شعار قسم مدونات

راموس.. اللعنة على هكذا فوز!

blogsإصابة محمد صلاح

هى حربٌ لا يدري المغلوب بأي ذنبٍ قد خَسر ولا الغالبُ بأي سعي قد انتصَر. لكن ما يدري الغالب بشأنه جيدًا أنَّه سَفَكَ دم النزاهة سفكًا وبأبخس وسيلةٍ ممكنة. فبين شماتة الغالب وضعف حيلة المغلوب يظل العار لصيقًا دائمًا بمن كان يظنُّ أنَّ النَصْر هو ربح المعركة وفقط دون الالتفات للكيفية. لأن تعود أدراجك مهزومًا وأنتَ في تمامِ شرفك بين قومك، لخيرٌ ممَّن استباحَ شَرَفَهُ في أرض المعركة وراحَ يلوّح لأنصارهِ بانتصار زائفٍ لا يزيد في عين مُناصريهِ إلّا خسارًا. ولا أجد أنسب من قول الشاعر:

بعض المعارك في خسرانها شرف من عاد منتصراً من مثلها انهزم

المعادلات الرياضية تخبرك أنَّ 1 جمع 1 سوف تساوي دائمًا 2 لكن في أدغال الواقعية نجد للأمر أبعادٌ أخرى. فليس كل اجتهاد راحَت حصيلته في ميزان الحصاد بل قد تكون المحصَّلة النهائية هي لا شيء! صميم قلب السخط هو عدم تقبّل فكرة أنَّ الدنيا ليست دار جزاء حيث فيها 1 جمع 1 سوف يساوي 2 بل هي دار اختبار تتراوح فيها قيمة 1 جمع 1 بين قيمة موجبة لا نهائية أو قيمة سالبة لا نهائية أو مجرد صفر عريض. الحياة ليست بالعدل الذي نرسمه في مخيّلاتنا. مع ذلك نحن مأمورون بالأخذ في الأسباب والسعي دون الالتفات للنتائج، وعلى قدر صلاح النيّة تأتي الهديّة.

سوفَ يراكَ وأنتَ ترتقي على منبر المجد بكل إخلاصٍ واجتهاد. فيراكَ وأنتَ تتخطى حائل الصعاب ثمَّ تلمع عيناه إذ صرت منها لا تهاب

الهدية قد تولد من رحم الحرب كمَا كان الحال مع شابٍ قال بنفسهِ أنَّه لم يكن الأفضل في الموهبة بين أبناء جيلهِ، أو كما قالت إدارة نادي "الزمالك" عن أنَّه لا يصلح للعب في نادي مثل هذا! ومع ذلك يشاء الله أن يبَسَطَ له عرش مملكته من فوق إنجلترا والعالم بأسرهِ واسمه "محمد صلاح"! 

لكن ماذا سيحدث حينما تبلغ في ثراكَ العظمة فلا يصل إلى سماواتكِ الأيادي؟ دعني أخبرك: لن يتبقى سوى سِهام الأعادي. أتدري ما يحدث إذا زلزلت أقدام ظنَّت أنَّها لن تّزل بعد ثبوت؟ دعني أخبرك: سوف يهلعون رعبًا خشية سقوط مدوي لقذائف هاون منك فتدك معاقلهم دكًا. أتدري لمَ يخشون منك؟ دعني أخبرك: لأنَّهم يعلمون كيف يميزون بين الهجين والنقي. أتدري ما الضريبة؟ أن تخلد إلى الأرض حطامًا أمام حقد منه يشتعل الحطام في العيون نارًا وقودها جرحٌ غائرة والثأر من أعينٍ غادرة. هو راموس كوابيسك.

سوفَ يراكَ وأنتَ ترتقي على منبر المجد بكل إخلاصٍ واجتهاد. فيراكَ وأنتَ تتخطى حائل الصعاب ثمَّ تلمع عيناه إذ صرت منها لا تهاب. بل يستنفر حين تزيدك من بعد الشتات ثبات. وأنت ما زلت تعلوا في الدرجات فلا يبني لك إلا سُلمَّا يهوي بك إلى الدركات. فإن ارتقيت على منبر المجد تشرَّب في قلبه الحميّة وبنى لك منبرًا من الموْت. حتَّى إذا قضى عليك صافحك كأنَّه الملاك!

