شعار قسم مدونات

الأطفال.. مستقبل اليمن النائم تحت القصف

مدونات - أطفال اليمن

كل الأرقام القادمة من مراكز ومنظمات دولية أممية حول أطفال اليمن تعتبر صادمة في حقيقتها التي يقول بعضها وبالتحديد ما جاء في تقرير اليونسف للعام 2017 أن اثنين مليون طفل بدون مدارس ونصف مليون آخرين يعانون من سوء التغذية نتيجة الآثار الخطيرة والكبيرة التي خلفتها الحرب على الأطفال وكيف كان العام 2017 هو الأشد رعبا وترويعا لحياة الأطفال في اليمن كما وصف التقرير. في واقع الأمر هنالك ما هو أهم من كل تلك الأرقام والإحصاءات وهنالك ما هو أبعد من أن تأتي مشكلة كهذه على شكل تقرير كل الجهات المعنية ويدخل فيها المنظمات الدولية والمراكز المهتمة لم تتجاوز خطوة إعلان مثل هذه المعلومات وإخراجها للرأي العام ووقفت كل الجهود عند هذا الحد ولم تدفع إلى معالجة واقع الحقيقة المرة التي يعانيها ملايين الأطفال في اليمن.

  
حاولت من خلال ما أكتبه هنا وأنا أعلم أن الحروف لا يمكن أن تفي بالغرض الذي أريد للقارئ والمتابع أن يقف عليه ولكني سأجتهد كثيرا لرسم المشهد الذي أره كل يوم أراه كصحفي وناشط في الشأن الحقوقي مأساة أطفال اليمن فوق أن يعبر عنهم أحد أو أن يكتفي بحصر مأساتهم إلى مجرد أرقام، هي أكبر من هذا بكثير ومن يدعي أنه يقدم المساعدة لأطفال اليمن فسنضعه في عدة تساؤلات ربما تدحض ما يدعيه وتنفي صلته بأي عمل إنساني تم القيام به في هذا الخصوص.

 
كنت الليلة الماضية أتصفح خطة الاستجابة الإنسانية للعام 2018 والتابعة لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن، تعجبت كثيرا وسألت نفسي مجمل اسئلة وقلت: أنا كإنسان يمني ومتابع لبعض الشؤون الإنسانية اليومية وعلى معرفة وإلمام بالواقع الذي يتجرعه أطفال اليمن فلماذا لا أرى وغيري كثير هذه الأشياء التي كتبت في هذه الخطة وغيرها من الخطط السابقة التي لم تلامس شيئا من واقع الأطفال ودليل ذلك هو استمرار مأساتهم وتصاعدها يوما بعد آخر، ملايين الدولارات يتم تخصيصها لحماية ورعاية أطفال اليمن ولكن وبحكم أننا نعيش مع هؤلاء الأطفال فلا شيء يمكن القول عنه بالموجود على هذا الواقع وقد نجد أنفسنا نتساءل أيضا: هل هناك أطفال غير الذين نعيش معهم كل يوم ونشهد مآسيهم بكل تفاصيلها؟ نسأل باستمرار، مع العلم أن مثل هذه المساعدات ومشاريع الإغاثة لو أن لها ارتباطا حقيقيا بالواقع لما كانت المأساة قد وصلت إلى هكذا مستوى ولكانت قد أسهمت فعلا في تخفيف الكارثة الإنسانية بشكل عام وليس فقط ما يخص الأطفال.

 

يعتمد أطفال اليمن على أسر لديها القدرة العالية من المسؤولية فهي تقضي معظم وقتها في محاولات سد رمق أطفالها، أما من ليس لديهم أسر أو ليس هنالك من يعولهم فيعيشون المأساة المكتملة

إذا لا بد أن تكون هنالك حلقة مفقودة إما بين الممول والمنفذ أو بين المنفذ وبقية القطاعات الشريكة، لا بد أن تكون هنالك مسافة تلتهم هذه المشاريع وتمنع وصولها إلى اصحابها والحقيقة لكل مطلع أن الفساد وغسيل الأموال ليس حكرا على المؤسسات التابعة للحكومات والدول ولكنه أيضا يتفشى وبشكل خطير داخل منظمات حقوق الإنسان ومراكز العالم الإنسانية إلا أن ممارسة الفساد واختلاس الأموال داخل الوسط الحقوقي أسهل بكثير من غيره من الأماكن التي سرعان ما يتسلط عليها الضوء الإعلامي فيكشف جانبا منها.

 
كيمني قررت أن أسأل عينة من الأسر النازحة إلى محافظة مأرب خلال عدة أيام، كنت اسألهم عن الفترة التي أمضوها إلى الآن وهم نازحون، كان أغلبهم يجيب بسنتين أو أكثر، كنت أقول لهم :كم تلقى أطفالكم من مساعدات خاصة بهم خلال فترة نزوحهم ؟ وكما كنت أتوقع فالأغلب يقول لا شيء، لا شيء هذا اللاشيء لماذا هو الذي يتواجد فقط دون غيره ولماذا أطفال اليمن متواجدون فقط على تقارير المنظمات الدولية دون أن تتواجد هي في حياتهم، لماذا أدخلوا أطفال اليمن في تلك الإحصاءات ثم تركوهم عرضة سائغة لما قالوا عنها بالكارثة الإنسانية؟
 
