شعار قسم مدونات

في رمضان.. مسيرات العودة تزداد جمالا وبهاء

blogs العودة

لا زالت الجماهير الفلسطينية في غزة مستمرةً في رباطها، زرافاتٍ وأفرادًا، يندفعون لإحياء ليالي رمضان بالإفطار، وأداء صلاة التراويح، والدعاء والتهجد والقيام في مخيمات العودة الممتدة على طول حدود غزة الشرقية مع أراضي 48، وهل هناك أعظم من شهر التضحيات لهبة الجماهير التي اعتادت على التضحية منذ أكثر من سبعين عامًا، وهل يحلو أداء العبادات إلا وأنت تشتَمُّ رائحة بلادك السليبة، مرابطًا على حدودها، مبتهلًا إلى الله عودةً إليها في أقرب وقت.

إن استمرار تدفق الجماهير الفلسطينية في مسيرتها السلمية الخالصة، وخاصة في أيام الجمعة، صائمين، غير آبهين بالحر أو تأثير الصوم، أو القناصة التي تنتظرهم على الجانب الآخر من الأسلاك الشائكة الفاصلة، ولا الغاز المسيل للدموع، يعني أن هذه الجماهير نجحت في معركة الوعي. فهي تعرف من يعاديها، تعرف من يحاصرها، وتعرف من يقف معها، ويمدُّ لها يد العون. هذه الجماهير تعرف كيف توجه غضبها، وكيف وفي أي اتجاه تنفجرن وقد انفجرت في الاتجاه الصحيح.

هذه الجماهير أيضًا تعرف كيف توجه حبها نحو وطنها، الذي شُردت وهجرت منها قسرًا، تبذل من دمائها، وأجسادها، وأوقاتها، وأموالها، غير آبهة بما يكال للمسيرة من اتهامات، فتحرير الأوطان عادة ما يأتي بعد مخاض عسير، تُبذل فيه المهج والأرواح والدماء، لكن هذه المآسي تنتهي بعد تحقيق النصر ودحر المحتل، تمامًا كما تنسى المرأة كل آلامها وأوجاعها أثناء الولادة، بمجرد رؤية طفلها وقد رأى نور الحياة. هذه الجماهير، تعي جيدًا أن استمرارها في الميدان سيزيد أنصارها يومًا بعد يوم، وبعد عدة أشهر سنسأل أنفسنا: هل بقي من أحدٍ لم يشارك في مسيرات العودة.

ستبقى جماهير مسيرات العودة تُذكِّرنا بجماهير الانتفاضتين (1987، 2000)، إقدامًا، وبذلًا، وتضحية، وتطورًا ميدانيًا وكفاحيًا

هذه الجماهير، التي تحتشد سلميًا، حددت أهدافها المرحلية، وأهدافها الاستراتيجية، وهي تطور نفسها في الميدان يومًا بعد يوم بشكل مذهل، وهي تعي جيدًا أنه لا تعارض بين هدف كسر الحصار المفروض على غزة منذ أكثر من اثني عشر عامًا، وبين هدف العودة إلى الديار التي هجروا منها قبل سبعين عامًا، فكسر الحصار يأتي في طريق العودة.

هذه الجماهير، التي كسرت حاجز الخوف من الوصول إلى الحدود، توجه رسالتها الأهم إلى المقاومة الفلسطينية؛ لستم وحدكم في الميدان، وإذا ما فرضت المعركة العسكرية على المقاومة، فإن هذه الجماهير لن تدع المقاومة يومئذٍ وحدها في الميدان.

هذه الجماهير تبرق أيضًا لكافة الأطراف أنها عرفت الطريق ولن تحيد عنه، توحد ولا تفرق، وهي معاول بناء للوطن لا معاول هدم، ترغب في الحرية ومستعدة للتضحية من أجلها بأغلى ما تملك، ترى في العرب والمسلمين قوة عظمى تدعمها وتناصرها وتؤيدها، وهي تنتظرهم يومًا ما ليكونوا معها في الميدان.

هذه الجماهير تؤكد أنها ترفض كل الحلول الترقيعية والمؤقتة، وتعلن موقفها ورأيها الصارم من صفقة القرن ومن آثارها أو مخططاتها، فلا تمدد في سيناء، ولا دولة في غزة، ولا انفصال عن الضفة، إنها تريد فلسطين واحدة موحدة.

الجماهير في هذه المسيرات بحاجة إلى مزيد الوعي والتثقيف والتعلم، لتصبح المقاومة السلمية ثقافة عامة لدى جميع فئات الشعب الفلسطيني
الجماهير في هذه المسيرات بحاجة إلى مزيد الوعي والتثقيف والتعلم، لتصبح المقاومة السلمية ثقافة عامة لدى جميع فئات الشعب الفلسطيني
 

ستبقى جماهير مسيرات العودة تُذكِّرنا بجماهير الانتفاضتين (1987، 2000)، إقدامًا، وبذلًا، وتضحية، وتطورًا ميدانيًا وكفاحيًا، وتثبت للعالم أجمع أن على أرض غزة، أن على أرض فلسطين شعبًا عظيمًا يستحق الحياة، يستحق حياة يصنعها بدمائه وتضحياته، لا مِنَّة من أحد هنا أو هناك، وأن هذا الشعب بكل ما يقدمه من تضحيات هو شعب عظيم يستحق قيادة عظيمة تكون على مستوى الحدث، وتقوده في معركة التحرير إلى بر الأمان.

وتبقى مسيرات العودة الفلسطينية إحدى أنبل وأطهر الظواهر على امتداد تاريخ القضية الفلسطينية؛ تكشف الوجه القبيح لـ (إسرائيل)، وتفرض نفسها جزءًا من الاستراتيجية الفلسطينية لمواجهة الاحتلال، وتشكل مسارًا جديدًا مهمًا في تاريخ الصراع مع الاحتلال.

رغم كل ما سبق فإن الجماهير في هذه المسيرات بحاجة إلى مزيد الوعي والتثقيف والتعلم، لتصبح المقاومة السلمية ثقافة عامة لدى جميع فئات الشعب الفلسطيني، نحسن استخدامها في الوقت المناسب، وهو ما يقع على كاهل الجهات المنظمة للمسيرات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.