شعار قسم مدونات

الإسلام.. ودعاة الإلحاد

blogs الكون

يعصف بالمجتمع العربي اليوم شرذمة من المتحررين الذين يصفون أنفسهم بأنهم يقاتلون في لواء العلم ويدافعون عن العلم لغرض سامي نبيل وهو تعريف الناس بآخر ما توصلت اليه التطورات العلمية والنظريات الكونية دون أي تحيز أو تمييز، ولديهم جيوش من المتطوعين الذين يترجمون ما تصل إليه الحضارة الغربية من علوم لتسهيل وصول المعلومة للقارئ العربي ويتبجحون بأن لديهم المصادر الحقيقية لهذه المعلومة وأنهم ليسوا إلا رسل حب وسلام وما هم إلا وسطاء لتصل الحقيقة للعقل العربي المغيب.

 

وخلال تمعنك ببعض المقالات التي تتناول مواضيع خلافية وتضاربات في فهمها من جانب العلم والدين فإنك تجد بأنها تم عرضها بأسلوب يميل بشكل واضح لأحد جوانب الخلاف. وعندما تلاحق المصادر المعروضة وتحاول أن تتمعن ما يدور فيها من طرح فإنك تجد أن المصادر قد عرضت الموضوع بطريقة علمية احترافية وعرضت أدلة تبين وجهات نظر جميع أطراف الخلاف وترك الخيار لمنطق القارئ وخلفيته العلمية ليقرر من جهات الخلاف أقرب للصحة.

 

وبعودة سريعة للمقال المعروض أما القارئ العربي فإنه يميل بشكل صارخ نحو أحد الأطراف من خلال الشرح أو في فقرة النتائج أو المناقشة. وفي أغلب الأحيان يتم الميل نحو الحجج التي تدعم اتجاه يتعارض بشكل مباشر مع الدين كدعوة خفية لتحدي قواعد الإيمان لدى القارئ العربي. لا ننكر بأن عددا من أعلام العلوم العالميين قد انتهجوا خيار البقاء على الحياد بعيدا عن الدين إلى حين تكون أدلة وقناعات كافية لهم لاتباع هذا الدين أو المعتقد.

 

الإسلام من أكثر الديانات انتشارا في العالم ويتركز معظم المنتمين لهذا الدين في المنطقة العربية كونها كانت معقله ومنطلقه وفيها أهم الأماكن الدينية التابعة له وأبرز الأحداث التي قادت لانتشاره

ونادرا ما يتباهى أحد هؤلاء العلماء بأنه ملحد أو لا يشبعه الأدلة العقلية لدين معين، فهو بقناعاته السيكولوجية إنسان لا زال يبحث عن الحقيقة، فهو تائه وحيران تجده غارقا في أفكاره يقيم الأدلة التي عرضت عليه بين مؤيد ومعارض لوجود تصميم ذكي ومدبر لهذا الكون. فمن المنطقي ألا يزهو هذا العالم بضياعه، فكيف لتائه في الصحراء بلا مأوى أو دليل أن يكون فرحا ومتفاخرا بضعف قوته وقلة حيلته.

 

على الجبهة الأخرى من العالم حيث يقبع هؤلاء المقاتلون لأجل العلم بكل ما لديهم من وقت وجهد ليخرجوا للقارئ العربي مادة علمية بلغته العربية ولكن مقالاتهم مليئة بالآراء والجمل التي لا تمت للمصادر بصلة وتعرضها على أنها معلومات موثقة بمصادر أجنبية لإعطائها هيبة ووقار وإذا علق أحد المثقفين الذين يتمتعون بخلفية دينية على هذا اللغو والتضليل تجده يهاجم من قبل الناشر على أنه يرفض الحقيقة ويحارب الأهداف السامية لرفعة الأمة.

 

لدى رؤيتي لهذه السجالات الشرسة التي يقودها الناشرون ضد من يحاول أن يكشف زيفهم سألت نفسي: ما الدافع وراء كل هذه الحرب الكلامية الضروس؟ لما يصرون على إظهار أي شخص يخالف رأيهم وتوجههم على أنه متخلف عن حضارة القرن وأنه لا زال يعيش في عصور الظلام؟ لما ينصبون أنفسهم على أنهم دعاة الإلحاد؟ 

وبمتابعة أعمق لتوجهاتهم أصبح واضحا أنهم يتبعون التوجه العام في قضاياهم، فمثلا يصدر قانون في دولة أوروبية لإعطاء المثليين حقوقهم فتجدهم بعد فترة وجيزة ينشرون مقالا بأن المثلية توجه بشري طبيعي! حتى أنه متواجد لدى بعض الحيوانات، وبعد أسابيع تجد قرارات تصدر من ممثلين أجانب في بلاد عربية يلوحون لحقوق المثليين وبدولة عربية أخرى تجد مجموعة من المثليين تحتج بأنها تريد الأمم المتحدة أن تعطيها حقوقها في تلك الدولة. لما هذا التزامن المريب؟ لما هذا التركيز المتسلسل على قضية مدفونة من مئات السنين؟ لما هؤلاء ولما الان؟

وقضايا جدلية أخرى مثل لحوم بعض الحيوانات التي تناولتها الديانات، ونظرية التطور وغيرها، كلها أدوات تستخدم كدعوة للإلحاد بزخارف جمالية لإبهار القارئ وإخفاء عيوب ما يتم عرضه عليه، ولكن في النهاية ما يهم هذه المؤسسات الربحية هو زيادة عدد القراء وبالتالي زيادة المردودات المادية من المواقع التي تمثل هذه المبادرات والمشاريع، أو الحصول على دعم مادي من جهات رسمية توافقها في التوجه والهدف.

