شعار قسم مدونات

رمضانُ أقبلَ.. فأقبل إليه

blogs صلاة

مرت الأيام والشهور، وأيام قليلة تفصلنا عن شهر الشهور، شهر رمضان.. وإنها لنعمة كبيرة أننا بَلغنَا هذا العام شهر رمضان! ومنْ يعلم! ربّما تكون المرّة الأخيرة! لا أريد أن أحبطكَ أبدًا، ولكن يجب أن تضع ذلك في حساباتك! فَكم من ذوي القربى كانوا معنا العام المنصرم، واستقبلوا رمضان، واليوم هم في قبورهم.. رحمهم الله جميعًا! لا عليك، لديكَ 30 يومًا تكفيك، أتعلم ولو وقفنا لوهلةٍ، لوجدنا أنها 30 كنزًا! 30 ربيعًا لقلوبنا! 30 إقامة لأنفسنا! أفلحَ من أحكم قلبه!  وادخرّ هذه الأيام لنفسه.

شهر المغفرة، شهر العتق من النيران، وشهر الرحمة، علينا جميعًا أن نغتنم هذه الفرصة ونستثمرها لأنفسنا، فقد قال صلى الله عليه وسلم: " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"، ونحن نعرف جيدًا أن الحسنة أجرها مضاعف في شهر رمضان المبارك، فقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي)! إنها لفرصة عظيمة في هذا، أفلح من اغتنمها، وقد خابَ من تركها!

الأمر كما نرى سهلٌ جدًا، نعقد النيّة لله عز وجل في هذا الشهر المبارك، ونبدأ بالعمل، ولكن ما الذي ينقصنا لاغتنام هذه الفرص العظيمة؟ أنا أقول لكم، تنقصنا الإرادة، وهمّة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولنستذكر أن غزوة بدر قامت في شهر رمضان، وأن المسلمين حققوا انتصارًا كبيرًا على المشركين. ومصيبتنا في ضياع فرصة اغتنام شهر رمضان المبارك، هو الانزلاق نحو الملهيات!

 

رمضان جاءنا هبةٌ من الله، للتائهين، للذين أنهكتهم هذه الدنيا، جاءهم ليساعدهم على ترتيب ذواتهم وإبعادهم عن طريق الظلال، طريق البؤس والحياة السوداء، جاء لينير علينا أيامنا

والملهيات كثيرة في زمننا هذا، وإن نذكر منها، نذكر مواقع التواصل الاجتماعي والانتقال بين الفيسبوك والإنستغرام والواتساب وغيرها والكثير من المواقع، دقائق هنا ودقائق هناك، لتصبح ساعات. والانشغال بقائمة الطعام التي ستوضع على مائدة الإفطار وهل سترضي العائلة أم لا؟ وحدث عن الأصناف التي تكثُر في هذا الشهر من الأطعمة، والملهي الأعظم في هذا الشهر، المسلسلات التي تعتزم شركات الإنتاج إخراجها وعرضها في شهر رمضان المبارك، والتي تستهدفنا جميعًا، الآف البرامج والمسلسلات تُعرض، تلهينا عن اغتنام الفرص العظيمة في شهر رمضان!

وما الحل إذًا؟! الحل بين يديك دائمًا ولن يخرج أبدًا عن دائرة تفكيرك، الأمر سهلٌ جدًا! وما الصعوبةُ في إلغاء مواقع التواصل الاجتماعي، ليس لمدى الحياة وإنما طوال شهر رمضان المبارك، كي لا تستنزف الكثير من وقتك الثمين، وتضيع من بين يديك فرصة، قد لا تتكرر مرةً أخرى، إقفال شاشة التلفاز أيضًا ووضع خطة حازمة في تشغيله، ونحن نعلم أنه ليس بالأمر السهل على من اعتاد على هذه الملهيات في حياته، في ليلةٍ وضحاها أن تذهب من بين يديه.

"رغم أنك تصوم منذ قرون، دعه يكون رمضانك الأول" قالها الدكتور أحمد خيري العمري في كتابه (الذين لم يولدوا بعد) .رمضانُ أقبلَ، فـأقبل إليهِ كـالظمآن، وارتوِ منه . أقبِل إليه بجوارحك، بتفكيرك، بنفسك، أقبل إليه بكامل قوّتك، وطاقتكَ، أقبل إليه كالمشتاق لأمه من طول غياب، أقبل إليه كالعائد من حرب، أقبل إليه بكل ما فيك.

 

رمضان جاءنا هبةٌ من الله، للتائهين، للذين أنهكتهم هذه الدنيا، جاءهم ليساعدهم على ترتيب ذواتهم وإبعادهم عن طريق الظلال، طريق البؤس والحياة السوداء، جاء لينير علينا أيامنا، جاء ليضمّد جراحنا البليغة، جاء ليسعدنا رغم شقائنا، كيف لا يسعدنا وفيه من الأجر العظيم والفوز الكبير والرحمة والمغفرة من رب العباد! عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ". وكل عام ونحن لرمضان فائزون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.