لم تكن مجرّد إصابة عابرة حتَّى تحدث كل هذه الضجّة. الأمر كان سرقة علنية لحلم لم يقدروا على مجاراتهِ في المباراة إلى أن قرروا التخلّص منه ولو كان ذلك على حساب النزاهة والشَرف. من المؤسف أن "راموس" فكرة. فكم من أحلام نُهِبَت نهبًا مثل حلم "محمد صلاح" لكنَّنا لا نعلم عن أمرها شيئًا. هي شخصية تخرج من أصل الجحيم ينزغ في صدرها الحقد نزغًا. فإن شاركت تحت إطار تسلق الجبال لبادرت بقطع حبل المتنافس بدلًا من مجاراتهِ بالتسلق. هم مبتوري الحُلم، وناكثي المواثيق، ومنزوعي الشرف. كيف للمرء أن تسوّل له نفسه أن يخرج عن حدود المصداقية على حساب فوز بخس؟ كفى بالمرء عارًا أن يرتضي لنفسه هكذا فوز!

 

هي حربٌ لا يدري المغلوب بأي ذنبٍ قد خَسر ولا الغالبُ بأي سعي قد انتصَر. لكن هذه المرّة ما يدري المغلوب بشأنه جيدًا أنَّه من مشاعر دافقة قد يخلق مشاعل حارقة
هي حربٌ لا يدري المغلوب بأي ذنبٍ قد خَسر ولا الغالبُ بأي سعي قد انتصَر. لكن هذه المرّة ما يدري المغلوب بشأنه جيدًا أنَّه من مشاعر دافقة قد يخلق مشاعل حارقة
 

اللعنة على هكذا فوز! اللعنة مجددًا على هكذا فوز! اللعنة على كل من وأد الأحلام في مهدها ونهب كالذئاب القاصية في الشاه الدانية! فلا أجد فعلة "راموس" هذه إلا تحت ذريعة أن نجاح العمل هو المعيار الوحيد للحقيقة كمذهب براجماتي بحت بغض النظر عن الآلية أو الكيفية المستخدمة تحت بند "الغاية تبرر الوسيلة"! 

وتبقى الدنيا صعبة الميراث. تكون بالأمس قد تحطمت كليًا، ولكنَّك صمدَّت؛ حتى بلغت المجد. ثمَّ تظنُّ أنَّك باقٍ فيه إلى الأبد متى وطئت قدامك فيه. لكنَّك لا ترى أبدًا أن راموس كوابيسك يتربَّص لك؛ كي يفتك بك فتك الضواري للفرائس. ثمَّ تتحطم كأنَّك لم تغنِ بالأمس في موطئ المجد. ويبقى السؤال: أتركن كالذين ركنوا من قبل حتَّى انطفئت نجومهم في سماء الأحلام ثمَّ هبطوا أرضًا وارتضوا بالقنوط من بعد السقوط؟ أم يتأجج بداخلك ثأر الانتفاضة والالتزام من بعد الانهزام؟ 

هي حربٌ لا يدري المغلوب بأي ذنبٍ قد خَسر ولا الغالبُ بأي سعي قد انتصَر. لكن هذه المرّة ما يدري المغلوب بشأنه جيدًا أنَّه من مشاعر دافقة قد يخلق مشاعل حارقة في صميم قلب من تزيَّن النصر في عينيهِ وظَّن أن ما سَلَفَ قد تَلَفَ، وكأن محرقة الهولوكست قد أخمدها ماء الهزيمة، وأن البركان لن يلفظ ما به من حمم. ولكن.. صبرًا فالأيَّام بين الناس دِوَلٌ تَمُرٌّ.. وغدًا الدنيا من بعد حلاوةٍ تَمُرُّ.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.