شعار قسم مدونات

كيف يمكن لدول الخليج الاستفادة من النموذج السياسي للفلبين؟

مدونات - رئيس الفلبين روديغو دوتيرتي

يؤمن البعض أن غياب المؤسسات الفعّالة في أي مكان يؤدي إلى غياب التنمية. كما أن الكثير من الأكاديميين قد تبنّوا هذه الفكرة وربطوا التنمية الاقتصادية بالمنظمات القوية، أي أن نجاح المؤسسات يعني نجاح الاقتصاد، في حين فشل المؤسسات يعني فشل الاقتصاد. وكذلك الأمرُ مع التنمية والاستقرار والأمان. ولذا من أجل أن نتحقق من هذه الفرضية، سندرس حالة الفلبين كنموذج يمكن لدول الخليج البناء عليه والاستفادة منه لحل الأزمة الحالية في المنطقة.

 

هنالك جدال مستمر حول أهمية التحالفات والمؤسسات وأيهما أفضل وأكثر استمرارا وضماناً للدول النامية بشكل خاص. بناءً على دراسة حالة الفلبين، تبيّن أن المؤسسات أكثر ضماناً واستمراريةً على المدى البعيد وأقل خطورةً من التحالفات العسكرية، ولكن لماذا؟ وان كانت كذلك فلم لازالت الدول تسعى لتشكيل تحالفات مع القوى الكبرى في العالم؟ وتُسارعُ لاحتضان القواعد العسكرية لها؟

 

التحالفات أداة للدول الكبرى

تلعب التحالفات دوراً مهماً للقوى الكبرى، حيثُ تعطيها الشرعية من أجل فرض أجندتها على حلفائها الأقل قوةً لتحقيق أهدافها الشخصية. يقول البروفيسور الأمريكي ستيفن والت عن علاقة أمريكا بالفلبين، أنها لم تكن مقتصرة على التحالف العسكري وإنما تعدى الأمر ذلك، حيثُ قامت أمريكا باستغلال هذا التحالف من أجل التأثير على علاقات الفلبين الخارجية مع الدول الأخر بما يضمن مصالحها الشخصية.

 

المقارنة بين التحالفات والمؤسسات الإقليمية يبيّن أن كلاهما مهم، باستثناء أن المؤسسات الإقليمية أكثر استقراراً وأقل خطراً من التحالفات في أغلب الأمر

ففي حالة الفلبين، قامت الولايات المتحدة بتقديم ضمان لحماية الفلبين من المخاطر الخارجية. وهنا يتبين أن السبب الرئيسي الذي يجعل كثير من دول العالم تُكوّن تحالفات هو لضمان حمايتها من الخطر القريب منها. ولكن الأمر مختلف بالنسبة للدول القوية، فالذي يدفع الولايات المتحدة لحماية الفلبين هو مصالحها للحفاظ على هيمنتها في المنطقة والعالم حيثُ أن وجود قاعدة عسكرية لأمريكا هناك، يضمن لها الحفاظ على توازنات القوى في المنطقة للحد من النفوذ المتصاعدة للصين. لذا فإن التحالفات تستخدم كأداة للقوى الكبرى من أجل تحقيق مبتغاها. ففي حالة الفلبين، لم تتدخل أمريكا لحل النزاعات البحرية مع الصين فيما يخص بحر الصين الجنوبي، الذي تتنازع عليه عدد من دول المنطقة من بينها حليفة أمريكا، الفلبين. هُنا ندرك أن الدول الكبرى تتحالف مع دول أخرى لفرض نفوذها أو اجندتها التي تُقيّد القوى المتوسطة من أجل ضمان بقاءها تحت السيطرة، أو من أجل حماية الدول الضعيفة، لكي لا تسبقها الصين في الوصول اليها وبالتالي تنافسها في المنطقة. وفي كلتا الحالتين التحالف يحقق مصلحة للدولة القوية.

