شعار قسم مدونات

بين حب "العربي" والأمير "هاري".. لتكن إنسانا أو تنسحب

مدونات - الأمير هاري

موجة انتقادات واسعة تعرضت لها الفتيات اللواتي أثنين على شهامة الأمير "هاري" المتمثلة في الوفاء لوعده لأنثى أحبها، ما الاستثنائي فيما فعله؟ لا يستحق مطلقا كل هذه البطولة التي ميزته عن أبناء جنسه، والتي من المفترض أن تكون في عموم الرجال مشارقة كانوا أو غربيين. غير أن ما يبدو بالنسبة لنا نحن معشر النساء خارقا للعادة التي من المفترض أن تكون متجذرة في الرجال، تمجيدا لأخلاقه العالية في التشبث بمن اختارها قلبه وتجاوز القواعد المعمول بها منذ آلاف السنين، يعتبرونه مساسا بكرامتهم. ما الغريب فيما فعله؟ سأخبركم معشر السادة الكرام بما تجرأ على اتخاذه من قرار ويا له من قرار شجاع، ينم عن حب صادق دونما اعتبار لحالتها الاجتماعية، عمرها، عرقها أو حتى أصولها بغض النظر عن كونه أميرا تطبق عليه قوانين البروتوكول الملكي التي خرقها، بل وتجاوزها حينما اختار امرأة من عامة الشعب، مطلقة، تكبره سنا ومن أصول أفريقية.

 
سيقال أننا براغماتيات في الإشادة بزواج ممثلة من أمير ثري ذي ثروة، جاه ونفوذ كبيرين، وأن المثير للاهتمام في الموضوع كونها ستصبح ثرية، تأمر وتنهي، تعيش في القصور وتتنعم بحياة الفخامة والشهرة والنفوذ، وأننا نتمنى عيشتها .ما يثيرنا حقا هو افتقاد قيم متجذرة في ديننا الحنيف، رسولنا الكريم محمد عليه أزكى الصلاة والسلام، كان صادقا أمينا في وعوده، تزوج امرأة تكبره سنا، ثيبا وليست بكرا، أعطانا مثالا للشهامة والرجولة في التعامل مع النساء، ونادى بالرفق بالقوارير وهن النساء شقائق الرجال، فلم كل هذا التحامل على أخلاق تحلى بها خير خلق الله، واعتبار تمنيها في غالبية الرجال انقاصا لرجولة أصبحت معانيها مرتبطة بالفحولة والقدرة على إسكات المرأة بالضرب والتعنيف والانتقاد كلما أبانت عن كفاءتها، قدرتها على إفحام الرجل في مواضيع ترتبط أساسا بالأخلاق، بعيدة كل البعد عما يقض مضجعهم من ظنون تلقي بهم في متاهة التشكيك في "رجولتهم" التي لا مثيل لها ولا حق لأنثى في مقارنتها بأخرى، يدركون في قرارة أنفسهم أنها من طراز خاص، موجود لكنه نادر، نبيل لكن تنقص الجرأة لتبنيه قاعدة في الحياة ككل.

 

حينما صفقنا لك "لأمير هاري".. دمعت أعيننا مكان جميلتك، ليس حسدا بل أملا في أن ينصفنا الحب أيضا ويهدينا عمرا زاهيا بقرب من اختارونا عن قناعة ووضعوا سعادتنا نصب أعينهم

الرجولة وطن، حب عميق وصامد، وحين نطلبها أو نتمناها، فذاك حقنا في أن نعيش حياتنا بسعادة لأننا نستحق أن نعامل بإنسانية، لذا فلا نناشد في الرجال سوى إنسانيتهم، وفي المقابل نعدهم أن نكون وفيات على قدر محبتنا لهم، وصفاء سريرة المحبة التي تنغرز مضغتها في عمق مهجتنا الشفافة المتيمة بمرآهم والتي يستحيل أن تطيق العيش بمنأى عنهم، شرط الالتزام بوعودهم لنا يوم سكب الله محبة أحدنا في قلب الآخر ليقضي أمره بالألفة، المودة والرحمة التي هي أساس الارتباط ولبنته.

 

الحب يختار بقدر.. فهل يلزمنا واحد مشابه لقدر "ميغان ميركل" حتى تتحقق سعادتنا؟
فلندع الله إذن أن نحظى بمثله "رجلا"، ليس شرطا أن يكون ثريا، ذا جاه أو رفعة، فكل شيء قابل للزوال، وحدها الأخلاق تصمد في وجه الصعاب، وليكن الزمن حينها خير مختبر لحقيقة امرأة اختارت "رجلا " تتمناه كل النساء، ولتكن بسيطة، متواضعة، تلقائية، إنسانة ليست بعادية لتخطف قلب إنسان بإنسانيتها المعبرة عنها قبل نسبها، لون بشرتها، كيفما كانت حالتها الاجتماعية ومهما كان عمرها. سيكونان محظوظان فعلا بتوافقهما الروحي، ممتنين للقدر الذي جمعهما على حب قوامه وفاء بالعهد والتزام بصون أمانة القلوب، فحين يودع الحب في صندوق الأسرار، ينتظر من حامليه أن يحفظاه بين الأضلع، ويداوما على تفقد نبضه كلما بهت، تناقص ضغطه أو تغيرت حرارته، وإلا سيموت الإحساس به ويتحجر في عمقه مواريا حبا كبيرا ثرى الذاكرة والنسيان.

 
عذرا أيها الأمير "هاري" ذاك فيض من غيظ، فلينصفنا القدر بأمثالك أو لنمت عذارى لكن بكرامة الصامدات، الممتنعات على حب الافلام والمسلسلات، الرافضات لحب مزيف ينتهي في غالبيته بمأساة. حينما صفقنا لك، دمعت أعيننا مكان جميلتك، ليس حسدا بل أملا في أن ينصفنا الحب أيضا ويهدينا عمرا زاهيا بقرب من اختارونا عن قناعة ووضعوا سعادتنا نصب أعينهم. هؤلاء فقط من يستحقون أن نعيش معهم فصول حكاية جديدة عنوانها: كن إنسانا في حبك أو انسحب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.