شعار قسم مدونات

مكاسب وإخفاقات إدارة أوباما تجاه إيران

BLOGS أمريكا أوباما

منذ وصول باراك أوباما إلى سدة الحكم في البيت الأبيض عام 2009 ظلت إيران في صدارة الاهتمام الأمريكي لإدارة أوباما الديمقراطية ومن خلال تقييم إدارة أوباما الديمقراطية للأداء الاستراتيجي المنتهج من إدارة جورج بوش الابن تجاه إيران والذي قام على المواجهة والتهديد والمقاطعة وتشديد العقوبات ولم تثمر هذه الاستراتيجيات في تحقيق أي نجاحات تحجم الخطر الإيراني وتضع حداً للنشاطات الإيرانية النووية وسياساتها التي تقوض أمن واستقرار الشرق الأوسط غيرت الإدارة الديمقراطية لبراك أوباما من الوسائل والمضامين الاستراتيجية الأمنية في التعامل مع إيران، والتخلي عن الأساليب الأحادية في التعامل كقوة العسكرية أو التهديد بها إلى غير ذلك من الأساليب الخشنة التي تميزت بها إدارة جورج بوش الابن الجمهورية.

المكاسب

تميز الأداء الاستراتيجي الأمريكي لإدارة أوباما الديمقراطية في شقه الأمني بالمرونة والتعامل الإيجابي في تطويق المخاطر الإيرانية وتحجيمها وتوفير وسائل وطرق لم تكن معهودة في ظل حكم الإدارات السابقة والتي ساهمت بشكل جلي في تثبيت والمحافظة على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط وتعظيم الدور الأمريكي العالمي من دون اتخاذ تدابير حربية وعسكرية مباشرة من خلال توظيف آلية القوة الذكية التي تجمع بين الوسائل الخشنة والناعمة لزيادة أكبر قدر من هامش المناورة والقدرة على الإرغام والإخضاع، وبأقل قدر من التكاليف والتورط والخطورة وبصورة أكثر فعالية وأداء، لاسيما وأن إدارة باراك أوباما قد أدركت بشكل يقيني أن الفائدة المرتجاة من الارتكاز على وسيلة دون أخرى لن يحقق كل متطلبات الأمن القومي الأمريكي المتأثر بالبيئة الدولية غير المستقرة، فهذه هي السمة البارزة في إدراك نجاحات الاستراتيجية الأمنية الأمريكية تجاه إيران وذلك في المواءمة بين مجموعة من الوسائل والأساليب الاستراتيجية في ظروف ملائمة أسهمت في تقليص النفوذ الإيراني في منطقة الخليج.

نجحت إدارة أوباما الديمقراطية ضمن مطلقاتها الاستراتيجية الأمنية تجاه إيران في صياغة نظام عقوبات اقتصادي ومالي قوي، أربك الموقف الإيراني وقوض مصالحه في الشرق الأوسط

لقد أبلى الأداء الاستراتيجي الأمريكي لإدارة باراك أوباما بلاء حسنا في التأثير على نتائج الانتخابات الإيرانية الرئاسية العام 2013 من خلال ما أثرت به العقوبات الاقتصادية والمالية الأمريكية تجاه إيران من تأزم للوضع الداخلي الإيراني في الجانب الاجتماعي والاقتصادي بارتفاع كبير في نسب البطالة وارتفاع أسعار المواد الأساسية داخل إيران وانهيار الريال الإيراني أمام العملات الأجنبية الأخرى وانسحاب مجمل المستثمرين الاقتصادين من إيران وركود الاقتصاد الإيراني وتكبده خسائر فادحة نتيجة العقوبات الأمريكية والدولية الاقتصادية والمالية مما عمق مشاعر السخط الاجتماعي تجاه تيار المحافظين الإيراني المتشدد في الشؤون الخارجية.

