شعار قسم مدونات

"نكبة فلسطين".. بدأتها فرنسا وأكملت فصولها بريطانيا

blogs - nakba

يذكر التاريخ دومًا أن النكبة الفلسطينية؛ التي تكللت فصول عنصريتها بتهجير عشرات الآلاف من مساكنهم وعن بيوتهم إلى مخيمات اللجوء والشتات وإحلال مستوطنين يهود مكانهم وما رافقها من مذابح وجرائم ضد الإنسانية، قد بدأت فصولها من شهر أيار (مايو) عام 1948، بعد أن شملت "بريطانيا العظمى" أرض فلسطين الوقفية للعصابات الصهيونية عبر وعد بلفور؛ الذي أعطى ما لا يملك لمن لا يستحق.. ولكنه قد أغفل فصلًا مهمًا في هذه القضية؛ التي شغلت العالم على مدار 70 عامًا حتى يومنا هذا، ذاق فيها شعبنا الويلات وارتكبت بحقه مئات آلاف الانتهاكات والاعتداءات التي صُنفت في معظمها على أنها جرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية التي فقدها العالم حينما صوت لصالح قرار تقسيم فلسطين المحتلة.

الفصل الذي أغفله التاريخ هو غزوة نابليون بونابرت عام 1799 لمدينة عكا، المحتلة حاليًا من قبل الاحتلال الصهيوني، حينما دعا ذاك القائد الفرنسي المعروف ببطشه وعنصريته لإقامة "وطن قومي" للجماعات الصهيونية المتشرذمة بشتى أنحاء العالم وتجميعهم في فلسطين، وكلنا يعلم كيف كانت تلك الجماعات معضلة مستمرة للدول التي كانت وما زالت فيها، لا سيما أوروبا، والسعي الدائم للتخلص منها.. وبعد أن تحطمت نوايا بونابرت على أسوار عكا وعاد مخذولًا مدحورًا إلى باريس، بعدها بـ 98 عامًا احتضنت مدينة بازل في سويسرا، دولة أوروبية وعضوًا في الاتحاد الأوروبي حاليًا، مؤتمرًا للجماعات الصهيونية بتاريخ 29 آب (أغسطس) عام 1897، بزعامة ثيودور هرتزل، وقد نجح في الترويج لفكرة استعمار فلسطين وإقامة وطن لليهود هناك.. وكان من أهم نتائجه إقامة المنظمة الصهيونية العالمية لتنفيذ البرنامج الصهيوني الذي ينص على أن "هدف الصهيوني هو إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين يضمنه القانون العام".

ولكن السؤال الأهم، لماذا نجحت بريطانيا فيما فشل فيه نابليون بونابرت؟! ذلك يعود لعدة عوامل؛ أولها أن الجامعة العربية قد خذلت الشهيد عبد القادر الحسيني عندما خاطبها طالبًا العون والمدد العسكري من أسلحة وذخيرة كانت موجودة في مخازن الأنظمة العربية ورفضت تلك الدول منحها للحسيني وفلسطين، حيث كان القادة العرب وقتذاك ينتظرون ماذا سوف يحدث في 15 أيار عام 1948.. وقد عاد الحسيني إلى فلسطين وَقاد معركة القسطل واستشهد على أعتاب القدس التي احتلت وقادة الدول العربية والإسلامية ينظرون بلا حراك.

التاريخ كما كتب أن العُرب باعوا فلسطين وخانتها الأنظمة منذ ما قبل دخول اليهود الصهاينة لفلسطين، سيُعيد الكتابة مرة أخرى بأن العرب أتموا سلسلة خذلانهم وحصروا تحرير فلسطين بالفلسطينيين

ثاني العوامل إصدار وعد بلفور من قبل "بريطانيا العظمى" في 2 نوفمبر 1917، وانتهاء الانتداب والاحتلال البريطاني لفلسطين عام 1948، في وقت عملت قبله، وخلال الانتداب، بريطانيا على تمهيد وإنشاء أرضية لاستجلاب اليهود وتثبيت دعائم لهم بالإضافة للدعم العسكري البريطاني والأوروبي للعصابات الصهيونية وغيابه عن الثوار الفلسطينيين من قبل الأنظمة العربية ومن كان وبقي مع الفلسطينيين من شرفاء العرب.

العامل الثالث، ما لقيته العصابات الصهيونية من دعم دولي وفي مختلف المؤسسات الدولية لإقامة "إسرائيل"، لا سيما قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 29 نوفمبر 1947 والذي حمل رقم 181.. والذي أعصى اليهود دولة على مساحة 57.7٪؜ من أرض فلسطين ووضع القدس وبيت لحم تحت وصاية دولية.

ورابع تلك العوامل، تغير موازين القوى بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وضعف الدولة العثمانية وتقسيمها لدول متعددة عبر اتفاقية "سايكس بيكو" (نوفمبر 1915- مايو 1916)؛ التفاهم السري بين فرنسا والمملكة المتحدة بمصادقة من "الإمبراطورية الروسية" لاقتسام منطقة الهلال الخصيب، (مصطلح جغرافي أطلقه عالم الآثار الأمريكي جيمس هنري برستد على حوض نهري دجلة والفرات، والجزء الساحلي من بلاد الشام)، بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد تهاوي الدولة العثمانية التي كانت تسيطر على تلك المنطقة في الحرب العالمية الأولى.

من يَعُد إلى التاريخ يجد عوامل أخرى لا مجال لحصرها في مقال أو حتى تقرير، وهي بحاجة لعدة حلقات عبر فضائية أو إذاعة ربما، ولكن الآن نحن بتنا أمام أطول احتلال عرفه التاريخ، بل وأبشع احتلال وأكثره دموية وعنصرية.. فهل سيبقى العرب والمسلمون منقسمون على حالهم؟! هل سيواصلون حتى نصرتها ولو بالسماح للشعوب بالتظاهر والتعبير عن رأيها الرافض للتطبيع مع حكومة الاحتلال التي تسير على سياسة الاستفراد شيئًا فشيء بكل نظام يخرج عن المسار الذي قد رُسم للأنظمة العربية منذ 1917؟!

العرب والمسلمون (أنظمة وحكومات لا شعوب)، أمام فرصة دعم مسيرات العودة الكبرى؛ والتي انطلقت في 31 آذار (مارس) الماضي من حدود قطاع غزة، المحاصر منذ 12 عامًا عربيًا وصهيونيًا، ودعم مدينة القدس التي استكمل الاحتلال سيطرته على فلسطين باحتلالها منذ عام 1967، ووقف التهويد الصهيوني للتاريخ العربي والإسلامي في القدس وبحق مقدساتها.. والتاريخ كما كتب أن العُرب باعوا فلسطين وخانتها الأنظمة منذ ما قبل وحتى بعد دخول اليهود الصهاينة لفلسطين وتركوا أسلحتهم تصدأ في المخازن، سيُعيد الكتابة مرة أخرى بأن العرب في العصر الحديث أتموا سلسلة خذلانهم وحصروا تحرير فلسطين بالفلسطينيين وتركوهم في البيداء يتامى بلا حلفاء ولا حتى ماء؛ والماء لفلسطين السلاح.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.