شعار قسم مدونات

الاحتجاج الشعبوي بالمغرب ورهان الديمقراطية

مدونات - الاحتجاج بالمغرب

إِن أشد المتشائمين لا يمكنه أن ينكر أن المغرب حقّق تقدما ولو بسيطا في مجالات شتى بالمقارنة مع دول الجوار، والمغرب اليوم ليس هو مغرب الثمانينيات أو التسعينيات. لكن دائما ما نلحظ أن العديد يدلون بدلوهم في مجال الديمقراطية، ويبدؤون بالجلد وكأن المغرب أبَى أن يكون في مصاف الدول المتقدمة، وفي ذلك عدم مراعاة خصوصية البلد. فليس كل من كتب أو عرض أفكارا هو من بيده الحل أو هو المُخلص، ومنه وجب الاهتمام بالماضي والتنبه والتنبيه إلى المستقبل بنزاهة بعيدا عن التعصب والتحيز، بحيث نجد غياب تحليل عميق ينم عن دراية ومنطلقا من إشكالية واضحة عميقة بعيدة عن السطح.

 
لأنه إذا اقتصرنا على النظر إلى السطح، لن يكون هناك تطور في اتجاه ديمقراطي فعلي، فلو كانت حقيقة الأشياء في شكلياتها لما كانت البشرية في حاجة إلى ابتكار العلم، لأن المنطق يتماشى وقول هيغل حين قال لا شيء عظيم تحقق في التاريخ بدون ألم ومعاناة.

 

إن أهم ركيزة للديمقراطية هي المواطن، فهذا الأخير يحس بقيمته الإنسانية داخل النظام الاجتماعي، فكل مجتمع لا يأخذ بعين الاعتبار هذا الفرد ويدَّعي لنفسه الديمقراطية، ستكون ديمقراطية مغشوشة، فلكي نشيدها بأسس رصينة، يجب بناء مجتمع بفكر ديمقراطي، ولا يتأتى ذلك إلا عبر تأهيل الإنسان أي منحه دعائم المواطنة ومقوماتها من مساواة وعدل ينشده كل أفراد المجتمع، ومن تكافؤ للفرص إلى غير ذلك.. فالنظام الديمقراطي يعطي صلاحيات واسعة لأفراد المجتمع لرسم الطريق والمنهاج لحياتهم، وهذا ما يسمى بالسيادة للشعب بمعنى هو من لديه السلطة العليا وكل السلطات الأخرى مستمدة منه. لن أدخل هنا في التفاصيل لأن السياق هنا لا يستوجب ذلك.
 

مواطن اليوم ليس هو مواطن الأمس، فلقد بلغ من الوعي ما يُمكنه من دراية ما يجري من حوله والإلمام بدواليب الأنظمة ومن نصبوا أنفسهم كمدافعين عن المواطن

إن الحديث عن الديمقراطية يجرنا للحديث عن التنمية بحيث لا يمكن فصلهما، لأن الحديث عن التنمية بدون أرضية ديمقراطية تضمن للفرد مجموعة من الحقوق ستبقى قاصرة ولن تبلغ غايتها. فغايتُها الارتقاء بالمجتمع الذي يعتبر الفرد محركه الأساسي فهذا الثالوث الديمقراطية والتنمية والفرد هو المشَكِّل للمجتمع وأساس نهضتها فإن كان الفرد غير راض عن ما يسمى بالنظام الديمقراطي لن تكون هناك تنمية. هذا يجرنا للحديث عن ما يقع الآن في المغرب من حملة أطلقها أفراد المجتمع عبر مواقع التواصل الاجتماعي مفادُها مقاطعة بعض المنتجات الغذائية لارتفاع أسعارها ولقيت هذه الحملة تجاوبا منقطع النظير من لدن أفراد المجتمع، هذا بالاستناد إلى إحصاءات تثبت نجاح الحملة وتحث على استمرارها.

 

الحملة استهدفت أساسا، شركة للحليب وشركة للمياه وكذا أكبر شركة للمحروقات بالمغرب، ورفعت الحملة هاشتاغ مفاده خليه يريب أي اتركه يفسد شعارا لها، نتيجة الارتفاع المهول لأسعار البنزين والحليب والماء المعدني خلال السنوات الأخيرة. هذا مع إمكانية مقاطعة أكبر ولمنتوجات أكثر، هذا وركزت حملة المقاطعة على شركات بعينها لأن بعض الشركات المعنية بالحملة يوجد أصحابها في مواقع القرارات بدواليب الدولة. هنا تكمن قوة وذكاء الأُس الذي ينبني عليه المجتمع وهو الفرد فبأسلوب حضاري ضغط على مراكز القرار، وهذا نابع من تدني القدرة الشرائية وغلاء المعيشة.

  undefined
 
فالمواطن هو الموجه وهو المتحكم ومصيره بين يديه إن عرف كيف يُسخر قوته اللاّملموسة والكامنة في اتحاده والأمثلة على ذلك كثيرة لدول جوار انقلبت رأسا على عقب، لم تضع في اعتبارها أن ذلك الطرف المهمش والذي كانت تعتبره حلقة ضعيفة أن قوته تكمن في اتحاده فعندما أحس بالمهانة عبَّر فأسقط أنظمة ونصَّب أخرى.

 

فكيف سنحقق التنمية والأس الذي تنبني عليه مهمش ومحبَط؟

فرهان التنمية لن يتحقق إلا بديمقراطية يلمسها المواطن ويحس بها في منتخبيه وحاكميه، فهل سنحقق تقدما بالنهل من جيوب المواطن البسيط؟ وإلى متى سنبقى نعالج صناديق الدولة من الإفلاس من جيوب المواطن؟ إن مواطن اليوم ليس هو مواطن الأمس، فلقد بلغ من الوعي ما يُمكنه من دراية ما يجري من حوله والإلمام بدواليب الأنظمة ومن نصبوا أنفسهم كمدافعين عن المواطن. فلو كان كلامهم نابعا عن حسن نية لكنا في مصاف الدول المتقدمة والتي حققت تنمية عندما سخرت كل ما لديها لخدمة من له الأحقية في ذلك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.