 

التحالفات أكثر قابلية للتفكك من المنظمات

المشاكل التي تواجه التحالفات أيضاً، أنها تكسر أو تضعف عند غياب الخطر. فالتحالف بين الفلبين وأمريكا كان سببه تمدد الخطر السوفيتي في المنطقة، ولكن بعد غياب الخطر السوفيتي لم تعد الفلبين بحاجة إلى أمريكا في أراضيها، مما أدّى إلى تخبط العلاقة بينهما خصوصاً بعد رفض أمريكا لطلب الفلبين للتدخل لحل النزاعات الإقليمية مما يعني أن هذا الشكل من العلاقات العسكرية غير مستقرة، بعكس المنظمات والمؤسسات الإقليمية المعنية بالتعاون التي قد تكون أفضل حلّاً من التحالفات. رغم أن التحالفات غير مستقرّة على الإطلاق فهي تتغير حسب تغير المصالح والقوى في العالم. ورغم إدراك الحكومات أن أكثر من نصف التحالفات تنتهي بالفشل والتفكك، إلا أنها لا تزال تتحالف مع غيرها، فلِم؟

 

قد يكون السبب هو الخطر الوشيك المحتمل وقوعه، فالدول بالطبع تهتم بالمستقبل وما قد يحدث فيه، ولكنّها تهتم بالوقت الراهن بشكل أكبر بسبب الشعور بالخطر الوشيك الذي قد يقع قريباً جداً والذي قد يكون هناك الكثير من الدلائل على حدوثه. لذا فالسعودية مثلاً لا تهتم كثيراً ببقاء الحلف الذي شكلته بعد انتهاء الحرب في اليمن بالقدر الذي يهمها زوال الخطر الحوثي من المنطقة. لذا فالدول تشكل تحالفات رغم معرفتها بأنها قد تتفكك، لأن القضاء على الخطر الوشيك يضمن بقاء الدولة القوية وهو أكثر أهمية من الحفاظ على التحالف.

 

رئيس جديد.. تحالف جديد

في الوقت ذاته، لابد من ألا ننسى دور الرؤساء في صياغة العلاقات الخارجية لدولهم. فكل رئيس يمتلك أسلوب وايديولوجيا معينة اتجاه ما يحدث في العالم، لذا فإن تغير الرئيس غالباً ما يعني تغيير السياسات الخارجية بما فيها من تحالفات. فالفلبين قد شهدت تغيراً دراماتيكياً في علاقاتها مع حليفتها أمريكا بسبب تغير الحكومة. فقد تحوّلت من علاقة تحالف إلى الكراهية عندما صعد روديغو دوتيرتي إلى السلطة، حيثُ أنّه كان رافضاً لسياسات أمريكا الخارجية ولا يتّفق معها. وكذلك الأمر مع أمريكا، فصعود ترمب إلى السلطة بتوجهاته المختلفة عن أوباما أدّى إلى تغير سياسات أمريكا الخارجية تجاه كثير من الدول، مما نتج عن ذلك توطيد علاقتها بعدد من دول الشرق الأوسط. ولكن هذه العلاقة قد لا تستمر طويلاً، فقد يأتِ رئيس جديد بتوجهات مختلفة وينهي هذه التحالفات. لذا فإننا ندرك أن الاتكاء على ذراع واحدة كأمريكا، أمرٌ غير مجدِ وخطر للغاية على الدول التي تعتمد على التحالفات العسكرية دون تعميق علاقاتها بالدول المحيطة لها عن طريق المؤسسات التجارية مثلاً. لأن فشل الحِلف للدول المعتمدة اعتمادا كلياً عليه، يعني فشل المنظومة السياسية بأكملها وقد يعقبها فشل الاقتصاد والأجهزة الأخرى.

