شعار قسم مدونات

الملف النووي.. شماعة الوصول للكعكة الإيرانية!

مدونات - روحاني وترمب
تتميز فترة حكم الجمهوريين في الولايات المتحدة الأمريكية باضطراب السياسة الخارجية وشن الحروب، نذكر منهم ريغان الذي تدخل عسكريا في لبنان وقصف ليبيا، تلاه بعد ذلك في الرئاسة -ذكرنا الجمهوريين فقط- جورج بوش الأب الذي قاد التحالف الدولي ضد العراق في حرب الخليج الأولى وأصدر مذكرة الحرب على الصومال في نهاية فترته الرئاسية، ليأتي جورج بوش الابن ويقود أكثر فترات الولايات المتحدة خوضا للحروب فقد أعلن الحرب على أفغانستان وقام بغزو العراق، ويبدو أن ترمب سيسلك نفس نهج سابقيه من الجمهوريين، فمن سيكون الضحية يا ترى؟

 

البحث عن الضحية

حتى قبل أن يتولى الرئاسة كان ترمب يرمي بالاتهامات في كل جانب علّه يجد ضحيته للحرب المحتملة القادمة، داعش، الإخوان، الإرهاب، المكسيك، كوريا الشمالية، النظام السوري، إيران، تحرر الجميع من التهمة، كل بطريقته الخاصة، حتى كوريا الشمالية التي كانت قبل بضعة أسابيع المهدَّد الأكبر بالحرب تخلصت من التهمة عبر إظهارها بعض الصلابة وأيضا عبر القنوات الدبلوماسية الخلفية، واللقاء التاريخي بين زعماء الكوريتين نزع لباس الضحية عن كوريا الشمالية.

 

لم يكن الاستقرار على إيران كضحية محتملة وليد عشوائية قرارات ترمب كعادته، بل كان عبر تحالف محكم بين عدة أطراف، اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الممثل في مستشار ترمب وصهره جاريد كوشنر، وزعيم الاحتلال الصهيوني بنيامين نتنياهو وتقاريره الاستخبارية الكاذبة عن إيران وتطويرها للأسلحة النووية، والدعم المادي السعودي بمليارات الدولارات التي مكنت لبن سلمان بحظوة عند ترمب، أضف إلى ذلك تيار المحافظين الجدد المسيطر على الحزب الجمهوري.

 

بداية التمهيد في البيت الأبيض
في حال حدوث السيناريو الأسوأ (الذي لا نتمناه) وهو التوغل العسكري الأمريكي في إيران، سيكون ذلك بمثابة توقيع شهادة وفاة للأمن والسلم في الشرق الأوسط كله

بوتيرة متسارعة لم يسبقه لها رئيس من قبله، قام ترمب بعدة تغييرات في مناصب جد حساسة داخل البيت الأبيض بومبيو خلفا لتيلرسون في وزارة الخارجية، بولتون خلفا لماكمستر مستشارا للأمن القومي وجينا هاسبل خلفا لبومبيو في وكالة الاستخبارات المركزية، ويعتبر هؤلاء من صقور المحافظين الجدد، بل يعتبر جون بولتون هو "صقر الصقور" ولقبه أحد الكتاب الإسرائيليين ريتشارد سيلفر شتاين بـ "جاسوس إسرائيل" في الولايات المتحدة باعتبار أنه يعارض كل ما يمس مصلحة إسرائيل، بولتون الذي عمل مع بوش الابن سفيراً للولايات المتحدة لمدة 18 شهراً لدى الأمم المتحدة في 2005 و2006 في عهد بوش الابن، كان حضوره طاغياً من دون أن يأبه للياقة الدبلوماسية، وقضى مدته في الأمم المتحدة بالمناكفة والمشاكسة ضد المنظمة الدولية، بزعم أنّها معادية للولايات المتحدة.
 
