شعار قسم مدونات

هل هناك فرصة للسلام في اليمن؟

مدونات - مارتن غريفيث

بدون الوقوف الجاف على سؤال كهذا ومن غير كثرة تلفت تعبر إلينا سيول الإجابات دون توقف، وطالما كان الموضوع هو السلام في اليمن فإن أي تساؤل حوله لا يمكن أن يخرج دون حزمة إجابات شافية كافية تغني عن أي استفسارات قادمة في المستقبل حول الفرص المتاحة أمام عملية السلام في اليمن، بالطبع وحتى كتابة هذا المقال لا يوجد ما يمكن أن نقول عنه فرصة حقيقة متاحة أمام أي خطوة من الخطوات التي يقودها المعنيين نحو إعادة تفعيل العملية السياسية من خلال المباحثات الجارية التي يقودها المبعوث مارتن قريفث ذو الجنسية البريطانية مع سائر الأطراف المعنية بالصراع الدائر بمختلف أشكاله.

 

ليس هذا الطرح من باب التشاؤم ولكنه مستخرج من صلب الواقع الذي لا يقول سوى هذا، وبالرغم مما قاله مبعوث أمين عام الأمم المتحدة عبر إحاطته الأولى في مجلس الأمن بأن جميع من تتعلق بهم القضية اليمنية مجمعون على إيقاف الحرب وأنه لا يوجد من لا يري السلام إلا أنه يقول هذا من باب التحفيز لا أكثر لكنه يدرك خطورة وأبعاد المهمة الملقاة على عاتقة وفي قضية بالغة التعقيد مثل القضية اليمنية، بدى المبعوث الأممي واثقا من بعض خطواته بداية تدشين عمله ولكن سرعان ما انخفضت نسبة التفاؤل لديه لاعتبارات كثيرة قد لا يبديها هو بحكم القيود المفروضة عليه والمسافة التي ينبغي أن يكون عليها من كل الأطراف.

 

إذا لماذا لا توجد هنالك فرصة للسلام في اليمن؟
يدرك اليمنيون ويفهمون بأن الفرصة الوحيدة المتاحة أمام تحقق عملية السلام في اليمن هي بمواصلة واستمرار مكافحة الانقلاب واستعادة الدولة المختطفة، بدون هذا سيكون الحديث عن السلام نوع من العك والعجن

أولا وقبل كل شيء لأن الإرادة السياسية للفاعل الدولي حين تريد إمضاء عملية السلام في اليمن من خلال المرجعيات الثلاث المعروفة فإنها تجد نفسها محاصرة من التأثير المباشر في القضية اليمنية وفي المقابل تجد أن كل ما يتعلق باليمن إذا جاءت الحلول عبر المرجعيات سيذهب بالطبع لتوسعة صلاحيات أكثر للمملكة العربية السعودية في اليمن، ولذلك يحاول اللاعب الدولي كثيرا أن ينفذ عملية التفاف على تلك المرجعيات وخاصة قرار مجلس الأمن 2261 الذي يعد أهم إنجاز أممي في خارطة القضية اليمنية، وحين يصر اللاعب الدولي بما يملك من أجندات على تطويق أصول الحل المتفق عليها محليا وعربيا ودوليا فإنه يفوت فرصة تعزيز عملية السلام في اليمن كون ما يريد الذهاب اليه يصب في صالح الانقلاب ويخدم مسيرته التي ما تزال لا تكف عن العبث بحياة اليمنيين.

 

إلى الآن لا يوجد أمام الفاعل، الدولي سوى الملف الإنساني ينفذ من خلاله نحو القضية اليمنية محاولا خلط بعض الأوراق على حساب القضية الإنسانية كالتهويل لأمراض الكوليرا والدفتيريا والمجاعة والتي تتحدث عنها وسائل إعلامه بغزارة وكثافة تفتقد للمصداقية في غالب ما يتم تقديمه، كل ذلك في سبيل الضغط على الأطراف الفاعلة لتقديم تنازلات حتى يتسن لتلك الأجندات الخارجية الوقوف على مساحة مريحة من القضية اليمنية وبما يكفي لعرقلة أن تأتي الحلول من بوابة المرجعيات الثلاث.

 

الحوثي هو الآخر لا يرى في تلك المساعي التي تحاول حلحلة التعقيدات الحالية من خلال مرجعيات القضية اليمنية أمرا مقبولا بالنسبة له فضلا عن رفضه الحلول المقدمة من خارج إطار المرجعيات بما فيها من ضمانات لمستقبل الحوثي في المرحلة القادمة، لا يرغب بذلك لأن طبيعة ما يحمله من إيدلوجيا تفرض عليه أن يكون هو الحاكم المطلق الذي لا شريك له في سلطة يستمد شرعيتها من السماء وأن من يفكر بالسعي لمنازعته فيها فهو الخصم الأول الذي لا فرار من قتاله ومواجهته بكافة الوسائل والأساليب المتاحة، الفترة الأخيرة وبعد مقتل الصماد رفض الحوثيون استقبال المبعوث الجديد أو السماح له بالعودة إلى صنعاء مما زاد الأمر تعقيدا وجعل من الوصول نحو أي فرصة جديدة للسلام أشبه بالمستحيل، إلى هنا ما تزال فرصة تحقق السلام في اليمن أمرا بالغ الصعوبة ولكنا سنواصل رسم المشهد علنا أن نجد مكانا يمكن لهذه الفرصة أن تأتي من خلاله وتدخل إلى سائر اليمنيين.