  

رودريغو دوتيرتي  (الجزيرة)
رودريغو دوتيرتي  (الجزيرة)

المؤسسات كبديل
في الجانب المقابل، تلعب المؤسسات الإقليمية كبديل فعّال للتحالفات من أجل ضمان استقرار المنطقة وبناء أسس السلام فيها. فلا يمكن أن تصل المنطقة إلى الاستقرار بدون الحوار أو التفاعل بين الدول، لذا تعمل المؤسسات كنقطة وصل من أجل تعزيز التواصل بين دول المنطقة مما يؤدي إلى ظهور أشكال مختلفة من التعاون كالتعاون التجاري والسياسي والأمني فيما بين الدول الأعضاء. على سبيل المثال، غياب المؤسسات الفعالة كآسيان أدى إلى الكثير من المنازعات كالذي بين الصين والفلبين. ولكن عندما لعبت آسيان دوراً وسيطاً للتواصل بين الدول المعنية لحل النزاعات، انتهى الأمر بتوطيد العلاقات بين الصين والفلبين. وأثر ذلك على الفلبين ايجابي جدا، حيثُ قامت الصين بإقراض الفلبين مبالغ كبيرة تصل إلى 400 مليون دولار لإقامة العديد من مشاريع البنى التحتية لمانيلا.

 

تلعب المؤسسات دوراً بارزاً في صناعة السلام بين الدول. لأنها تصنع دولاً تربطها علاقة تكاملية اعتمادية لبعضها البعض، مما يعني وجود مصالح مشتركة. لذا فمن المرجّح أن تقل النزاعات بين الدول بسبب تقلّص حجم الاختلافات بين الدول الأعضاء وزيادة حجم المصالح. فلن تخاطر الدول بعلاقة تضمن أن تستفيد هي منها، وكذلك ينطبق الأمر على باقي الدول الأعضاء. فالأمر مرتبط بنظرية السلام الاقتصادي أو التجاري، التي تنص على أن الدول التي تربطها علاقات تجارية لا تدخل في حروب مع بعضها البعض خوفاً من خسارة مصالحها الاقتصادية مع الدول الأخرى. وهذا ما تعمل المؤسسات الإقليمية لتحقيقه.

 

كما تعمل المؤسسات أيضاً على تنظيم سلوك الدول الأعضاء كمنع الغش، وتسهيل مشاركة المعلومات فيما بينهم وحل النزاعات الإقليمية والتعاون من أجل تعزيز الأمن في المنطقة. وكذلك الحال في الفلبين، فوجود تحالف بينها وبين أمريكا لم يمنع المشاكل الإقليمية من الوقوع ولم يساهم في حلّها أيضاً. ولكن وجود منظمات فعّالة في المنطقة أدى إلى تقليص حجم المشكلة بين الصين والفلبين ولعبت المنظمات دوراً من أجل خلق علاقة اقتصادية يستفيد منها الطرفان لتقليص الفوارق وحقن المشاكل السياسية بينهما.

 

لذا المقارنة بين التحالفات والمؤسسات الإقليمية يبيّن أن كلاهما مهم، باستثناء أن المؤسسات الإقليمية أكثر استقراراً وأقل خطراً من التحالفات في أغلب الأمر. ودراسة حالة الفلبين يمكن أن تستفيد منها أي دولة أخرى في العالم تعتمد على التحالفات بشكل رئيسي دون المشاركة في المؤسسات المحلية. كدول الشرق الأوسط التي غالباً ما تلجأ إلى التحالفات العسكرية لمحاولة ردع الخلافات أو إنهاءها، رغم تبيّن أن هذه الاستراتيجية فاشلة لأنها تخلق صراعات أخرى وتبني صدع كبير بين هذه الدول، بينما تعمل المؤسسات على حل هذه الخلافات بطرق سلمية أقل خطراً. قد يكون نموذج الفلبين درساً لدول المنطقة من أجل التخلّي عن التحالفات العسكرية وتفعيل دور المؤسسات لحل أزمة الخليج.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.