بولتون الذي يتقلد أعلى منصب سياسي في البيت الأبيض (مستشار الأمن القومي) كتب مرة في افتتاحية صحيفة "نيورك تايمز" سنة 2015 أن: "العمل العسكري وحده هو ما يوقف إيران والوقت قصير للغاية". كما كتب أيضا في عام 1994: "لا توجد هناك أمم متحدة، بل مجتمع دولي تقوده الدولة الأعظم الباقية وهي الولايات المتحدة، بحسب ما يخدم مصالحنا ويتبعنا الآخرون". أما مايك بومبيو وزير الخارجية الذي هلّلت له الإمارات والسعودية منتظرين دعمه لهم في حصار قطر توجه إلى السعودية في أولى خرجاته الدبلوماسية ثم فاجأ الجميع قائلا "أنهوا الحصار"، مما فسره البعض أنه يريد الخليج موحدا ضد إيران.

 

معوّقات تحول دون الحرب

ليس خيار إعلان الحرب على إيران سهلا حتى بالنسبة لأعتى قوة عسكرية في العالم كالولايات المتحدة الأمريكية التي تفوق إيران بأضعاف مضاعفة في هذا المجال، ولكن هناك اعتبارات عدة يجب على ترمب أن يحسب لها ألف حساب قبل أن يتخذ خطوة مثل هذه:

 

أولا.. الإجماع الدولي

 

undefined

 

لقد سعت الدول الأوروبية التي تُعتبر الحليف الأول للولايات المتحدة للحيلولة دون قرار ترمب الذي يقضي بانسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاقية النووية مع إيران إلا أنها لم تُوفق لذلك، ومباشرة بعد قرار ترمب كان التنديد الأوروبي لقرار ترمب كبيرا، حيث صرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قائلا: "فرنسا وألمانيا وبريطانيا تأسف للقرار الأمريكي بالانسحاب من اتفاق إيران النووي". من جهتها صرحت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني "الاتحاد الأوروبي عازم على المحافظة على الاتفاق النووي مع إيران". وفي حال قرر ترمب إعلان الحرب على إيران سيكون من العسير جدا عليه فعل ذلك تحت راية أُممية، كيف لا وهو لم يوفّق في تحقيق الإجماع على قرار الانسحاب من الاتفاق النووي.

 

ثانيا.. علاقات إيران مع المعسكر الشرقي

تُعتبر إيران حليفا استراتيجيا للمعسكر الشرقي الممثل في روسيا والصين. موسكو التي استطاعت التعافي من تبعات انهيار الاتحاد السوفييتي وتفككه، أضحت تتبع سياسة خارجية توسعية ومتشددة خلال الخمس سنوات الأخيرة بداية من التدخل العسكري في أوكرانيا مرورا بالقرم ووصولا لسوريا، أصبحت موسكو تدافع عن حلفاءها بلا هوادة وترى في تهديدهم تهديدا لها، وقد استطاعت موسكو أن تحوّل أنقرة من عدو إلى صديق في آخر ثلاث سنوات.

 

أما التنين الصيني الذي يرشحه الكثير من الخبراء بأن يصبح أكبر قوة في العالم خلال سنين قليلة فهو يرى طهران أنها بوابته الخلفية للتوغل وتوسيع نفوذه في الشرق الأوسط، لذلك يقيم معها علاقات اقتصادية واستراتيجية كبيرة جدا، حيث تعتبر الصين أول بلد في التبادل التجاري بين إيران والعالم، فيما تمثل الصين الوجهة المفضلة في شراء الأسلحة بالنسبة لإيران، وذكرت بعض التسريبات معلومات حول استخدام الصين للقواعد الجوية الإيرانية ومرافق القوات البحرية في منطقة الخليج. يوحي ذلك أن المعسكر الشرقي لن يفرط في طهران بسهولة وسيرمي بكل ثقله الدبلوماسي لمنع الحرب عليها.

