شعار قسم مدونات

بعد تسعين عاما.. هل من مبرر لاستمرار الإخوان؟

blogs - Muslim brothers
بعد تسعين عاما من الإخفاقات السياسية، هل من مبرر لاستمرار الإخوان؟، احتفل، منذ فترة، والإخوان المسلمون، في أوج أزمتهم وآلامهم، بعيد التأسيس التسعين، تسعون عاما كاملة كان عنوانها الاخفاقات السياسية المتتالية، وما يعقبها، دائما، من سجون ودماء وتشريد، كأن الجماعة تعاود نفس كيمياء العمل، الذي لا يؤدي إلا إلى نتيجة واحدة، المحنة، وكأن المحنة هي الهدف الذي تستمر من اجله أكبر وأضخم جماعة سياسية ودعوية في العالم العربي.

فهل من مبرر لاستمرار وجود الإخوان المسلمين، خاصة وإن كل محنة تعرضت لها، تراجعت معها الحريات في الدولة، محن كثيرة وخسائر بشرية كبيرة تعرضت لها جماعة الإخوان المسلمين في كل الدول العربية، منذ تأسيسها في سنة 1928 بالإسماعيلية، خاصة محنة الخمسينات، بعد حادثة المنشية، التي اتهمت فيها الجماعة بمحاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر، إلى سنة 2013، حينما تجرأ الرئيس عبد الفتاح السيسي على الانقلاب على الشرعية الشعبية والقانونية، وحرق المئات من أبناء الجماعة، وهم أحياء، في ميدان رابعة وغيره، بسبب الإخوان خسرت الأمة العربية الآلاف من شبابها الإخواني، وضاعت قدرات علمية وثقافية ومعرفية، كادت تكون حصنا منيعا، إلا أن انتمائهم للإخوان، فقط، كان دائما وأبدا، يضعهم أمام قدر المحنة، ويخيرهم، مضطرين، ما بين السجن، أو الموت أو التشرد.

في كل محنة كانت قيادات الإخوان تتمسك بنفس النهج، ونفس الأسلوب، ونفس التكتيك الذي يؤدي إلى محنة أخرى، ما يعيبه بعض من الإخوان على قيادات الجماعة هو تمسكه بالسلمية أمام عنف الدولة المسلط عليهم، إلا أن القيادات كانت تقدم أرواحها فداء للتمسك بنهج المحنة والألم، السلمية.

 

طول المحن التي تعرض لها الإخوان، خلق جيلا لم يعد مؤمنا بالسلمية، جيلا يطمح إلى رد فعل

السلمية كانت موضع خلاف منذ بدايات الجماعة، تمسك بها المؤسس حسن البنا، حينما دخل عليها بعض شباب الحركة وأشهروا في وجهه السلاح، ليغير موقفه من ظلم الدولة لهم، إلا أنه عرى على صدره، وقال هاكم اقتلوني، ولن أتخلى عنها، أي السلمية مهما كان الثمن، وهو ما حدث مثله تماما مع المرشد الهضيبي، وحدث نفس الجدل ما بعد انقلاب سنة 2013، المعادلة صعبة، كيف يتم الرد على آلة قتل جبارة، ألا وهي الدولة، ممثلة في جيشها بمصر، أمام شباب أعزل، سلمي، ليس له من خيارات كثيرة، أحلاها مر.  

طول المحن التي تعرض لها الإخوان، وكثرتها، خلق جيلا لم يعد مؤمنا بالسلمية، جيلا يطمح إلى رد فعل، حين الفعل، دون تأجيل، يقلل من خسائرهم، أو يطيح بقاتلهم. وإلا فما الغاية من عمل سياسي لا يؤدي إلا إلى نفس النتيجة، فمن العبث التمسك به، وهو ما أصبح عبئا كبيرا، خاصة على الذين قرأوا التاريخ وتأملوا حجم الخسائر البشرية التي تعرض لها الإخوان، وهو ما دعا أيضا الى إعادة النظر في فكر الإخوان، أهو المشكل في الوصول إلى كل هذه العذابات والالام أم هناك أسباب أخرى فوق طاقة الإخوان وخارج فكرهم؟

وقبل الولوج إلى فكر الإخوان، فثمة معضلة تعترض الإخوان في أغلب الدول العربية التي يتواجدون فيها، وهي أنهم يفوزون في كل انتخابات حرة شفافة وديمقراطية تجرى في بلدانهم، وهو ما حدث في فلسطين، حماس، وفي المغرب وفي تونس وفي مصر، هذه المعضلة جعلتهم هدفا مباشرا للدكتاتوريات التي تحكم الدول العربية، فهي تهديد حقيقي لعروشهم، ومن بين أسباب هزيمة الربيع العربي هو تدخل هذه الدكتاتوريات لمنع سيطرة الأحزاب الاخوانية، خاصة في مصر واليمن وليبيا وسوريا، فحولت هذه الدول إلى مقابر جماعية.

