شعار قسم مدونات

بطل الشعوب المتعبة في مواجهة الثور الإسباني

blogs محمد صلاح

ساعات سبقتها أيام وأسابيع والجماهير، وعلى رأسها الجمهور العربي، تترقب على أحر من الجمر نهائي دوري أبطال أوروبا في المدينة الأوكرانية كييف، والذي سيجمع نادي ليفربول الإنجليزي مع ريال مدريد الإسباني في مواجهة نارية ستضم كوكبة من نجوم كرة القدم وفي مقدمتهم النجم المصري العربي، الذي انهارت في حبه الحدود وغابت كرمى لعيونه السياسات، فاتحد العرب من أجله واتفقوا على تشجيعه والوقوف في صفّه حتى لو كان ضد الفريق الذي يشجّعونه، وكأنها الشيزوفرينيا المشروعة لشعوب ملّت الهزائم.. شعوب تتوق لنصر.. أي نصر!

جاء اليوم الموعود وظهر "صلاح المنقذ"، لاعب نادي ليفربول الإنجليزي وحامل آمال العرب في نهائيات كأس العالم المقبلة، فازداد حماس الجمهور العربي أضعافاً وبدأت خيالاته تصوّر الفرعون المصري صلاح وهو يسدّد هدف الدقيقة الـ 90 على أرض المستطيل الأخضر، ولكن سرعان ما خابت الخيالات وتبخر الحلم، ليتحول الهدف إلى دعوات يسدّدها 100 مليون مصري، بل أكثر بكثير، على اللاعب سيرخيو راموس، قائد الريال وقلب دفاعه، الذي انضم في ليلة وضحاها إلى قائمة "أعداء العرب والمسلمين".

"يا فرحة ما تمّت"
كان راموس قاسياً، فكسر قلوب الجماهير، حاول صلاح جبرها، فنهض من جديد محاولاً استعادة قواه، لكن الألم خانه فسكب دموع الانسحاب وترك الحلم معلّقاً على أمل الإكمال

ظنّ الجمهور العربي أنه سيذرف دموع الفرح مع انتصار صلاح الذي بات قريباً، لكنهم تفاجؤوا بتدخل راموس العنيف، الذي أنهى الحلم العربي بحركة اعتبرها الأغلب متعمدة وأقرب إلى الأساليب المعتمدة في حلبات مصارعة الثيران، حيث أمسك راموس ذراع صلاح وأجبره على الانحناء ليسقط الأخير أرضاً في الدقيقة الـ 30 من الشوط الأول من المباراة.

كان راموس قاسياً، فكسر قلوب الجماهير، حاول صلاح جبرها، فنهض من جديد محاولاً استعادة قواه، لكن الألم خانه فسكب دموع الانسحاب وترك الحلم معلّقاً على أمل الإكمال. هل يستحق راموس كل هذا الهجوم أم أن العاطفة طغت على حكمنا فظلمناه؟

مما لا شك به أن كرة القدم لعبة تحتاج إلى حنكة وذكاء وتجربة، وهذا بالتحديد ما اعتمد ويعتمد عليه راموس في لعبه، قد يكون احتال بشكل غير مباشر، ولكن ما قام به لا يعد مخالفة تقضي الإنذار، وما تعرض له صلاح يحدث في أي مباراة، ولكن الفرق أن صلاح وجمهوره لا يتكرران في أي مباراة، فهما حالة استثنائية، حالة فقدت الكثير من مسبّبات الحياة. لذلك كانت الضربة قاضية على الشعوب العربية التي استعادت ثقتها بنفسها مع ظهور صلاح، ذاك البطل الذي أنار شعلة الأمل بعد انقطاع طويل.

ما يميّز صلاح أنه وصل في عزّ التعب العربي، في وقت نحن بحاجة فيه لمن يجبر خواطرنا ويعيد عزّتنا
ما يميّز صلاح أنه وصل في عزّ التعب العربي، في وقت نحن بحاجة فيه لمن يجبر خواطرنا ويعيد عزّتنا
 
بطل الشعوب المتعبة

كان الحمل ثقيلاً على أكتاف صلاح وما يزال، فهو حصيلة انتظار 28 عاماً غاب خلالها الفراعنة عن كأس العالم، وأمل تعلّقت به الشعوب العربية التي كسرتها الخيبات وبخّرت أحلامها الأحزان، واسم مسلم تهتف به جماهير العالم وتحيّيه بحب وفخر ودون أي خوف، فلا وجود لرهاب الإسلام أو الإسلاموفوبيا كما يسمّونها على أرض المستطيل الأخضر.

قد يعترض الكثير على كم المشاعر الإيجابية المبالغة تجاه صلاح، فهو ليس العربي الوحيد على ساحة كرة القدم العالمية، صحيح، ولكن ما يميّز صلاح أنه وصل في عزّ التعب العربي، في وقت نحن بحاجة فيه لمن يجبر خواطرنا ويعيد عزّتنا، ليس بمهاراته الاستثنائية في كرة القدم فحسب، والتي فاقت كل التوقعات وتفوقت على نجوم كبار في عالم كرة القدم العالمية، ولا يختلف على ذلك اثنان، بل بملامحه التي تشبهنا، وباسمه العربي الجميل الذي أصبح مألوفاً ومقبولاً في كل العالم، وبأخلاقه السمحة التي تمثّلنا والتي من شأنها أن تعكس صورتنا الحقيقية التي لطالما شوّهها الإعلام الغربي.

البارحة وبعد الإحباط الكبير والخوف من فقدان الحلم من جديد، ظهر صلاح بتغريدة له عبر حسابه على تويتر يطمئن فيها جمهوره ويقول "كانت ليلة صعبة جداً، إلا إنني مقاتل. على رغم الصعاب، أنا واثق من أنني سأكون في روسيا وسأجعلكم جميعاً فخورين". مضيفاً "حبكم ودعمكم سيمنحاني القوة التي أحتاج إليها". ليعود ونعود على أمل اكتمال أحد أحلامنا العربية المبتورة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.