نجحت إدارة أوباما الديمقراطية ضمن مطلقاتها الاستراتيجية الأمنية تجاه إيران في صياغة نظام عقوبات اقتصادي ومالي قوي، أربك الموقف الإيراني وقوض مصالحه في الشرق الأوسط وحد من نفوذه وعزله وتأثيره على محصلة التفاعلات الأمنية والسياسية الاقتصادية في الشرق الأوسط، وقاد إيران تحت وطأة العقوبات الاقتصادية الخانقة إلى إرغامها على التفاوض.

الإخفاقات

وقعت الإدارة الديمقراطية لباراك أوباما في خطأ استراتيجي فادح وذلك بتسرعها في تطبيق عملية الانسحاب العسكري من العراق عام 2011 حسب ما أجمع عليه المراقبون الاستراتيجيون فالانسحاب من دون تقوية الوضع الداخلي العراقي المحتقن طائفياً والمخترق إقليمياً من إيران والعملية السياسية الهشة بين المكونات السياسية العراقية إضافة إلى عدم استكمال بناء جيش عراقي قوي ومتماسك يضمن الوحدة العراقية ويحيد العراق من أي تبعية إقليمية ويحمي السيادة العراقية جعل العراق عرضة لتصاعد نفوذ الإيراني أكثر من أي وقت مضى وجعل الساحة خالية لإيران في تعزيز قوتها في المنطقة، وامتداد نفوذها الاستراتيجي عبر تشكيل خط طهران بغداد دمشق بيروت وصولاً إلى ضفة المتوسط والحدود الإسرائيلية مما يعني تهديد أمن إسرائيل رمز المصالح الأمريكية في المنطقة.

إن الخط الاستراتيجي طهران بغداد، دمشق، بيروت إن جاز لنا التعبير به الذي تشكل لإيران بعد قرار إدارة باراك أوباما الانسحاب من العراق دون تقدير كلفة المخاطر الأمنية المترتبة عن هذا الانسحاب العسكري والتي نستعرضها في النقاط التالية:

* زيادة هامش المناورة ومواجهة الاستراتيجية الأمنية الأمريكية القائمة على تطويق واحتواء النفوذ الإيراني، ولعبها أدواراً أكثر في منطقة الشرق الأوسط وفرض نفسها كقوة إقليمية لا يمكن تحييدها عن مجمل الترتيبات والتفاعلات الأمنية والسياسية في المنطقة.

* تهديد عمق المصالح الحيوية الأمريكية، وتقويض أمن المنطقة عبر زعزعة استقرار الدول الحليفة لواشنطن.

* إيجاد ممرات آمنة لنقل الأسلحة العسكرية المتطورة لحزب الله اللبناني والمنظمات الفلسطينية المقاومة وبالتالي تهديد أمن إسرائيل وجعل البارجات الأمريكية المستقرة في البحر الأبيض المتوسط في مرمى صواريخ حزب الله اللبناني الذي قد يدير حروباً بالوكالة عن إيران.

* امتلاك القدرة على الالتفاف حول العقوبات الاقتصادية الأمريكية بإيجاد مصادر أخرى لتوريد البضائع الإيرانية واستيراد حاجياتها من المستلزمات الممنوعة عنها وهو ما يفسر الصمود الإيراني ضد العقوبات الاقتصادية الأمريكية والغربية.

* امتلاك أوراق ضغط إضافية واستعمالها في المفاوضات النووية الإيرانية مع السداسية الدولية، كمسألة المشاركة في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش واستخدام وكلائها في العراق وسوريا واليمن ولبنان والبحرين لزعزعة استقرار المنطقة بغية تحسين الموقف التفاوضي الإيراني مع السداسية الدولية.

