شعار قسم مدونات

رسالة معلم إلى من يهمهم الأمر

blogs - uni
يقول معن بن اوس 

يا عَجَباً لمن رَبَّيتُ طِفلاً.. أُلقَّمُهُ بأطرافِ البَنانِ 
أُعلِّمهُ الرِّمايَةَ كُلَّ يومٍ.. فَلَمّا اشتَدَّ ساعِدُهُ رَماني 
وكم عَلَّمتُهُ نَظمَ القَوافي.. فَلَمّا قال قافِيَةً هَجاني 

لا حديث اليوم في المغرب إلا عن خطأ ارتكبه أحد الاساتذة بمدينة خريبكة المغربية، تمثل في ردة عنيفة اتجاه تلميذة قامت باستفزازه عن طريق رميه بطباشير، وهو الأمر الذي لم يستسغه، فتوجه نحوها ممارسا عليها العنف الجسدي والذي تمثل في توجيه صفعات إلى التلميذة المشاغبة، وعند تداول شريط الفيديو الذي يوثق الحادثة سارعت الدولة إلى اعتقال الأستاذ.

أولا لا يمكن إنكار الخطأ الذي وقع من طرف الأستاذ والمحاسبة أمر ضروري وصحي، لكن وفق ما نعرفه داخل الوزارة التعليم، لأن هناك عقوبات يحددها النظام الأساسي للوظيفة العمومية حسب جسامة الخطأ وليس الاعتقال، ثانيا يجب عرض التلميذة على المجلس التأديبي عكس ما صرح به مسؤول بكلام لا مسؤول دون الإلمام بتفاصيل الحدث لأن هناك شهود يثبتون ما تقوم به من عرقلة للسير العادي للدراسة، ثالثا معاقبة التلميذ الذي وثق الحادث، لأنه هو الآخر خرق القانون المعروف الذي يمنع استعمال الهاتف والتصوير.

 

 لا أحد تنبه الى أنه بصدد ساعات إضافية تطوعية، ولا إلى أنه راكم ثلاثين سنة من العطاء، ولا أن تلك المخلوقة هي البادئة بالاستفزاز

بهذه الطريقة نضمن تطبيق القانون على الجميع دون استثناء، وأخيرا يجب على الأطر الإدارية والتربوية داخل المؤسسات التعليمية التكتل للمطالبة بإطار قانوني دقيق ومفصل لجزر أصحاب السلوكيات لا تربوية والتي تؤثر على السير العادي للدراسة داخل المؤسسات التعليمية، أستاذ خريبكة هو درس جديد متجدد لكافة الأطر التعليمية للتحلي بالحيطة والحذر وهم يزاولون مهامهم داخل الفصل، مرة أخرى نجد أن أغلب من يحيطون بنا يكنون حقدا دفينا لرجال ونساء التعليم، ويتحينون الفرص للإيقاع بهم في الزنازين إلى جانب القتلة والمجرمين، فتراهم ينفثون سمومهم يمنة ويسرة ليس بدافع رفض العنف أو غيرة على الطفولة أو دفاعا عن أنثى مجتمع ذكوري كما يريدون ايهامنا، بل حقدا وشماتة في من رباه بالأمس القريب.

    

لسنا ننزه أو نزكي سلوك أستاذ خريبكة الذي أساء الرد على استفزاز جيل "الدصارة" و"الطياحة" وهو يعنف تلك المخلوقة ويتلفظ بالكلام البذيء داخل الفصل، لكن لا أحد تنبه الى أنه بصدد ساعات إضافية تطوعية، ولا إلى أنه راكم ثلاثين سنة من العطاء، ولا أن تلك المخلوقة هي البادئة بالاستفزاز، ووازرتنا التي فشلت في كل شيء أبت إلا أن تصطف إلى صف التحامل والتنكر للأستاذ المسكين.

نحن الآن في زمن قل فيه الاعتراف بمهنة شريفة تقوم بخدمة نبيلة وسط محيط تربوي لا يبشر بالخير، في زمن أصبح فيه رجال التعليم يحاكمون ويظلمون ويذلون لا لشيء سوى أنهم يريدون رسم المسار الصحيح لجيل مهتز جيل انعدمت فيه القيم والاخلاق في زمن أصبح فيه الآباء بعيدين عن القيام بدورهم التربوي ومتابعة مسار ابنائهم الدراسي والقيمي في ظل انتشار الجهل والفقر، التعليم العمومي في المغرب تم إقباره، والذين يشجعون على تحقير الأساتذة مستقبلا سيدفعون الثمن من جيوبهم، فالبعض يعتقد أن الأمر مجرد حالات شاذة ولا يعي أن الأمر خطة مدروسة تسعى إلى تدمير ما يعرف بالمدرسة العمومية والمتضرر الأول سيكون المواطن الفقير الكادح الذي يظن أن رجال التعليم هم سبب فشل المنظومة التعليمية.