وبالرغم من أن الأحزاب الإخوانية أثبتت بأنها قادرة على استيعاب أنظمة الحكم المتقدمة، مثل الديمقراطية، والتعايش معها، والامتثال لأوامرها ونواهيها، مثل تجربة إخوان تونس، إلا أن إصرار الدكتاتوريات على تسميم كل مناخ يتواجد فيه الإخوان لا زال متواصلا، وهو ما يهدد حاليا الدولة التونسية بالانهيار والفوضى.

بعض الدكتاتوريات تتهم الحركات الإخوانية باستعمال الديمقراطية لإقامة دولة الخلافة، وهو ما عبر عنه مؤخرا، وبكل وضوح، ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلا أن تجربة الإخوان في الحكم أثبتت بأن ليس لديهم مشروع إقامة دولة خلافة بمواصفات خاصة بهم، دولة الخلافة لديهم هو أن يكونوا في سدة الحكم، عبر صناديق الاقتراع، وأن لا يتعارضوا في قوانينهم مع شرع الله، وحتى التعارض مع شرع الله ففيه نظر، فقد تقع مخالفته عند الضرورة، يتبنى الإخوان مشروع دولة بنكهة اشتراكية أو ليبيرالية، أو خليط بين هذا وذاك، وهم بذلك لا يختلفون كثيرا عن كل الأحزاب العربية، ما يختلفون به عن الأحزاب الأخرى هو تمثيليهم الشعبي وقدرتهم على اكتساح أي انتخابات محتملة والفوز بها.

هل من مبرر لوجود الإخوان بعد تسعين عام من العذابات؟، بالتأكيد نعم، فهم الفصيل السياسي الوحيد في العالم العربي الأكثر تمثيلية للشعوب
هل من مبرر لوجود الإخوان بعد تسعين عام من العذابات؟، بالتأكيد نعم، فهم الفصيل السياسي الوحيد في العالم العربي الأكثر تمثيلية للشعوب
 

إيمان الإخوان بالانتخابات والتداول السلمي على السلطة مثل تهديدا محتملا للدكتاتوريات والممالك والإمارات، هذا الإيمان شرع إلى محاربتهم ووأد حضورهم في كل دولة، ولو بإحراق هذه الدولة، إذا، محن الإخوان وآلامهم هي الثمن لشعبيتهم واحتمال افتكاكهم للسلطة في الوطن العربي عبر صناديق الاقتراع، ولن تكف محنهم إلا بواحدة من اثنتين، حل الجماعة نهائيا، أو سقوط كل الدكتاتوريات العربية وإجراء انتخابات تحمل من تحمل إلى سدة الحكم.

 

حل جماعة الإخوان ضرب من الاستحالة، ففكر الإخوان ينتشر في أكثر من أربعين دولة، وسقوط الدكتاتوريات مسألة في غاية الصعوبة، لاعتبار أن الغرب يدعهما لصالحه، ولهذا طرح موضوع فشل نهج "السلمية" لدى بعض شباب الإخوان، فمواجهة العنف بالعنف قد يضعف الدكتاتورية ولن يهزم الطرف الذي يتعرض للقتل يوميا، إلا أن ضريبة العنف ستكون ثقيلة على الشعوب، وثقيلة جدا، ولهذا تصرّ قيادات الإخوان على الالتزام بالسلمية مهما كان حجم خسائرها.

والسؤال الذي يطرحه البعض، الالتزام بالسلمية في انتظار ماذا؟، في انتظار أن تفنى بقية الجماعة مثلا!، أو في انتظار أن تتنازل الدكتاتوريات عن الحكم وتسمح بانتخابات حرة نزيهة شفافة!، ومن جهة أخرى فإن غياب الإخوان عن المشهد السياسي العربي سيمثل كارثة حقيقية، سينتهي كل أمل حقيقي في التحرر، والحرية، وسينتهي كل طموح في بلوغ مرحلة الدولة الديمقراطية، فالإخوان يمثلون الأرض التي تمشي فوقها الشعوب رويدا رويدا إلى غاية إدراك الحرية، الإخوان وحدهم يعبّدون هذه الطريق بدمائهم من أجل غد أفضل.

وهكذا، فالإجابة عن السؤال، هل من مبرر لوجود الإخوان بعد تسعين عام من العذابات؟، هو بالتأكيد نعم، فهم الفصيل السياسي الوحيد في العالم العربي الأكثر تمثيليا للشعوب، والأكثر قدرة على التنظيم وتقديم التضحيات، والأكثر إيمانا بالديمقراطية والحرية، كخطوة أولى، الإخوان هم أمل هذه الأمة في التحرر من دكتاتورياتها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.