شعار قسم مدونات

المقاطعون.. حين يكون المفعول به مرفوعا!

blogs مقاطعون

تعتبر الحملة الشعبية "مقاطعون"، التي شنتها شريحة كبيرة من المجتمع المغربي على بعض الشركات، خطوة مهمة لإحداث التغيير الإيجابي في المجتمع وقلب المعادلات الاقتصادية في السوق وهز أركان الاحتكار الممنهج في الاقتصاد المغربي. خصوصا إذا علمنا بأن الحملة قد تتسع رقعتها وتمس شركات وقطاعات أخرى في حال تمادى المحتكرون في جشعهم.

وقد أشار الأستاذ محمد مصباح، الباحث المغربي الشاب في معهد تشاتام هاوس البريطاني، أنه "لفترة طويلة نُظر إلى المواطن العادي على أنه مسلوب الإرادة ومفعول به، ومن ثمة تُعطي النخب الحق لنفسها للتقرير بدلا عنه، لكنها في الحقيقة تدافع فقط عن مصالحها"، وأكد على أن حملة المقاطعة الشعبية في المغرب حملت رسالة لمن يهمهم الأمر مفادها "قدرة المواطن العادي على أن يكون فاعلا ومحركا للتغيير، وذلك على عكس التصورات التي ترى أن التغيير تقوده النخب فقط"، وأضاف أنه "بغض النظر عن المنتجات والشركات التي تمت الدعوة إلى مقاطعتها، فإن الحملة في عمقها تؤشر على حصول طفرة في الوعي لدى المواطن، وهذا يعكس بدوره تحولا داخل المجتمع نفسه".

فقد بدأت المقاطعة تؤتي أكلها بعد مرور أسبوعين على انطلاق الحملة، إذ تؤكد أرقام بورصة الدار البيضاء انخفاض مؤشرات المعاملات المالية للمؤسسات المستهدفة في هذه الحملة الشعبية، الشيء الذي دفع ببعض مسؤوليها إلى الاعتذار عن ما وصفوا به الفئة المقاطِعة، إلا أن هذه الأخيرة وسعت رقعة المنتوجات المقاطَعة لتعطي ثمارا أكثر وقامت بمقاطعة جميع المواد التي تنتجها تلك الشركات بدل الاقتصار على المنتوجات "الرمزية" لها.

كما اتضحت، في هذه الفترة، أمور عدة تهُم المواطن المغربي وتعامله مع المؤسسات الرسمية، وظهرت بعض فوائد المقاطعة الشعبية على المواطنين؛ حيث استعمل المواطن البسيط حقا من حقوقه الاقتصادية، الذي هو أيضا "ورقته الرابحة" دون أي ضرر على صحته وأمنه، كما انتقل من صفة "المفعول به" إلى صفة "الفاعل" الإيجابي في مجتمعه. أما موضوع الحملة فقد أصبح وعيا شعبيا وثقافة مجتمعية انتشرت في البوادي كما في الحواضر، ودفعت ببعض المنتخبين المغاربة للرضوخ للأمر الواقع والحديث عن المقاطعة تحت قبة البرلمان، كما خُصصت حلقات لموضوع الحملة في بعض البرامج التلفزية وطنيا ودوليا.

نتمنى أن تكون هذه الحملة حلقة أولى من حلقات التوعية الاجتماعية، وأن يقف المواطنون صفا واحدا في مواجهة باقي المحتكرين
نتمنى أن تكون هذه الحملة حلقة أولى من حلقات التوعية الاجتماعية، وأن يقف المواطنون صفا واحدا في مواجهة باقي المحتكرين
 

إلا أن المسؤولين في الحكومة لم يتفاعلوا بعد للأسف بطريقة إيجابية مع الحملة، بل أصبحت تصاريحهم الأخيرة أضحوكة في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي؛ فبين واصفا للمقاطعين بـ"المجهولين" وبين مُلقٍ للمسؤولية على غيره، عبَّر المسؤولون عن مستواهم الهزيل في التواصل مع من انتخبهم من جهة وبينوا عن تعاطيهم المخجل للقضايا التي تمُس من أوْصلهم إلى كراسيهم من جهة ثانية.. أما الأغلبية منهم فقد فضلوا الصمت، بل الوِصال في الصوم عن الكلام إلى أجل غير مسمى.

لذا وجب على المغاربة أن يفطنوا أكثر وذلك بالدفع بالمقاطعة حتى تصل إلى درجة المهنية القصوى، وتستسلم تلك الشركات للأمر الواقع والرضوخ اللامشروط للمواطنين الأوفياء، وعدم الاقتصار فقط على المقاطعة الشعبية التي سرعان ما تتلاشى بحكم إغراءات المحتكرين و"استفزازات" الإشهارات والحملات الترويجية، من قبيل : خفض أسعار بعض المواد الاستهلاكية، تغيير العلامات التجارية للشركات، تغيير أسماء بعض المنتوجات، تكثيف حملات الدعاية والإعلان، تقييم المنتوجات والخدمات، قيام الشركات المحتكرة بأعمال اجتماعية وخيرية، تنسيق الشركات المحتكرة والتعاون مع بعضها.. وغيرها من الأساليب الاستراتيجية لدخول السوق.

كما نتمنى أن تكون هذه الحملة حلقة أولى من حلقات التوعية الاجتماعية، وأن يقف المواطنون صفا واحدا في مواجهة باقي المحتكرين في قطاعات أخرى، كقطاع السكك الحديدية، والطيران المدني، وقطاع السكن والتعليم العالي الخاص وغيرها من القطاعات الحيوية. وذلك بهدف "تحفيز" ممثلي الأمة إلى تحريك ضمائرهم في البرلمان حتى تكون جُل نقاشاتهم مركزة حول موضوع ضبط الأسعار والتعاطي الإيجابي لأولويات الشعب.. فالمقاطعة هي الحل السلمي والأنجع للاستجابة لمطالب المواطنين وقدرتهم الشرائية.

ولأن التاريخ يعيد نفسه فالمقاطعة سنة نبوية.. فَحين قاطع المسلمون بتوجيه من النبي صلى الله عليه وسلم بئر يهودي لغلاءه، اشترى أحد الصحابة نصف البئر بثمن مرتفع وأصبح المسلمون يسقون عند الصحابي بالمجان يوماً ويقاطعون اليهودي في اليوم التالي إلى أن جفت بئره وباعها بثمن بخس للصحابي.

أما في الولايات المتحدة الأمريكية، ومع بداية التسعينات من القرن الماضي، فقد كانت هناك شركة أحذية معروفة تستغل الأطفال القاصرين في صنع أحذيتها، مما جعل المجتمع الأمريكي يقرر مقاطعة تلك الشركة. وسرعان ما أفلست في أقل من شهرين مما جعلها تعيد صياغة رؤيتها ورسالتها وسياساتها الاستراتيجية، ومع ذلك لم تنجح في تلميع وتقوية صورتها وعلامتها التجارية إلا بعد عقد من الزمن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.