أسكن إلى جوار مجمع يسكن فيه فوق الخمسمائة أسرة نازحة ويسمى بمجمع الكلية، أمر من خلاله كل يوم مرة أو مرتين، ذات الملامح الشاحبة التي كنت أراها قبل أكثر من عام ونصف في وجوه الأطفال هي ذاتها التي أراها اليوم، في ملابسهم، في ألعابهم، في ضحكاتهم، في منازلهم المتواضعة، لم أجد ما يستحق أن أقول عنه شيئا جديدا قد طرأ في حياة هؤلاء سوى المأساة اليومية التي لا تتجدد إلا لما هو أنكى في تلك القلوب البريئة، وأيهم يُفترض أن يقف على ما وقفت عليه فلن يكون منه أكثر مما تبادر إلى ذهني وحجم الخيبة التي شعرت بها لحظة قراءتي لتلك الخطط والمشاريع التي يرسمونها من أجل أطفال اليمن ولكنها للأسف الشديد لا تعرف طريقا إلى الأطفال إلا بالشكل المتواضع الذي يخجل القلم من كتابته واللسان من ذكره.
 
يعتمد أطفال اليمن بمساحة واسعة على أسر لديها القدرة العالية من المسؤولية فهي تقضي معظم وقتها في محاولات سد رمق أطفالها ولو بالشيء اليسير، أما من ليس لديهم أسر أو ليس هنالك من يعولهم فيعيشون المأساة المكتملة وتؤول بهم النتائج إما لأمراض مزمنة أو موت محتم، هكذا تأتي إفرازات الواقع اليومي عن الطفولة في اليمن ومن هذا الواقع أيضا تستمد تلك المنظمات كل المعلومات التي تجدد بها قواعد بياناتها وتقاريرها الدورية أو السنوية لتستمر المتاجرة بحق الطفولة في بلد يعيش اسوأ كارثة إنسانية. ليس بمقدور أحد أن ينكر أو يزايد على هذا الواقع الذي تعيشه معظم المناطق اليمنية بما فيها تلك التي تخضع لسيطرة الحوثي فجميع أطفال اليمن على امتداد الجغرافيا كلها يعيشون مستوى واحد من المأساة والكارثة التي خلفتها حرب ثلاث سنوات.

  undefined

 

تعمدت التوغل أكثر في تقديم الأسئلة على من أعرف ومن لا أعرف ولكنهم في الإجابة سواء وجميعهم يقولون أن لا شيء يذكر قد وصل إلى أطفالهم عبر أي منظمة أممية أو غيرها، ثم قلت لنفسي ولو افترضنا ومن باب محاولة البحث عن مبرر إلى حد ما أن المنظمات التابعة للأمم المتحدة هي فعلا جادة في دعم تلك المشاريع ولكن كيف سنجيب عن تلك الأسئلة التي يقول بعضها بالقطع والتأكيد أن اليونسف لم تقم بزيارة واحدة إلى المناطق التي نزحت إليها مئات الآلاف من الأسر اليمنية ويتواجد فيها أعداد كبيرة من الأطفال الذين حرموا من كل حقوقهم في هذه الحياة؟ كيف سنجيب عن السؤال الذي يقول بأن كل المنظمات مجتمعة لم تنفذ برنامج واحد منذ بداية الحرب لأولئك الأطفال الذين حرموا من التعليم ويعيشون ظروفا صحية بالغة القسوة والخطورة؟ 

  

كيف سنجيب عن السؤال القادم من أطفال محافظة تعز الذين قتل الكثير منهم جراء أعمال القصف العشوائي من قبل جماعة الحوثي وجرح الكثير منهم وبعضهم دخل في إعاقة جسدية والبعض الآخر في أمراض مزمنة؟ كيف سنجيب عن أسئلة كثيرة قادمة من صنعاء وغيرها من المناطق التي دفع الأطفال فيها ثمنا رهيبا لفصول الحرب التي ألحقت بهم مختلف الأضرار والآلام فضلا عن الإصابات النفسية التي تعرضون لها نتيجة الأعمال العسكرية سواء تلك القادمة من السماء أو القادمة من البر، لم يتحمل أحد المسؤولية إلى الآن بحق أهم شريحة في المجتمع اليمني وما شاهدناه حتى هذه اللحظة لم يتجاوز مجموعة بيانات وإدانات بما فيها تلك القادمة من أعلى مستوى في الهرم الأممي.

 
دول التحالف العربي أيضا وهي التي كان يفترض أن تتحمل المسؤولية بشكل مباشر كونها هي الجهة المعنية المنوط بها حل مثل هذه المشاكل وعلى رأسها ما يتعلق بالأطفال لكنها للأسف لم تقم بالدور المطلوب وما تزال لا تقدم شيئا في هذا الخصوص رغم إعلانها سابقا عن مراكز تتابع القضايا الإنسانية وتقدم لها الحلول كمركز الملك سلمان مثلا ولكنه هو الآخر ذهب إلى حيث يريد أباطرة المال ولوبيهات المشاريع الحقوقية والإنسانية ليكونوا هم الحائل الحقيقي بين الواقع وبين تلك الجهة التي قالوا عنها ممولة للمساعدات الإنسانية ومشاريع الإغاثة.

أخيرا سيظل أطفال اليمن يتجرعون مآسيهم اليومية ويتكبدون عناء الحرب القائمة كما لن يكف المتاجرون بحقوقهم عن الترويج لمشاريع وأعمال ليس لها من الواقع شيء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.