شعار قسم مدونات

تلك حدود الله.. فلا تقربوها

blogs المرأة التونسية

أضحى الطلب بالمساواة مطلب علّني لبعض الجمعيات النسائية اليسارية والأحزاب السياسية. فاليوم يطالب البعض بضرورة تغيير القانون المتعلق بالميراث حتى يرتق لتطلعات وأمال المرأة التونسية اليوم حسب قولهم. أثارَ هذا الطلب جدلا كبيرا في صفوف التونسيين حيث تباينت الآراء بين الرفض والقبول، كما اختلفت الشعارات بدورها، لا لتغيير النص القرآني، يعتبر أهم شعار رفعته شابة تونسية في وجه المسيرة المطالبة بالمساواة في الميراث. انتقل الجدل من الشارع التونسي إلى موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك، حيث اعتبر أغلب التونسيين أن الموضوع غير قابل للنقاش بالمرة، أكدوا تشبثهم بالمحافظة على المرجعية الدينية للقانون. تلقيت بدوري رسالة من صديقتي، تتسأل عن سبب رفضي للمساواة في الميراث، كما استغربت موقفي وطلبت مني تبريرا له.

 
 
لا يختلف اثنان على تكريم الإسلام للمرأة، فديننا، دين العدل والمساواة، بالتالي فإن الآية القرآنية، "للذَّكَر مثلَ حظ الأُنْثَيَيْنِ"، لا تسيء للمرأة ولا تعتبرها أقل شأن من الرجل، فالمرأة غير مكلفة لا بالإنفاق ولا بالمهر، كما أنه بإمكانها أن تحافظ على ميراثها للممات. مسألة الميراث محسومة بالقرآن، ولا مجال للاجتهاد في أمر الله، "أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ".

  

أنا كامرأة تونسية تأييدي لاحترام النص القرآني لا شك فيه والالتجاء لكتاب الله في هذه المسألة يعتبرر الحل الوحيد، كما أن القرآن صالح لكل مكان وزمان، لكن نظرا لدعوتهم الملحة للنهوض بوضع المرأة في بلادنا، أشاطركم الرأي وجب المطالبة بحقوق المرأة، لكن زوروا أولا المصانع، أين تنتهك حقوق العاملات، سوف تتعرفون على وضع النساء المأساوي وأهمية المطالبة بتحسين وضعهن، ظروف عملهن والترفيع في أجورهن، هنا وجبت المطالبة بالمساواة.

 

لعلّ توفير مواطن الشغل سيساعد كل زوجين على تحسين وضعهما وبالتالي سيتركون لابنتهما نصف ميراث أخيها وذلك أفضل بكثير من أن ترث فقط قانون المساواة في الميراث

زوروا المدن الريفية المنسية، أين سوف تتعرفون على مشاكل المرأة، هناك انعدام لحقوقها مع انعدام لوجود الحياة، غياب الماء والكهرباء، حاولوا أن تستمعوا لمشاكلهن وحاجياتهن، هنا وجب تطبيق المساواة بين الجهات. ألقوا نظرة على الأحياء الشعبية بالمدن، هناك منذ الخامسة فجرا تغادر المرأة منزلها، تترك فراشها الدافئ، لتلتحق بعملها بأحد المؤسسات أو المنازل، تشتغل كامل النهار لعلها تتمكن من شراء بعض المستلزمات المدرسية لصغارها، شراء مستلزمات المنزل من أكل وخلاص الكراء. ألا يجدر النظر في وضع هذه المرأة وأمثالها؟

 

اليوم مع صعوبة الظروف وغلاء المعيشة، تشتغل نسبة كبيرة من النساء في المزارع، حيث تعمل المرأة جاهدة كالرجل وبعد ذلك تتحصل على أجر ضعيف لا يتساوى مع الجهد الذي بذلته، ألا يجدر المطالبة بحماية هؤلاء النساء من الاستغلال وسوء المعاملة، هنا وجب فعلا المطالبة بالمساواة بين المرأة والرجل. العاطلات عن العمل، تتعطل معهن أحلامهن، حظوظهن وأمالهن. كم من أستاذة، مهندسة ومتحصلة على الماجستير أو الدكتورة عاطلة عن العمل، يعانين هموم البطالة والتهميش، طلبهن الوحيد هو التشغيل بعد الجهد الذي بذلنه أثناء سنوات الدراسة. حاولوا إيجاد حلول للقاصرات اللاتي يقع استغلالهم في التسول، حيت تكون الفتاة عرضة للتحرش وتنتهك حقوقها كل يوم.

 

إن أردتم تحسين وضع المرأة، حاولوا تحسين وضع الأرامل، المطلقات ومن تأخر زواجهن، حاولوا دعمهن وأوجدوا لهن مواطن شغل تفتح لهن أبواب الأمل وحب الحياة. بعيدا عن الجانب الديني، بالله عليكم ألا يجدر تحسين وضع المرأة أولا، فما حاجتها من المساواة في الميراث؟ فلنكن واقعين، أغلبية النساء يعيشون حروب يومية من أجل توفير القوت اليومي، فلا أملاك لهن حتى يطالبن بالمساواة في الميراث. علينا رفض استغلال المرأة في كل القطاعات والنهوض بالمرأة الكادحة، المناضلة والتي تبحث عن الأمل رغم كل شيء، تلك التي أحسن وصفها أولاد حمد، عندما قال نساء بلادي، نساء ونصف.

 

وجب علينا تسليط الضوء عن المشاكل الفعلية التي تكون المرأة ضحيتها، لا داعي لخلق مشاكل لا فائدة منها، تشعل نار الفتنة وتستفز مشاعرنا كمسلمين، فمطلبكم لا يتماشى مع مشاكل المرأة اليوم ولا يرتق لتطلعاتها وأحلامها. فيم تتمثل فائدة فتاة الغد من مساواتها مع أخيها في ميراث لا وجود له؟

 

لعلّ توفير مواطن الشغل سيساعد كل زوجين على تحسين وضعهما وبالتالي سيتركون لابنتهما نصف ميراث أخيها وذلك أفضل بكثير من أن ترث فقط قانون المساواة في الميراث. لا تجعلوهن يتقاسمن الخيبات، البطالة، الهموم، التهميش، الخصاصة والفقر بكل مساواة. لذلك فمطلب الأقلية للمساواة في الميراث هو تزييف لواقع نعيشه أولا، تغييب لقضايا ما أهم ثانيا، لا توهموننا أنّ أغلبية الشعب يملكون قصورا، عقارات وشركات.

 

تبقى الأسئلة المطروحة تنتظر إجابات هل أضحى مطلب المساواة في الميراث المشكل الوحيد للمرأة؟ هل بتغيير شرع الله سوف يتغير وضع كل امرأة للأفضل؟ إن أردتم التغيير، فكلنا نريده، لكن وجب تغيير الواقع والوضع الراهن لا النص القرآني يا صديقتي، فتلك حدود الله، فلا تقربوها. "تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ" (سورة النساء 12، 14).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.