العرض الآخر هو عرض "التسلط العكسي" على من هم أقل حيلة منه أو من هم تحت وصايته فيجد فيهم متنفّسا لإخراج الغلّ الّذي يكنّه للسلطة الغالبة على أمره، فيبطش المتخلف بأبنائه وزوجته ومحيطه الضعيف، والمرأة هي أكبر متضرر من هذا التسلط العكسي لأنها قاعدة هذا الهرم التسلّطي فمنذ ولادتها تأخذ فكرة دونيتها عن الرجل وتقتنع أنها تحت أمره المطلق وأنها أداة لخدمته وإشباع غريزته لا غير، فتنغرس هذه الفكرة فيها وتورثها بدورها إلى أبنائها وهكذا جيلا بعد جيل.
لمقهور يكبت مشاعره وعواطفه ويجد صعوبة بالغة في التعبير عنها، بل وينكرها إنكارا أمام الناس حتى وإن كانت تحزّ في نفسه حزّا، هذا الكبت يجعل نفسية المقهور مضطربة غير سوية |
العرض الثالث هو اختلال المنظومة الفكرية والعقلية للمقهور فهو يميل للعشوائية في تدبير شؤونه ويعتمد على أساسات عقلية بدائية في التعاطي مع واقعه المعاش، أما الأفكار الجديدة التحضرية فيقف عقله عاجزا عن تقبلها أو حتى تحليلها. العرض الرابع هو لجوء المقهور إلى الخرافات والأساطير الموروثة في مجابهة الطبيعة المحيطة، ومحاولة إعطاء كل ظاهرة قاهرة تفسيرا ميتافيزيقيا بسيطا هروبا من الواقع ورضوخا له عوض مجابهته بالمناهج العلمية المضبوطة التي تمكنه من السيطرة على الظروف وجعلها لصالحه أو على الأقل دفع ضرّها، هذا ما يجعل الإنسان المقهور تابعا لا متبوعا ومنصاعا للواقع وظروفه انصياعا تامّا وهنا يترسخ لدى المقهور مفهوم الحتمية المطلقة والقدرية الجبرية فيسلّم نفسه للقدر مجبرا لا مخيّر.
العرض الخامس هو حنين المقهور إلى الماضي المجيد وبطولات أسلافه فلا يتخذها عبرا وعظات فحسب بل يجعلها تعويضا لخيبات أمله وستارا يستر فشله، ومن هنا نفسّر تمسّك المقهور بالتقاليد الموروثة فهو يراها أمانة من أسلافه فلا يتركها حتى وإن أدرك أنه لا أصل لها في الدين وأنها تعيقه في مسيرة تطوره.
العرض السادس هو "عقدة العار" فالمقهور يتشبث بالكرامة والعزة كشعار ثابت ويردّدها كمصطلحات ومفردات "كالراس المرفوع" في محاولة منه لإثبات نفسه وإعطاءها مكانا من معادلة الواقع ترقيعا لشرخ القهر في نفسيته، والمرأة في المجتمع المتخلف هي أكبر مصدر للعار وأول منبع لسقوط الشّرف، فتخسر المرأة دورها كمربية وسندا للرجل ولبنة في مجتمعها لمجرد انتشار هذه الفكرة التي يعارضها الإسلام ويرفضها. العرض السابع "عقدة النقص" هو عرض ناجم عن الاضطهاد بصفة عامة فهو عصارة الاحتقار والاستصغار من المتسلط فيرى المقهور نفسه أقل كفاءة من غيره بل يرى في نفسه عالة على مجتمعه ومحيطه، فيهبط بنفسه إلى تحت الإنسانية فيصير في نظر نفسه مجرد كائن حي فارغ المشاعر والعواطف.
العرض الثامن هو "الكبت" فالمقهور يكبت مشاعره وعواطفه ويجد صعوبة بالغة في التعبير عنها، بل وينكرها إنكارا أمام الناس حتى وإن كانت تحزّ في نفسه حزّا، هذا الكبت يجعل نفسية المقهور مضطربة غير سوية، فيصعب على الشاب العربي مثلا أن يصارح أباه بحبه له ويشعر بالخجل غير المبرر رغم أنه أقرب الناس إليه.
العرض التاسع نظرة الناس والمجتمع، حيث يخشى المقهور كثيرا من نظرة مجتمعه إليه وإلى تصرفاته حتى وإن كانت تصرفات عادية لا تخل بالذوق العام، فهو يخشى من كلام الناس وانتقاداتهم ويسبب له هذا عائقا أمام تحقيق أهدافه وبناء حياته، فمع كل خطوة يخطوها ينظر إلى جمهرة الناس وينتظر ردّة فعلهم، فإن كانت الرضا أكمل سبيله حتى وإن لم يكن مقتنعا بالسبيل، ويتوقف في بداية الطريق إذا رأى السخط من العامة حتى وإن كان يؤمن بذلك السبيل، فيعيق هذا دينامية المجتمع فيصبح الناس بين حارس ومحروس.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.