شعار قسم مدونات

لا يستَفِزَّنكم ترامب وإدارته

مدونات - صورة ترمب تحت أرجل الفلسطيننين

لم تكن الدول الغربية المحتلّة لبلداننا العربية حزينة على تساقط مستعمراتها بعد الثورات التي طالبت من خلالها الشعوب بالاستقلال القرن الماضي. كانت الشعوب ترفع الرايات والأعلام والشعارات التي دأبت سلطات تلك الدول المحتلّة على تعليمها إياها. كانت فرحة لهم وهم ينظرون إلى النزعة الاستقلالية لكل شعب وبالتالي تكريس اتفاقية سايس – بيكو في نفوس الشعوب العربية. انسحبت بجيوشها، بعد أن نفذت مشروعها بتقسيم المنطقة وترسيم الحدود وزرع الكيان الإسرائيلي في قلب المحيط العربي، لتقسمه إلى شطرين.

 

وكذلك تفعل الإدارة الأميركية اليوم، فهم فرِحون أن العرب يحتجّون على نقل السفارة الأميركية من تل أبيب، الأرض العربية المُحتلّة، إلى القدس الشريف، الأرض العربية المُحتلّة كذلك. المسلمون والعرب استُفزّوا بسبب رمزية القدس. ولكنهم، ومن دون أن يشعروا، شربوا مبدأ قبول "دولة إسرائيل". صحيح أن الشعوب ترضخ لوجود الكيان الغاصب ولطروحات القادة العرب على قبول تلك الدولة المسخ بحدود ٦٧ بفعل التفوق العسكري الإسرائيلي وانشغال العرب بقتال بعضهم البعض وترهل أنظمتهم. ولكن روحهم وضميرهم وكيانهم لا يُمكن أن يتقبل ذلك. ينتظرون جميعاً لحظة الانقضاض على المغتصب لأرضنا لترحيله إلى حيث أتى من أصقاع الأرض. اختلف الأمر اليوم، فهم ينددون ويشجبون نقل السفارة الأميركية إلى القدس، علماً أنها نُقِلت من أرض عربية محتلة إلى أخرى عربية محتلة.

 

كيف سننظر إلى فلسطين، وحدودنا مغلقة بين شعوبنا؟ كيف سنقف في وجه المحتل ونحن نكن لبعضنا البعض الحقد والكراهية؟ كيف سنواجه عدونا ونحن شِيَع، وكل حزب بما لديهم فرحون؟

لا يستفِزنّكم ترامب وإدارته. لا تُخطِئوا كما فعل أجدادنا. "تل أبيب" هي أرض عربية. هي يافا العربية. تم التلاعب بتاريخها وباسمها للتغيير من شكل وهوية الأرض والاسم، ولكن سيعود يوماً ما من تلقاء نفسه يرسم حروف الاسم الأزلي الخالد للأبد "يافا الفلسطينية". لا تزرعوا في نفوسكم أن نرفض السفارة الأميركية في القدس لنقبلها في يافا. سنرفض السفارة وأي سفارة للكيان الغاصب في أراضي فلسطين المحتلة كلها. سنبقى نعلم أطفالنا أن فلسطين هي كل فلسطين. سنربي أطفالنا على حب فلسطين ونزرع في قلوبهم حب الجهاد والكفاح لأجلها. سنعلم أطفالنا دائماً أن فلسطين أرض الرباط، وأن واجبنا ومسؤوليتنا أن ندافع عنها كلها بكل ما نستطيع. سنعلم أطفالنا أن بني صهيون هم غزاة محتلون لأرضنا، وسيأتي يوم سنعيد أرضنا ونحررها من رجسهم. سنعلم أطفالنا أن كل شبر في فلسطين هي القدس، ولا مكان للغزاة في أرضنا. سنعلم أطفالنا أن فلسطين هي القمر الذي يضيئ درب الحرية المرتقبة لأوطاننا. سنعلم أطفالنا أن فلسطين هي أحمد ياسين، الذي جعل بني صهيون مُقعدون في جبروتهم وهو حرٌّ في مكانه. سنذكر الأجيال القادمة أن فلسطين هي قضيتنا الأساس، وهدفنا النهائي.

 

لا يستفِزنكم ترامب وإدارته. فتضعوا أمالكم على دول لم تقدم لفلسطين إلا التصريح والتنديد والوعيد. دول لم تتجرأ على فتح جبهة، ولم يذكر التاريخ أن لهم باع في الجهاد المباشر ضد العدو الإسرائيلي. لا تضعوا أمالكم على من تاجر بالقضية الفلسطينية، فسلّح ميليشيات غير منضبطة، يشن الهجمات وفق أجندات خارجية، ولم يتحقق منها إلا الخراب والدمار والتفكك في بلداننا. لا تضعوا أمالكم على جيوش، لم تبرز قوتها وهيبتها إلا على شعوبها. لا تضعوا أمالكم على قيادة عسكرية فتكت بشعبها، فقتلت مئات الألاف منهم، بينما لم تجرؤ على إطلاق رصاصة واحدة طوال عشرات من السنين على العدو المحتل. أملنا الوحيد في التغيير، في تقديم جيل كصلاح الدين وغيره من القادة الفاتحين. أملنا في نزع الشحناء والبغضاء بيننا.

 

أملنا في إنهاء التقاطع والتدابر بيننا. كيف سننظر إلى فلسطين، وحدودنا مغلقة بين شعوبنا؟ كيف سنقف في وجه المحتل ونحن نكن لبعضنا البعض الحقد والكراهية؟ كيف سنواجه عدونا ونحن شِيَع، وكل حزب بما لديهم فرحون؟ نريد نزع الحدود مع فلسطين بينما نبني الجدران ونغلق الحدود في وجه إخواننا؟ نريد تحرير فلسطين، ونحن مشاركون العدو في سجنهم لـ"غزّة"؟ أملنا الوحيد التغيير في أنفسنا حتى نغير الواقع الذي ورثناه جراء تفككنا. أملنا الوحيد أن نحرر أوطاننا قبل تحرير فلسطين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.