 

هنالك لاعب وطرف فاعل في القضية اليمنية يحاول إلى حد ما تغيير مشهد القوى السياسية والعسكرية الفاعلة في اليمن وتقف خلفه حزمة أجندات غربية تحاول هي الأخرى أن تمد بتأثيرها عبر هذه النافذة في حال فشلت بما تقوم به حاليا عبر الملف الإنساني وقد سبق وتحدثنا عنه، دولة الإمارات العربية المتحدة هي من نعنيه في هذا السياق وكيف تعمل هذه الدولة من خلال عدة أدوار في اليمن على تفتيت كل فرص السلام وحرمان أكثر من ثلاثين مليون نسمة من حقهم في العيش بأمن واستقرار، ما قامت به هذه الدولة هو الأخطر حتى هذه اللحظة وهو العمل الذي حتى لو كتب لليمنيين أن يخرجوا من هذا الوضع فإن كلفة ما أحدثته دولة أبو ظبي ستكون بالغة الأثر في مستويات عدة من مراحل المستقبل اليمني، وهذا بالطبع ليس تقليلا مما ارتكبه الحوثيون بحق الشعب اليمني لكنه يظل لا يرقى إلى مستوى دولة تأتي بثقلها المالي والعسكري إلى جانب أجندات غربية مصاحبة تقف خلفها دول عظمى مثل أمريكا وبريطانيا.

 

تفتح الإمارات الميدان أمام تشكيلات عسكرية منزوعة الهوية باليمن وليس مطلوب منها الاعتراف بالسلطة الشرعية القائمة
تفتح الإمارات الميدان أمام تشكيلات عسكرية منزوعة الهوية باليمن وليس مطلوب منها الاعتراف بالسلطة الشرعية القائمة
  

الحوثيون لولا ما تحدثه الإمارات من خلط متعمد لكثير من قواعد اللعبة العسكرية في اليمن لما طال عمرهم حتى هذه اللحظة ولما طالت معركتهم مع الجيش الموالي للشرعية الذي لم يعد يفصله عن العاصمة صنعاء سوى عشرات الكيلو مترات فضلا عن تلك الهزائم التي، ياحقها بالحوثي على امتداد خارطة المعارك في اليمن.

 

تنعدم بالكلية فرص السلام في اليمن إذا ما ارتطمت بالدور الإماراتي، وتغيب كل آمالها إذا ما وقفت أمام نوع واحد من أنواع الجرائم التي ارتكبتها الإمارات وما تزال، تتعمد الإمارات إضعاف دور الحكومة ومنع عودة رئيس الجمهورية وكذلك السيطرة على الموانئ والممرات والأماكن ذات البعد الجغرافي والتاريخي، كما تفتح الميدان أمام تشكيلات عسكرية منزوعة الهوية وليس مطلوب منها الاعتراف بالسلطة الشرعية القائمة وتستمر أيضا في تغذية ودعم كافة التيارات المطالبة بتقسيم اليمن وإنهاء مشروع وحدة اليمن. تكوّم الإمارات كل هذه الأعمال وترميها في طريق الحكومة ومؤسسة الشرعية بغرض إظهار عجزها في مواجهة المشاكل والاختلالات الحاصلة في مدينة عدن ومناطق الجنوب وبغرض آخر يكمن في فتح شهية اللاعب الدولي وهو يرى صورة الواقع اليمني على هكذا حال فيسارع للإدانة والاستنكار وبجانب ذلك يحاول رسم الحلول على قدر المستوى الذي تبدو عليه الحالة اليمنية.

 
لم يكن اللاعب الغربي يحلم بأن يتم سحب واقع الأحداث في اليمن إلى وضع يصعب معه معالجة ما يدور من خلال المرجعيات الثلاث وكانت الإمارات هي من تبنت هذا الدور وأخرجت الموقف الغربي من دائرة الحرج تلك لتتجلى بعض مواقفه المستقبلية مع القضية اليمنية من خلال تقرير لجنة الخبراء الذي جلد الحكومة كثيرا وساواها ببقية الأطراف الأخرى ونزع منها ما كان يميزها فيه من خلال تقاريره الماضية، بنفس الوقت لا يخفى على الإمارات ومن يقف خلفها بأن كل هذا يعمل على إهدار مستقبل اليمن الأمني والاقتصادي، الأمر الذي ليس بمقدور السعودية أن تقبل به لتماس وضع كهذا معها وهو ما يمثل انعكاسا بالغ الخطورة على أمنها ومستقبلها أيضا.

 

هكذا إذا تبدو آفاق العملية السياسية في اليمن ومعها مباحثات ومساعي إيقاف الحرب وإعادة تفعيل السلام حيث لا توجد مساحة واحدة على كل خارطة القضية اليمنية تقول بأن فرصة ما يمكن لها أن تأتي وتصبح واقعا، يدرك اليمنيون ذلك، ويفهمون بأن الفرصة الوحيدة المتاحة أمام تحقق عملية السلام في اليمن هي بمواصلة واستمرار مكافحة الانقلاب واستعادة الدولة المختطفة، بدون هذا سيكون الحديث عن السلام نوع من العك والعجن الذي لا يعود على القضية اليمنية بشيء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.