شعار قسم مدونات

أردوغانوفوبيا.. لماذا لا يريدون أردوغان؟

blogs أردوغان

بتاريخ 24/05/2018 كتبت صحيفة Le point الفرنسية بالبند العريض: Le dictateur…jusqu’où ira erdogan الدكتاتور: إلى أي مدى سيذهب؟  وفي التاريخ ذاته كتبت صحيفة عكاظ السعودية: أردوغان.. أوهام السلطان.. مخططات عبثية وأجندات مشبوهة. وعلى الرغم مما تحت العنوانين من مغالطات لا تستند إلى معطيات موضوعية، فإني عدت أسائل نفسي: هل يمكن أن يكون هذا التوافق بين الصحيفتين صدفة…؟

إن هذه الحرب الإعلامية الشرسة على شخص الرئيس أردوغان ليست وليدة اليوم، وليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها الكلام عن أردوغان بهذا السفه الإعلامي. فعلى مدى أشهر لم تتوقف وسائل الإعلام المدعومة من السعودية والإمارات ومصر بشكل مستمر عن مهاجمة تركيا والرئيس أردوغان، ولعل ما زاد حملة التصعيد هذه موقف أردوغان من ثورات الربيع العربي والذي انحاز فيه إلى الشعوب، وموقفه من انقلاب العسكر على الشرعية في مصر، ومما عرف مؤخرا بصفقة القرن حيث يشرف على فبركتها وليا عهد أبو ظبي والرياض لفرضها على الشعب والسلطة في فلسطين المحتلة.

أما صورة أردوغان في الإعلام الغربي فهي تفتقد إلى أخلاقيات الإعلام وشرف المهنة فقد وُصف الرجل بالمستبد الفاشي الذي يسير بتركيا نحو ابتعادها عن محيطها الأوروبي، وفي رسومات كاريكاتورية ساخرة هوجم الرجل أكثر من مرة بتهمة دعم الإرهاب وقمع الصحافة والإعلاميين وانتهاك حقوق الإنسان على خلفية موقفه من الأكراد وحربه في منطقة عفرين، مع أن الرجل تحرك لأجل حماية حدوده ووحدة بلده على عكس ما تفعله دول أخرى في المنطقة.

 

عقب محاولة الانقلاب التركية الفاشلة كان الموقف الأوروبي محتشما ومخجلا، وتم التريث قبل إصدار بيانات الرفض والاستنكار إلى غاية فشل الانقلاب بالفعل

وفي رسومات أخرى أكثر سخرية وإهانة تم نشر صورة أردوغان على هيئة خنزير يخاطب المستشارة ميركل من قبل صحيفة ألمانية في انتهاك صارخ لكرامة الإنسان، وفي هولندا وضعت له صورة على هيئة قرد، وتم إحصاء أكثر من عشرين رسما كاريكاتوريا ساخرا بحق الرجل سنة 2016م. وفي مشهد كوميدي طريف ومضحك جن جنون الرأي العام في ألمانيا على خلفية ظهور اللاعبين مسعود أوزيل وغوردوغان التركي الأصل في صورة مع الرئيس أردوغان في لندن وطالب بطرد اللاعبين من صفوف المنتخب الألماني.. وليت شعري هل يمكن أن يعتبر هذا التصرف مبررا قانونيا وأخلاقيا لطردهما…؟ 

وإذا ما عرجنا على ممارسات قادة وحكومات الدول الغربية فهي لا تخرج عن إطار واحد وهو انتقاد نظام الحكم وسياسات أردوغان كلما أتيحت الفرصة لذلك، وهذا يعتبر في عرف القانون والدبلوماسية تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية لدولة مستقلة، مع أن الرجل وصل إلى الحكم أكثر من مرة بانتخابات نزيهة وفوز ساحق يحققه في كل موعد واستحقاق سياسي بشهادة معارضيه وخصومه السياسيين.