   

لا ينكر أحد ان الأستاذ بالغ في ردة فعله لأسباب وجب البحث عنها، إلا ان بعض أبناء هذا الجيل لا يوقرون حتى اولياء أمورهم، وكلما استدعينا أولياء أمور بعض التلاميذ وعندما يحضرون يعترفون بتسلط الابن حتى في البيت وإن الآباء لم يجدوا حلا ولا وسيلة لتربيته، حتى العقوبات الزجرية لم تعد كما كانت وأصبحت عقوبة "البستنة" نكتة الوزارة لا يهابها أحد، ما العمل إذن؟ ترك التلميذ يفعل ما يشاء ويضيع حق الاخرين في التمدرس؟ للعلم، الإدارة لم تعد قادرة على ردع التلاميذ، فالإداري كالأستاذ لا يحق له تعنيفه والاباء استسلموا.

التعليم يسير نحو الخوصة هذا هو الهدف الذي من أجله هم سائرون، إنهم جادون في إهانة التعليم العمومي وتهميشه وتهميش أهله وتبخيس عملهم وتسليط عليهم كلاب المواقع العفنة النتنة التي تقتات على الأخبار الكاذبة والسلبية مع تهميش وتغييب الأخبار الايجابية وهي كثيرة، زمننا اليوم طغت فيه المظاهر وأصبح الإنسان كتلة مادية لا قيمة لباقي الكتل الفكرية والأخلاقية والإنسانية، صراحة زمن أصبح الأبناء يطردون آباءهم وأمهاتهم من المنازل لإرضاء نزواتهم، زمن أصبح التلميذ أغنى من استاذه ويتباهى بمكانته المادية على الأستاذ ويعرض إيصاله عبر سيارته، معلم لا يحس بمستوى معيشي يتخطى من خلاله الإهانات المختلفة، وفي المقابل مستوى تربوي منحط، ينبغي التفكير في تقنين الأخلاق والمعاملات على أساس الاحترام التام بين الأستاذ والتلميذ وإعطاء المراقبة لجهات خارجة عن المؤسسات التعليمية والتربوية.

    
undefined

    

بعد نهاية المسلسل الدرامي، بتوافق يرضي جميع الأطراف، بات من اللازم العودة إلى الخلف، والتمعن بكل تعقل في ما أقدمت عليه الوزارة عند إرسال مبعوثين لزيارة التلميذة، مبعوثون "رفيعو" المستوى، كان من الأجدر التريث قبل الإقدام على هذه الخطوة الغير "الدبلوماسية"، والتي أثارت سخطا عارما لدى أسرتنا التربوية، لكون هذه البعثة "الرفيعة" لم تتحرك في مناسبات لزيارة المربي حيث كان فيها هو الضحية، هل نحن إذن أمام " تمييز" مُفتعَل ربما أُريد به تكسير "شوكة" المربي، الذي بدأ يقول كلمته مؤخرا في العديد من المنابر؟ من له المصلحة في تضخيم هذا "الشرخ" الكبير بين الوزارة الوصية والعاملين في القطاع؟

وزارتنا وكواليسها، باتت اليوم في أمس الحاجة لحكماء و عقلاء لتوجيه "توجهاتها"، فالتسيير لم يعد مرتبطا بشواهد عليا وديبلومات من خارج الوطن، التسيير ليس بمذكرات عمودية تُحس و أنت تقرأها، قبل أن توقعها، بلهجة "الآمر الناهي"، التسيير مرتبط بمدى التحكم في الأزمات، والقدرة على مواجهتها والخروج من براثنها بأخف الأضرار، للأسف وزارتنا ما زالت في شنآن مع أسرتنا التربوية، أيها المسؤولون، غيروا خططكم، كفى عداءاً للمدرس، كفى تسرعا في اتخاذ القرارات، توجهاتكم هذه تُقَدّمنا خطوة إلى الأمام، و تُرجعنا خطوتين إلى الوراء، غيروا معادلاتكم، لعل بها تتغير الخطوات، أكيد أن هذا الملف سيُطوى بما له وما عليه، إلا أنني على يقين ومعي الكثيرون منكم سوف تبقى في نفوسنا أشياءٌ كثيرة من حتّى.

ما يحزُّ في النفس تلك الطفيليات المحسوبة على الصحافة الصفراء التي تنهال بالسبِّ والشّتم على رجال و نساء التعليم وكأنهم خرجوا من أرحام أمهاتهم متعلمين، دارسين وحاملين للشواهد أوَ لمْ يكنِ الفضل لهذه الفئة في وصولكم الى ما أنتم عليه اليوم فهم من علموكم فنَّ الكتابة حتى أصبحتم قادرين على صياغة مقالتكم التّافهة، لو كان الأستاذ ظالماً ما وقف جُلُّ تلاميذ المؤسسة ينددون بالظلم والجُور اللذين لحقا به فالأرجح أن يقفوا بصفِّ زميلتهم المجدَّة المنهوك حقُّها، واختتم مقالي هذا بتوجيه تحية اجلال وتقدير لكل اساتذة المغرب الكرام، فمنكم تعلمنا وتفقهنا وبفضلكم اليوم كتبت هذه الكلمات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.