تتجلى مواطن الضعف في الاستراتيجية الأمنية الأمريكية في عهد إدارة باراك أوباما تجاه إيران حيث أنها كانت مرنة إلى حد بعيد
تتجلى مواطن الضعف في الاستراتيجية الأمنية الأمريكية في عهد إدارة باراك أوباما تجاه إيران حيث أنها كانت مرنة إلى حد بعيد
 

صحيح أن الاتفاق النووي في 14 جويلية 2015 بين إيران ومجموعة الخمسة زائد واحد وصف بصفقة القرن وأبرز النجاحات الاستراتيجية لإدارة باراك أوباما الديمقراطية، فقد منع إيران من امتلاك القدرة التصنيعية اللازمة في صنع أسلحة نووية وفرض قيوداً دولية صارمة على برامجها النووية، وأبقى إيران بعيداً عن عتبة التصنيع النووي، غير أن هذا الاتفاق انطوى على مخاطر وتحديات كبيرة خصوصاً على الوضع الإقليمي والجيوسياسي في الشرق الأوسط فمسألة رفع العقوبات الاقتصادية على إيران بعد الاتفاق من شأنه يؤدي إلى استغلال الموارد المالية التي سوف تتدفق لإيران من أصولها المالية المجمدة في الخارج والتي تقدر بالمليارات من الدولارات في زيادة دعمها لوكلائها في المنطقة الحكوميين وغير الحكوميين وتكريس نفوذها وهيمنتها بشكل أكبر.

ويظهر هذا جلياً في الحضور الإيراني في العراق والدعم الإيراني المستميت لنظام بشار الأسد فاقد الشرعية السياسية والقانونية من المنظور الأمريكي والغربي وعدد كبير من دول المنطقة، وإخلالها بالأمن والاستقرار في اليمن عبر دعم جماعة الحوثي وتثبيت سلطتها الانقلابية في اليمن على حساب الشرعية الذي يمثلها عبد ربه منصور هادي، مما دفع دول الخليج وبعض الدول العربية وفي مقدمتها السعودية إلى شن حملة عاصفة الحزم عام 2015 لإعادة الشرعية في اليمن غير أن حقيقة هذا التحرك هو التصدي للنفوذ الإيراني في اليمن مقتنعة بضرورة التخلي عن الحليف الأمريكي من باب أن إدارة باراك أوباما الديمقراطية قد فشلت في ردع توجهات إيران التوسعية في المنطقة وقدمت لإيران تنازلات كبيرة بشأن برنامجها النووي وهذا ما يقودنا إلى القول بأنها أخلت بمبدأ دعم الحلفاء والشركاء المحليين في منطقة الشرق الأوسط أحد أهم منطلقات وأهداف الاستراتيجية الأمنية لباراك أوباما والإدارات السابقة وهذا ما قد يؤدي إلى شرخ كبير في العلاقات الأمريكية مع دول الخليج.

 

ومن جهة أخرى تتجلى مواطن الضعف في الاستراتيجية الأمنية الأمريكية في عهد إدارة باراك أوباما تجاه إيران حيث أنها كانت مرنة إلى حد بعيد فإيران كيان عقلاني أثبتت قدر كبيراً من الحنكة والبراعة في قلب الموازين لصالحها من خلال جر الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية للاعتراف بشرعية النظام الإيراني، الذي رفضته لعقود عديدة وسعت بكل الوسائل والطرق إلى إسقاطه فالاعتراف بشرعية النظام الإيراني يعني الاعتراف بسياساته التوسعية في المنطقة والاعتراف ضمنياً بنفوذه ونشاطاته العسكرية في العراق وسوريا واليمن وبشكل أقل في لبنان، وهذا ما قد يؤدي بأن تصبح الولايات المتحدة أمام الأمر الواقع في الاعتراف بإيران فاعلاً أساسيا ومحورياً في المنطقة وجب إشراكها والتعامل معها، وهو سيناريو لن تستسيغه الدول السنية الحليفة لواشنطن ضف إلى ذلك الموقف الإسرائيلي الذي يخشى ويرفض التمدد العسكري الإيراني في سوريا ولبنان ويشكك في قدرة الاتفاق النووي مع إيران على منعها من امتلاك السلاح النووي وهي رؤية تشترك فيها مع دول الخليج التي ترى أن الولايات المتحدة الأمريكية بهذا الاتفاق قد سلمت منطقة الخليج إلى إيران على طبق من ذهب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.