الإسلام من أكثر الديانات انتشارا في العالم ويتركز معظم المنتمين لهذا الدين في المنطقة العربية كونها كانت معقله ومنطلقه وفيها أهم الأماكن الدينية التابعة له وأبرز الأحداث التي قادت لانتشاره، ومن الطبيعي أن يكون هذا الدين يعاني من مشكلة إلحاد بعض متبعيه بشكل مباشر أو مقنع لكثرة تابعيه. الإسلام بدأ بشخص يعتزل الناس ليصل لسفح جبل ويتفكر من أنا؟ لما نحن هنا؟ وما الحكمة من وجودنا؟ هل من مدبر لهذا النظام المحكم؟

بدأ برجل يرفض التسليم بأن هذا ما وجدنا عليه آباءنا، يرفض الرتابة والعرف والتعود، رجل فكرر خارج الصندوق وقرر أن ينظر من أعلى ليرى صورة أعم وأشمل للمشهد. لم تفلح مشتتات الحياة الجاهلية ووسائل رفاهيتها بأن تجذبه وتغمره فيها، فقد كان مستغرقا بشيء أعمق من اللحظة والرغبة. ونزل القرآن ووصلنا على هيئته الأولى في عصر العلم والتكنولوجيا ففهمنا بعضه واستغربنا جله.

 

نحن صغيرون جدا في هذا الكون الشاسع ومن الصعب أن نحكم علميا بشكل قاطع على التصميم الذكي للكون ولكننا نلاحظ إشارات جزئية تثبت لنا ذكاء الصنع والتدبير للكون
نحن صغيرون جدا في هذا الكون الشاسع ومن الصعب أن نحكم علميا بشكل قاطع على التصميم الذكي للكون ولكننا نلاحظ إشارات جزئية تثبت لنا ذكاء الصنع والتدبير للكون
 

وجدناه يتناول قضايا العلم بأسلوب اشارة مجازي ليلفتنا لظواهر فيزيائية تعتبر عظيمة القدر حتى لدى أعتى علماء الفيزياء الطبيعية. القرآن لا يدعوك لاتباعه، هو يدعوك للتفكر فيما حولك ويشير إلى أن ايمانك يأتي مما يرسخ في قلبك وليس ما تراه عينك من أحرف على صفحة مطبوعة. فعندما تقرأه تجد أفعال أمر مثل أنظر، تفكر، وكأنه يقول ارفع بصرك عن هذا الكتاب وتفكر ودقق وتابع ولاحظ فالسر والعبرة تستقيها مما حولك من ظواهر طبيعية وليس من أحرف مكتوبة، ومن ثم يطرح عليك أسئلة ومقارنات تحتاج إلى إعمال العقل واختبار المنطق مثل: "هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ".

إذا كان ذهنك حاضرا أثناء القراء فيجب أن تسأل نفسك إن كان هنالك فروق بين من يعلم ومن لا يعلم وتجيب بحكم منطقك إن كانوا يستوون أم لا. الإسلام مبني بعقيدته على هذا القرآن وهو يدعوك بأن لا تسلم بما ورثته عن آباءك وأن تلحد بما هو بين يديك لكي تستطيع أن تؤمن بما بعد عن ناظريك. الإلحاد وإن تم فهمه على أنه ارتداد عن الدين أو حياد عن الطريق المستقيم، إلا أنه من المنطق أن تلحد بمعتقداتك وتصل للحظة الحياد عن أي توجه عقائدي قبل أن تقول كلمة الفصل بإيمانك يقينا بأن هذا الكون له خالق مدبر.

 

نحن صغيرون جدا في هذا الكون الشاسع ومن الصعب أن نحكم علميا بشكل قاطع على التصميم الذكي للكون ولكننا نلاحظ إشارات جزئية تثبت لنا ذكاء الصنع والتدبير للكون ككل فمن الظلم أن نعيش داخل مدخل شاحن الهاتف وعندما لا نرى توقيع الصانع هناك بأن نحكم بأن هذا الهاتف قد صنع نفسه بنفسه فيكفينا رؤية دقة صنع نظام الشحن أن ندرك بصورة أعم أن للهاتف صانع ذكي، وبالمثل بموقعنا على الأرض نسبة لهذا الكون الذي لا زال يتسع لغاية هذه اللحظة، فتبارك الله أحسن الخالقين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.