح كفة قيم على أخرى غير صالحة أو لا تتماشى مع مرحلة من مراحل تطوره. ومجتمعاتنا كانت اولويتها بل اولى الاولويات بالنسبة لها القيم الروحية، فلن تجد أي فكرة وفي أي مجال الا وعرضت على الشريعة إن خالفتها نبذت وان وافقتها رحب بها وأصبح معمول بها.

كما أن النمط المعيشي للعرب قديما كان جد بسيط (حياة البداوة)، وبعد أن نالت غالبية الشعوب العربية والإسلامية استقلالها بعد ما عانته من محاولات طمس هويتها الثقافية والفكرية الإسلامية… بل واصل الغرب ذلك الغزو الفكري والثقافي حتى بعد التحرر ولايزال إلى يومنا هذا.

فلا يمكن أن ننكر سعينا إلى التطور الفكري والفني والعلمي والتكنلوجي متأثرين بما يعيشه الغريب من رفاهية واستقرار وعدل، فرجحت كفة القيم المادية على القيم الروحية وأصبح الفرد لا يهمه الا راتب يسد به رمقه من متطلبات الحياة الكثيرة والمتعددة وأصبح الدين على الهامش وزاد الطين بلة ضعف الخطاب الديني والوهم الذي صنعته الأنظمة الشمولية وتأثر نسبة كبيرة من النخب بالحضارة الغربية العلمانية التي تنص على تنحية الدين من سياسة الدول..

 

كل هاته الأسباب وغيرها جعلت من المواطن البسيط عرضة لضغوط اجتماعية ونفسية فرأى بعض الشباب المسكين بعد عدم رضاه وسخطه على سياسة زعمائه وعدم اقتناعه بفتاوى علمائه وقوة وجبروت اعدائه أن الدين كذب ووضع ثقته في فكر يدعي ان الثقة في العلم لا في الدين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.