شعار قسم مدونات

رحلتي في البحث عن صديق حقيقي

blogs - zawety

كلنا نحتاج لصديق شئنا أم أبينا.. هذا ما أخبر به نفسي كلما مللت من عزل نفسي بعيدا عنهم، كلما سئمت من هزيمة نفسي في لعبة الشطرنج، كلما رغبت في الضحك، في الثرثرة وغيرها من الأمور التي نشتاق إليها من حين لآخر. صحيح أنني وجدت ضالتي في قراءة الكتب ومشاهدة الأفلام وغيرها من الأمور التي يفعلها الإنسان دون الحاجة للآخرين، لكن على الرغم من هذا لا زلت مصرا على أنه لابد لنا من الأصدقاء.

أنا محبط جدا في الآونة الأخيرة لدرجة أنني اعتزلت الجميع، ليس أصدقائي فقط بل وحتى أهلي، لكن في كل مرة أنفرد فيها بنفسي في غفلة مني، أدخن سيجارتي في منتصف الليل وأستمتع بالهدوء اللطيف الذي ينعم به علينا الليل، أجد نفسي أفكر في أصدقائي، وأتساءل: أولست أنانيا؟ هل هم حقا سبب الإحباط الذي أشعر به حتى أعتزلهم؟ وغيرها من الأسئلة التي أتركها دون جواب.

وحتى أقنع نفسي أنني على حق فيما أنا فيه من عزلة، وأن زوربا اليوناني قد يكون صديقي أكثر من الذين اعتدت مجالستهم في المقاهي والحانات، بالرغم من أنه مجرد شخصية وهمية في كتاب، فقد قررت أن أقوم بتجربة بسيطة أضحت بها نوايانا السيئة في حق أصدقائي الحقيقين، وحتى أجيب على سؤال: هل هم حقا حقيقيون؟ هل أستطيع أن أعول عليهم؟ أم أنهم مجرد أشخاص عاديين نقضي معهم بعض الوقت ويذهب كل إلى وجهته؟ 

اخترت خمسة من الذين كنت أجالسهم تقريبا كل يوم ويعرفون مقر سكناي، واخترت كذلك بعض الذين تعرفت عليهم في موقع التواصل الاجتماعي فاسبوك. أخبرتهم في الفايسبوك عن نيتي في الانتحار.. لم أجد صعوبة في خلق قصة درامية أثير بها انتباههم، وقد نجحت في ذلك، فقد بدا عليهم الحزن لحالي وأشفقوا علي، لكنني كنت أعلم جيدا أن ردة فعلهم هذه طبيعية، فالبشر فطبعه قد يشفق حتى على الحجر، لكنني كنت بحاجة لردة فعل أقوى، تصرف حقيقي… لذلك تشبثت بقراري بالرغم من نصائحه ومواساتهم لي، فقمت بتوديعهم وأخبرتهم أنني تعبت من الحياة، وأنني مصر على الانتحار ثم توقفت عن الرد على رسائلهم.

أحيانا لا يكفي أن تكون صديقا جيدا كي تحصل على أصدقاء حقيقين، وإن لعبة الصداقة أكبر مما نتخيل، وطوبى لمن حظي بأصدقاء حقيقيين

عدت إلى البيت متمنيا أن يفاجئني أحدهم بزيارتي إلى البيت أو على الأقل باتصال هاتفي، ومحاولة منعي من الانتحار. تمددت في السرير منتظرا منتصف الليل، فبعد منتصف الليل ستنتهي اللعبة، ما لم يحدث شيء قبلها. حل منتصف الليل أخيرا، وها أنا أداعب سيجارتي كالعادة، أستمتع بمشاهدة أضواء المدينة، وابتسامة الجوكر لا تفارق ثغري، فقد هزمتني مرة أخرى، لكن ليس في الشطرنج هذه المرة، بل في لعبة أكبر، لعبة اتخاذ القرارات الصحيحة.

 

لن أجادل نفسي مجددا بعد هذه الهزيمة النكراء، فقد اتضح أن زوربا قد فاز بالرهان. والحقيقة أنني سعيد بذلك، فمجالسة زوربا أرحم لي من مجالسة من كنت أقول عنهم أصدقاء، أن أسمع قصص مغامرات زوربا مع الحياة أفضل لي من سماع قصص مغامرات أصدقائي المزيفين مع القاصرات من النساء، أو تجاربهم المثيرة للشفقة مع الخمر وغيرها من السذاجات والحماقات التي يفتخرون بها.

سيسألني البعض: ماذا عنك أنت؟ هل أنت صديق حقيقي؟ ماذا لو كنت مكانهم؟ هل كنت ستتصرف عكسه وتنقد صديقك من الانتحار؟ وطبعا حتى أجيد على هذه الأسئلة سأبدوا وكأنني شخص يتبجح ويفتخر بأفعاله ويحاول أن يبدوا بمظهر البطل وغيرها من الافكار التي قد تأتي إلى جماجم البعض منكم لكنني سأخبركم ببعض المواقف التي امتحنت فيها وآمل أنني قد نجحت فيها وأنني قد قدمت ولو القليل من المساعدة.

أذكر أنه كان لي صديق، توفيت والدته وكان في خلاف مع والده بعدها مما اضطره للخروج من البيت إلى الشارع، اتصل بي وأخبرني بالأمر، كنت في موقف حرج لحظتها، لم أكن أستطيع أن أستقبله في البيت عندي، فأنا كذلك في خلاف دائم مع أهلي ولن يقبلوا بأن أستقبله، فاضطررت أنا الآخر للخروج من البيت، وبقيت معه نقضي أيامنا وليالينا لمدة أسبوع في الشارع إلى أن وجد عملا واستأجر غرفة، ثم عدت إلى البيت.

 

وكان لي صديق آخر، متشرد ستيني تعرفت عليه في إحدى الحدائق العمومية، كنت أقضي معه الليالي في الشارع، أستمع إليه، أتقاسم معه الطعام والسجائر، أعطيه بعض ما أملك من المال أحيانا، وكنت أنوي الاستمرار في فعل ذلك إلى أن غاب عني فجأة، ولا زلت أفكر فيه من حين لآخر حتى الآن.. هناك موقف آخر لا أدري إن كان يحق لي أن أخبركم عنه أم لا، لكن سأفعل على أي حال.

 

كان لي صديق فيما مضى، دخلت أخته في علاقة مشبوهة مع أحدهم وحملت منه، وطبعا فقد هرب وتركها، ويمكنكم أن تتخيلوا بشاعة الموقف الذي وضعت فيه حين بدأ بطنها في الانتفاخ، فضح أمرها فاستفسرني صديقي هذا في الأمر، وحتى يتفادى هو وأهله الفضيحة فقد اقترحت عليه ان أتزوجها ثم أطلقها فيما بعد، وهذا ما حدث.

هذه حقائق لا يعرفها أحد، فأنا أراها مجرد ردات فعل طبيعية لا داعي لذكرها ومحاولة التفاخر بها، وفي الحقيقة لا أدري لماذا أخبركم بها الآن.. ربما هي محاولة بئيسة مني لأخبركم أنه أحيانا لا يكفي أن تكون صديقا جيدا كي تحصل على أصدقاء حقيقين، وأن لعبة الصداقة أكبر مما نتخيل، وطوبى لمن حظي بأصدقاء حقيقيين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.