  

 

ثالثا.. الجبهة الداخلية

تعاني الجبهة الداخلية في الولايات المتحدة الأمريكية من اختلالات عدة، على رأسها الصعوبات الاقتصادية التي يواجهها ترمب خاصة تراكم الدين العام الذي تجاوز حدود 20 تريليون دولار، وهو رقم مهول بلغة الخبراء ينبأ بكارثة اقتصادية، مما يجعل من المستحيل تمويل حملة عسكرية على إيران قد تكلف الكثير. بالإضافة إلى الصعوبات الاقتصادية يقف وزير الدفاع جيمس ماتيس في وجه ترمب بأفكاره المغايرة له فيما يخص المسألة الإيرانية.

 

نتائج محتملة

بالرغم من أن المعوقات التي تحول دون الحرب على إيران كبيرة جدا إلا أنه وبعد إعلان ترمب قراره الانسحاب من الاتفاق النووي حدث تصعيد خطير بين إيران وإسرائيل داخل الأراضي السورية ما يجعل خيار الحرب قائم بقوة. حتى الآن يبقى الموقف من إيران غامض، هل هو تخوف أمريكي-إسرائيلي-سعودي من تنامي قوة إيران العسكرية وخاصة النووية منها، ما يجعلها تهديدا محتملا لإسرائيل والسعودية في المنافسة على زعامة الشرق الأوسط، أم أن الملف النووي مجرد شماعة تعلق عليها الولايات المتحدة الأمريكية الأسباب لتهيئة غطاء قد يبدو مبرَرا للتدخل العسكري في إيران طمعا في الكعكة النفطية الإيرانية التي تعتبر رابع احتياطي في العالم، كما كان الحال مع العراق.

 

سوف يختلف سيناربو الحرب طبقا للقناعات السائدة داخل البيت الأبيض، بحيث إذا كان هو مجرد تخوف كما ذكرنا ستكون الضربات موجهة ومحددة تستهدف ربما المفاعلات النووية فقط عبر طائرات الدرونز المسيّرة. لكن هذا السيناريو يبدو مستبعدا في ظل استقواء اللوبي الإسرائيلي والدعم السعودي بحيث لن يرضى هؤلاء بأقل من تكسير شوكة الجيش الإيراني وقطع كل احتمالات تعافيه، ليس فقط نوويا بل حتى على مستوى الأسلحة التقليدية وعدد الأفراد. هذا السيناريو يبدو جذابا للوبي النفط ولوبي السلاح، بحيث سيضغط الأول للتوغل أكثر حتى يستفيد من كعكة النفط، وسيضغط الثاني لتطول الحرب حتى يبيع السلاح.

 

في حال حدوث السيناريو الأسوأ (الذي لا نتمناه) وهو التوغل العسكري الأمريكي في إيران، سيكون ذلك بمثابة توقيع شهادة وفاة للأمن والسلم في الشرق الأوسط كله، بحيث أظهرت الولايات المتحدة قدرتها على تدمير الدول كما أظهرت فشلها الذريع في إرساء السلم والأمن بعد حروبها، وأفغانستان والعراق خير شاهد على ذلك، في المقابل أظهرت إيران قدراتها الخارقة في حرب العصابات والاستفادة من الفوضى، وذلك مرده إلى الميليشيات الكثيرة التي تدين بالولاء لإيران، والتي هي مستعدة للتضحية في سبيل عقيدتها، بحيث اضطرت الولايات المتحدة إلى التعاون معهم في العراق، كما يسيطر حزب الله على لبنان، ويقف الحوثي حجر عثرة أمام السعودية في اليمن، بدون أن ننسى توغلهم في سوريا، وسيكون المستهدف الأول هذه المرة هو السعودية التي لن تدخر الميلشيات الإيرانية أي جهد في نقل الحرب إلى الداخل السعودي، كيف لا والحوثي يقصفهم من اليمن.

 
لن تكون تركيا بمنأى عن هذه الحرب المحتملة بحكم مجاورتها لإيران، إضافة إلى تصاعد التوتر بين واشنطن وأنقرة يوما بعد يوم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.