 

أعتقد أن هذه الممارسات تعبر عن حجم التذمر من الرجل المزعج بإنجازاته وخلفيته الأيديولوجية وانتقاده المستمر لسياسات الكيل بمكيالين المنتهجة من طرف هذه الحكومات كلما تعلق الأمر بقضايا العرب والمسلمين. كما أن علاقة قادة هذه الدول بأردوغان اتسمت في الغالب بالبرودة والفتور، سواء أكان ذلك على مستوى العلاقات العامة أم على مستوى الزيارات الرسمية المتبادلة، وأحيانا تصل إلى حد التأزم والتوتر وسحب واستدعاء السفراء كما حدث مع ألمانيا إثر الأزمة التي نشبت بسبب الغاء بعض المدن الألمانية تجمعات لبعض الوزراء الأتراك لحشد التأييد للتعديلات الدستورية ربيع 2017م. 

وعقب محاولة الانقلاب الفاشلة كان الموقف الاوروبي محتشما ومخجلا، وتم التريث قبل إصدار بيانات الرفض والاستنكار إلى غاية فشل الانقلاب بالفعل، وعلى إثر حملة الاعتقالات التي طالت عصابة الانقلابين وما ترتب عنها من عقوبات ثارت ثائرة القوم وأخرجوا ما في جعبتهم كالعادة من دروس الوعظ في حقوق الإنسان والحريات في تحدي صارخ لإرادة الشعب التركي الذي وقف بقضه وقضيضه عاري الصدر في وجه الانقلابين رافضا السطو على إرادته وديموقراطيته. ولا يخفى على أحد محاولات الأنظمة الغربية وسعيها الحثيث في كل مرة لعرقلة انضمام تركيا إلى الاتحاد الاوروبي دون تقديم مبررات موضوعية لذلك، على الرغم من التطور المذهل لها إبان فترة حكم الرجل في شتى المجالات.

لقد بات من الواضح للعيان انزعاجهم وتخوفهم من المشروع التركي السياسي والاقتصادي الذي أسسه أردوغان منذ نجاح حزب العدالة والتنمية في تسلم مقاليد السلطة وما ترتب عن ذلك من نجاحات وإنجازات، ونشأ عن هذا التخوف ما يمكن تسميته ب: "ظاهرة أردوغانوفوبيا" وهي تعني تلك الحملة الممنهجة التي تقوم بها دوائر الحكم والإعلام في الغرب وفي بعض دول الشرق الأوسط للتخويف من شخص الرئيس أردوغان وتشويه صورته لدى الرأي العام.

انتقد السلوك السيئ لأوروبا مع اللاجئين السوريين وكيف تنصلت الحكومات الغربية من مسؤولياتها تجاههم، وانتقد استخدام مفهوم الإرهاب الإسلامي
انتقد السلوك السيئ لأوروبا مع اللاجئين السوريين وكيف تنصلت الحكومات الغربية من مسؤولياتها تجاههم، وانتقد استخدام مفهوم الإرهاب الإسلامي
 

وبالعودة إلى التساؤل الجوهري في التدوينة: لماذا لا يريد الغرب وحلفاؤه أردوغان…؟ نجد أن في مقدمة هذه الأسباب تظهر الخلفية الأيديولوجية والفكرية للرئيس أردوغان فهو ينطلق من خلفية إسلامية بالنظر إلى طبيعة الحزب الذي ينتمي إليه والذي يعتبر من مؤسسيه وهو حزب نتج عن تراكم تجارب حزبية سبقته كانت كلها ذات جذور إسلامية.

 

وفي أول مسؤولية تقلدها الرجل في الدولة وهي رئاسة بلدية اسطنبول سنة 1994 ظهر توجهه الديني في كثير من قراراته على غرار مواقفه التي وصفت بالمتشددة من دور القمار والدعارة ما أثار حفيظة العلمانيين والحداثيين الذين رأوا فيه خطرا على موروث العلمانية. ومع اعتلاء حزبه سدة الحكم سعى أردوغان إلى تمتين علاقة تركيا مع العالم الاسلامي كامتداد طبيعي لها في الفضاء الإسلامي، كما أعاد للمرأة التركية هويتها بإقرار حقها في ارتداء الحجاب.

