شعار قسم مدونات

العشائرية.. حين أصبح ميراث الأجداد عائقا للتقدم

blogs العشائرية بالأردن

لا تلبث أن تذكر هذه الكلمة حتى يخرج الكثير من المدافعين بل والمقدسين ليقولوا لولا العشائرية لما وجدت من يحميك العشائرية تطعمك وتسقيك كل البلاد تقوم على العشائرية. لا أقول أن مفهوم العشائرية عليه أن يكون منبوذا مسحوقا بل هو حقيقه ونمط حياه اجتماعي لا بد منه لكن المبالغة في الانتماء للعشيرة وتقديسها وإدخال هذا الانتماء في كل اختيارات المواطن السياسية يجعل للعشائرية عدة سلبيات، بل وتأثيرات خطيرة على المجتمع.

 

ففي الانتخابات مثلا سواء النيابية أو البلدية أو غيرها تجد كل عشيرة تجمع على اختيار شخص ما ليبدأ أبناء العشيرة بتمجيده وعمل دعاية له والحديث عن منافسه ابن العشيرة المجاورة الذين درسوا مع ابنائهم في نفس المقاعد الدراسية وتزوجوا منهم ولطالما كانوا سويا يتحدثون عنه بدونيه واحتقار على أنهم الأفضل والأجدر ليس بسبب أن ابنهم أكثر كفاءه بل بسبب هذه العشيرة القوية الجبارة الأقوى والأفضل من كل العشائر.

هم يعلمون أن ابن عشيرتهم سيساعدهم حين ينجح وابن العشيرة المجاورة سيخدم أبناء عشيرته فكل نائب يعرف جيدا من انتخبه ومن سيخدم بسبب هذا التقسيم الغير منطقي والغير منصف ومن ثم أين يذهب أصحاب الكفاءات والخبرات هل سيظلون يحملون التذاكر الرائحة والقادمة يبحثون عن أنفسهم في الخارج لو تخيلنا أنه لا وجود للعشائرية في الانتخابات ألن يبرز الكثير من أصحاب الفكر لأنه هذه المرة الدعاية التي تقويك هي أن تحمل فكر وخطة تغيير عملية ومقنعة.
 

لا نريد للعشائرية أن تندثر بل ستظل تاجا على رؤوسنا ورمزا للوطن وسيظل لكبارها الاحترام والتقدير لكن الوطن سيضمنا جميعا وستكون مصلحته أولا والانتماء له أولا

ألن يفرغ الكثيرون جهودهم المخبأة وطاقاتهم في العمل النيابي مما قد يساهم في تشكيل أحزاب قويه تفرض نفسها كأي بلد ديموقراطي ألن يتحول مفهوم الانتماء للعشائرية إلى انتماء للوطن وتنحدر الواسطة فالعشيرة بهذا الشكل تثبت الواسطة وتجعلها تتجذر وتسير في جسد الدولة كما يسير السرطان في جسد العليل فلا يستطيع ابن العشيرة النائب أو المسؤول إلا أن يستقبل طلبات أبناء عشيرته ويعمل على تلبيتها فهذه مسؤوليته بالنسبة لهم. وهذا هو الاتفاق البديهي المبطن مقابل انتخابه.

وللفكر العشائري تأثير أكثر خطورة فالأطفال نواة المجتمع ومستقبله القادم يتربون ويتعلمون أنهم أبناء العشيرة الأقوى والأرقى وأن العشائر الأخرى صغيره محتقره أمامهم تربيه تغرس فيهم العنصرية والتعصب وتترك فيهم شيئا من الجاهلية ليتعلموا الحقد والكراهية من نعومة أظفارهم يتربون على حقيقة وهميه غير موجودة وغير منطقية فلا تعجب من الشجارات في المدارس والجامعات والفزعات ومن العقلية المتعصبة اللامنطقيه التي تظهر في لحظة ما لتطغى على كل القيم وتتقدم عليها.

هل ستكون للعشائريه ولمنسف اللحمة البلدية حصة الأسد في البلد ويكون لها الحق دائما في ضياع الكثير من التقدم والوعي. هل سيظل شيخ العشيرة الحازم القوي الرئيس المطاع لقبيلته الذي انتقل الى رحمة الله ربما منذ مئة عام هل سيظل ميراث أفكاره متناقلا في صندوق ثمين من جيل إلى جيل لا يمسه أحد يسلم من يد إلى يد دون وعي وكأن العالم لم يتغير والأردن لم يتوحد في جسد واحد يحتضن العديد من العقول والإنجازات. لا نريد للعشائرية أن تندثر بل ستظل تاجا على رؤوسنا ورمزا للوطن وسيظل لكبارها الاحترام والتقدير لكن الوطن سيضمنا جميعا وستكون مصلحته أولا والانتماء له أولا سنعلم أبناءنا احترام الجميع وأن أكرمكم عند الله أتقاكم لا نريد أن نسيطر على الحارة ولا على البلدة ولا على الدولة فالقانون يسيطر علينا لنحيا بشكل أفضل وأجمل.

بالتأكيد تحسن مفهوم العشائرية لن يحدث في يوم ولا سنه ولا سنتين يحتاج التغيير الاجتماعي دائما وقتا طويلا، لكن يجب أن يبدأ هذا التغيير فلا شيء مستحيل وكل مأمول يتحقق. يجب أن يبدأ من بيوتنا فالتغيير الكبير يبدأ من البيوت الصغيرة وحين نضع الأنانية جانبا ويكون القلب على مصلحة الوطن فإنه حتى العشائري ستكون منساقة لمصلحة البلد حين نطهر نظرتنا للآخرين ونخفض صوت الأنا ونزيل عن كاهلنا هذا العبء الوهمي الثقيل ستتطهر ظروفنا وتصبح الحياه أسهل وأفضل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.