شعار قسم مدونات

عُقدة الخَواجة!

blogs زواج ملكي

كعادة المواطن العَربي المُنبهر بالأجنبِي تابَع يوم أمس عن كثب مراسم الزفاف الملكي مُستخلصًا دروسًا اجتماعية عديدة ومعبِّرا عن إعجابه الشديد بهذا الحدَث باعتباره نموذجًا مثاليًا لنجاح علاقة عظيمة وزفاف فخم يكاد يكون الأكثر إبهارًا في زمانِه ابتداءً من بسَاطة فستان العروس وإطلالتها وانتهاءً بالطقوس الهادئة، بينما غض بصره عن التكاليف الخيالية للفستان البسيط ذاته!

170 ألف تغريدة حوَت "الزفاف الملكي" صعدت بها لقائمة الأكثر تداولًا على موقع التدوينات القصيرة "تويتر" ليصبح "الترند" الأشهر عربيًا، تناوَلت التغريدات الحَدث بعبارات رنّانة كانت تحملُ من الحكمة الكثير حيث أثنى المنبهِرون على جلالة الملكة بأنها لم تتدخَّل في اختيار العَريس لشؤون حياته الخاصة وكأن المُشاهد العربي كان في اجتماع لجارات الملكة قبل أسبوع والذي أعربت فيه عن ارتياحها الكامل للكنّة الجديدة!

 

ولم يزل أولئك يتغنّون بعظَمة المواطنين الأجانب لأنهم لم يعبّروا عن امتعاضهم بِكَون الأمير تزوج من امرأة أكبر منه في العمر كما أنها سبق لها الزواج فَبلا شك كانوا قد قاموا بعمل استفتاء شعبي وتبين من خلاله رضا الشعب التام عن اختيار الأمير! وتفاخروا بانسجام وتلاحم الأجانب لعدم تناولهم موضوع العنصرية لكَون العروس من أصول افريقية مُتناسين كل المعارك القديمة بين البيض والسود القائمة إلى هذا اليوم.

الكثير الكثير من مظاهر التطور والرُّقي والحضارة التي تروق لنا عند الأجانب يُمكن أن تكون عندنا فقط لو كنا صادقين في معتقداتنا وحاول كل منا تغيير نفسه بما يستطيع

لا يزال العديد منا يرون في الجزء الآخر من العالم مثالية منقطعة النظير سواء أكانت بسبب مساهمة الإعلام المنبهر أيضا في تعظيم صورتهم أو رُبما بسبب عُقدة الخَواجة وتلك النظرة الدونية من العرب لأنفسهم لكونهم دولا مُتأخرة بطبيعة الحال، فترى المُتابع العربي لمثل هذه الأحداث تُخطَف لها أنظاره بسهولة مع أنه يمكن أن تقبَع خلف كل هذه المثاليات التي شاهدنا ونشاهدها يوميًا حقائق أخرى غير التي استهدَف عيوننا بها الإعلام.

وعلى صعيد مختلف، حتى وإن كان ما وراء الشاشة هو ذاته ما نراه فيها فأنا لا أستبعد أن ثُلة كبيرة من المغرّدين لهذا الزفاف الملكي يمارسون أضداد العادات التي انحنوا لها احترامًا في تغريداتهم وهم في الحقيقة جزء من المجتمع الذي أشاروا إليه بتبني عادات وتقاليد متخلّفة! وراحوا يعقدون المقارنات ما بين إعجاب بما عندهم وسخط على ما عندنا ولا تتفاجئ بأن غالبية الرجال الذين برَقت عيونهم لهذا العرس أنفسهم لا يقبَلون الزواج بمطلَّقة أو امرأة تكبرهم سنًا، ولا أستغرب أيضًا بأن العديد من الفتيات اللواتي أبهرتهن بساطة العروس وظهورها بطبيعتها لا يقبلنَ أن تتمَّ أفراحهنَّ بدون الذهاب لصالون التجميل وإنفاق راتب شهر كامل على الأقل من أجل رسم وجوههنّ تبعًا للملامح الجديدة المعتمدة عند صانعي الموضة.

ربما تختلف الأحداث وتختلف المواقف يومًا بعد يوم ولكن يبقى التساؤل عن طريقة تفكير المواطن العربي المُدرَجة في خانة الازدواجية إذ يعيبُ على بلده العديد من الممارسات بشتى أنواعها ويتغنى بتقدم الدول الأخرى مُتناسيًا أنه جزءٌ من هذا التأخر، فتراهُ يحلم بشوارع نظيفة كالتي هناك ثم يلقي تحية الصباح على شارع حيِّه بكوب قهوة مسكوب، ويشيد بالقوانين الصارمة هناك ثم يفكر كيف يتحايل على قوانين بلده، يخبرك بأن الناس مثقفون هناك ويقرؤون الكتب في الطرقات ثم يقول عن مثقفي بلاده "متفلسفين"، يتعجّب من انتظام الناس في أدوَار على المتاجر ووسائل النقل ولا يعجبه أن يلتزم الدور في عيادة طبيب بحجة أنه مريض!

الكثير الكثير من مظاهر التطور والرُّقي والحضارة التي تروق لنا عند الأجانب يُمكن أن تكون عندنا فقط لو كنا صادقين في معتقداتنا وحاول كل منا تغيير نفسه بما يستطيع، عندما نكون قادرين على نقل هذه المظاهر من ساحة المدح في التغريدات إلى حياتنا الحقيقية ولا نكتفي بتبادل الصور الساخرة في الوتساب والشعارات والمواعظ في فيسبوك، عندها فقط نكون قد عظّمنا الفعل الجميل وليس الفاعل!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.