وفي خطاباته الشعبية يحرص الرجل على الإشارة إلى الهوية الإسلامية لتركيا ويتحدث عن أجداده العثمانيين وعن محمد الفاتح ويحرص على التواجد في المساجد وحضور الملتقيات والمؤتمرات الدينية والفعاليات المختلفة ذات الطابع الإسلامي. أعتقد أن هذا النشاط الدؤوب للرجل أعاد إلى أذهان جيرانه الأوربيين فكرة الخلافة الإسلامية والدولة العثمانية وولد لديهم نوعا من الفوبيا والرهبة من نواياه ومشاريعه المستقبلية في المنطقة وهو ما يفسر رفضهم الدائم لفكرة انضمام تركيا إلى الدائرة الأوروبية.

ولعل ما يمكن تسميته بسياسة التعرية التي ما فتئ أردوغان يعلنها في خطاباته بشكل متكرر ضد الغرب حيث إنه عرى ديموقراطية المصالح وانتقد انتقادا لاذعا سياسة الكيل بمكيالين التي يعتمدها هؤلاء في تعاملهم مع قضايا العالم العربي والإسلامي. فالغرب الذي ينتقد سياسات تركيا وسعى إلى تحطيم ثورات الربيع العربي في نظر أردوغان هو ذاته من سكت عن الديموقراطية عندما اغتصبت في مصر وهو ذاته من يرى ويسمع حقوق الإنسان والحريات تنتهك في بورما وافريقيا الوسطى وفلسطين ثم لا يحرك ساكنا..

 

استطاع أردوغان أن يجد لتركيا موطئ قدم بين الكبار، وعلى الرغم من صعوبة التحديات الداخلية والخارجية التي واجهته طيلة فترة حكمه إلا أنه أثبت جدارته
استطاع أردوغان أن يجد لتركيا موطئ قدم بين الكبار، وعلى الرغم من صعوبة التحديات الداخلية والخارجية التي واجهته طيلة فترة حكمه إلا أنه أثبت جدارته
 

وانتقد السلوك السيئ لأوروبا مع اللاجئين السوريين وكيف تنصلت الحكومات الغربية من مسؤولياتها تجاههم، وانتقد استخدام مفهوم الإرهاب الإسلامي ومفهوم الإسلام المعتدل في الخطاب الرسمي الغربي باعتبار أن هذين المفهومين يراد بهما إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام والمسلمين.. أقول: هذه السياسة لم تعجب الحكومات الغربية ورأت فيها مناهضة صريحة وتحديا مباشرا لها على مرآى ومسمع من الرأي العام العالمي. ثم إن توجه تركيا بكل ثقلها إلى تمتين علاقتها بالعالم العربي والإسلامي وافريقيا، وروسيا في الآونة الأخيرة والبحث من وراء ذلك عن أسواق بديلة للسوق الأوربية كرسالة مشفرة إلى أوروبا التي تصر على رفض دخول الأتراك إلى الاتحاد الاوربي ..هذا التوجه وسع حجم الهوة وغذى عناصر الكراهية.

كما تجدر الإشارة إلى أن التطور المدهش والقفزة النوعية لتركيا صناعيا وتجاريا بزعامة أردوغان له أثره في علاقتها بأوروبا، حيث إن هذه الأخيرة كانت تراهن على فشل نظام الحكم في تركيا خارج بيئتها الاوروبية، وتترقب حصول ذلك بفارغ الصبر، إلا أن أردوغان وقف في وجه هذه التحديات واستطاع أن يغير وجه تركيا السياسي والاقتصادي في ظرف قصير لا يساوي شيئا في عمر الدول والمجتمعات.. حيث ارتفعت قيمة العملة التركية في سوق العملات، وانخفضت نسبة البطالة بعد أن ارتفعت إلى مستويات مخيفة قبل حكمه، وارتفع دخل الفرد إلى أرقام مذهلة، وزاد حجم الصادرات أكثر من ثلاثة أضعاف على ما كان عليه، فضلا عن الصروح والمؤسسات العلمية والصحية والثقافية ومشاريع البنى التحتية المنجزة.

لقد استطاع أردوغان أن يجد لتركيا موطئ قدم بين الكبار، وعلى الرغم من صعوبة التحديات الداخلية والخارجية التي واجهته طيلة فترة حكمه إلا أنه أثبت جدارته وأحقيته بقيادة تركيا، وصار بحق رمزا من رموز نهضتها الحديثة، وهو يذكرنا بالبيتين الشعريين:

حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالناس أعداء له وخصوم 
كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسدا ومقتا إنه لذميم

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.