شعار قسم مدونات

لماذا نعيش دور الضحية ولا نتحمل مسؤولية قراراتنا؟

blogs - man boy alone education reading
"ما يوجد بالبئر.. يخرج مع الدلو!".. مقولة لن نختلف على كونها منطقية! فإذا ما افترضنا أن العقل هو البئر وأن ما يحويه بئر العقل هو أفكارك الخاصة، فإن ما يصدر عنك من سلوك يعكس ما يحويه عقلك من أفكار بلا شك.. لذا فإنه ومن البديهي أن تتولد سلوكياتٍ سلبية كنتيجة للأفكار السلبية والعكس صحيح. وعندما نتحدث عن السلوك فإننا نتناول بذلك الفعل ورد الفعل لذا فقد كان من الضروري إلقاء الضوء على آليتين متداولتين من آليات الدفاع النفسي يتوجب على الإنسان أن يبذل جهدًا حقيقيًا في سبيل مقاومتهما، ألا وهما آلية إلقاء اللوم، وآليه تبني دور الضحية، ونلاحظ أنه وفي أغلب الأحيان تتزامن تلك الآليتان معًا كرد فعل على ما ينتابنا من مشاعر سلبية ناتجة عن موقف ما.
 

ولنستطيع تجنب الوقوع في براثن تلك الآليات كان من الضروري أن ندرك مسؤوليتنا الكاملة عن نتائج اختياراتنا وأن نعي أن اللجوء إلى تلك الآليات يقف عائقًا حقيقيًا أمام تحقيق التعلم المؤثر واكتساب خبرات حياتية حقيقية، كما أنه يقف عائقًا غليظًا أمام مراحل التطور النفسي والارتقاء الإنساني.. علينا أن ندرك أن كل رد فعل يصلنا من الآخرين ما هو إلا صدىً لسلوك صادر منّا، ذلك السلوك الذي عملت أفكارنا على تشكيله. إذن فالتحكم في ردود أفعال الآخرين يتم في الأساس بالتحكم في سلوكنا الشخصي والذي يتم التحكم فيه بدوره من خلال التحكم بطبيعة الأفكار التي يمتلئ بها العقل، وأعني هنا العقل الباطن تحديدًا، لأن العقل الباطن والذي ندعوه (اللاوعي) هو المتحكم الأساسي في قراراتنا وسلوكياتنا.. والحقيقة أن العقل الباطن لا يحوي فقط أفكارًا مجردة وإنما يحوي ثمار ما زرع به من تلك الأفكار لتتحول بمرور الوقت إلى قناعات تتحكم في سلوكنا بشكل تلقائي دون الوقوف لإعادة النظر بها، لذا فإن الطريقة المثلى للتحكم بما تم غرسه في تربة العقل الباطن الخصبة من قناعات يتم ببساطة من خلال مراقبة العقل الواعي وما يدور به من أفكار والتحكم بما يتبناه من حقائق قبل غرسها.
 

الطريق الصحيح لا يكون طريق تحقيق ما تصبو إليه في غياب السلام النفسي، وإنما هو ما يجلب إليك السلام النفسي أيًا كانت النتائج.. مكسب أو خسارة

ولأفكار العقل الواعي مصدرين متشابكين للتكاثر لا يمكن الفصل بينهما بشكل كلّي، تكاثر ينتج عن استرسال حديث النفس والذي يُبنى في الغالب على مجموعة من القناعات الشخصية، وتكاثر ينتج عن استقبال أفكار الآخرين سواءً بتبنيها كما هي أو بترجمتها وفقًا لخبراتنا الشخصية. وللتحكم في النوع الأول نحتاج إلى الإدراك والذي لن يتحقق بدون وجود الوعي الذي هو مسؤولية مشتركة بين الفرد والمجتمع. أما النوع الثاني، فالتحكم فيه يتم من خلال اعتماد احدى طرق التفكير المتقدمة كالتفكير النقدي والذي يساعد على تحليل الأفكار التي يتم استقبالها أيًا كان مصدرها وتصنيفها قبل تبنيها. إن أسوأ أنواع الأفكار التي قد تسيطر على عقلك، هي فكرة عدم القدرة على التخلي عن أفكارك! وأخطر ما في الأمر حقًا هو طبيعة الارتباط الوطيد بين الأفكار وقوة الإرادة. فتحفيز النفس على الاستمرار بإرادة قوية يتطلب الإيمان بأفكار إيجابية وإلا تكونت المثبطات النفسية كنتيجة لسلبية الأفكار. وعلينا أن نتذكر دومًا كم أن الهدم أسهل من البناء!
   

ولكن كيف ومتي نستطيع تنقية أفكارنا من السلبيات؟

يتحقق ذلك بمراقبة الأفكار بشكل مستمر حتى لا تجد الأنا ego مدخلًا سهلًا لتحديد مسار تلك الأفكار وتحويلها إلى محركات تخدم أهوائها أيًا كانت درجة موافقتها أو مخالفتها للقيم، فمجرد مراقبة الأفكار يؤدي فورًا وبشكل تلقائي إلى تنقيتها وفقًا لما نتبناه من مبادئ وقيم. كذلك؛ البحث عن الفكرة الخاطئة الأساسية التي تنبثق منها كل تلك الأفكار السلبية والتي غالبًا ما تكون موروث ثقافي أو خبرة سلبية أو عادة سيئة.. واعمل جاهدًا على تغييرها أو التحكم بها.

 

حاول أيضًا أن تميز بين صوت عقلك (صوت البصيرة)، وصوت نفسك (صوت الأهواء)، واسلك الطريق الصحيح.. والطريق الصحيح لا يكون طريق تحقيق ما تصبو إليه في غياب السلام النفسي، وإنما هو ما يجلب إليك السلام النفسي أيًا كانت النتائج.. مكسب أو خسارة. وذلك يتطلب درجات عالية من الارتقاء النفسي تتمثل في الإنسان المستنير الذي يدرك أن السلام النفسي لا يتعارض ومشاعر الحزن أو الألم. وإضافةً إلى ما سبق؛ تحمل كامل المسؤولية فيما يختص بقراراتك وتذكر أنك لست ضحية سوى لنفسك ولست نتاجًا سوى لما تتبناه من أفكار.

وختامًا؛ حدد أهدافًا واضحة وضع خططًا مرنة يسهل تنفيذها حتى لا تشتّتك المؤثرات أيًا كان مصدرها. والخبر الجيد هنا هو أنه وبالرغم من أن العمل على تطهير أو تنقية الأفكار يبدو عملًا شاقًا ومضنيًا للوهلة الأولى، إلا أن اتخاذ أولى الخطوات يحسم الأمر.. فتجتذب بقية الخطوات بعضها بعضَا في سلاسة ويسر.. ولتجعل تلك هي أول أفكارك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.