شعار قسم مدونات

الانتخابات اللبنانية.. هل يعيد تاريخ 1957 نفسه؟

مدونات - انتخابات لبنان
لجأ الرئيس اللبناني السابق كميل شمعون إلى التزوير في الانتخابات البرلمانية عام ١٩٥٧ ليواجه من خلاله الموجة الناصرية، ومن ثم طلب من الإدارة الأميركية التوجه بقوات المارينز إلى لبنان عملاً بما يُعرَف بـ"مبدأ أيزنهاور"، فاستجاب الرئيس الأمريكي لطلب شمعون فيما سمي بعملية "الخفاش الأزرق" في ١٥ من شهر تموز عام ١٩٥٨. الانتخابات المزورة أطاحت بقيادات وطنية أمثال الزعيم كمال جنبلاط. كان لهذه الانتخابات ارتدادات على المستوى الداخلي بعد عدة أشهر، فاندلعت أحداث عام ١٩٥٨، وصولاً إلى الاتفاق بمجيء الرئيس فؤاد شهاب.

 
كان البرلمان الذي لا يُمثَّل فيه معظم الشرائح اللبنانية سبب مباشر لأزمة ١٩٥٨، ويبدو أن انتخابات ٢٠١٨ قد شهدت التزوير الذي حصل في انتخابات ١٩٥٧. العهد يريد أن "يُنجِز" جميع الاستحقاقات ولو بالطريقة غير الشرعية. سبق وأن أنجز موازنات ٢٠١٧ و٢٠١٨ بشكل اعتباطي بعد غياب أكثر من عشر سنوات، وشرّع الاقتراع من الخارج ولو كان نسبة المشاركة مضحكة بالنسبة للعمل والجهد الذي أخذ من وقت وزير الخارجية جبران باسيل. واليوم، أنجزوا الاستحقاق الانتخابي ويريدون بناء برلمان لا يزعج هذا العهد بعد "إنجاز" مؤتمر "سيدر" الذي سيدر على الخزينة أكثر من ١١ مليار دولار. العهد يريد نواب لا يزعجونه، يهزّون الرؤوس عند تمرير أي صفقة عليها شبهة فساد. صحيح أنهم لم يستطيعوا إلغاء صوت النائب المعارض والنشيط سامي جميل، ولكنهم حجّموه، حسب اعتقادهم، حتى لا يستطيع تشكيل كتلة لتقديم الطعون.

 

الأصوات المخنوقة في لبنان، في طرابلس وبيروت خاصةً، إذا لم تُترجم بأصوات داخل البرلمان اللبناني ستجد نفسها على طريق بعيد عن العمل المؤسساتي

بالإمكان تجاهل ما قدّمه المرشح عن المقعد الدرزي في دائرة الشوف عالية، وئام وهاب، من عملية تزوير حصلت في الانتخابات بعد خسارته؛ فهو "مهووس" باعتبار نفسه الزعيم الثاني في جبل لبنان بعد وليد جنبلاط، بدل طلال إرسلان. فكلامه لا يعتمد على الدليل بقدر ما هو عتب على قيادة "حزب الله". ولكن أم الفضائح ما حصل في دائرة طرابلس والمنيه. اللبنانيون ينتظرون ما وعدهم به اللواء الريفي من أدلة ملموسة، والذي "خسر" الانتخابات بشكل فاجأ جميع المراقبين، والذي اكتسح الانتخابات البلدية قبل سنتين متغلباً على تكتل الأحزاب والزعامات في طرابلس. اللواء عقد مؤتمراً صحفياً أمام مناصريه. تكلم بلغة قاسية، مهاجماً وزير الداخلية المشنوق، واصفاً إياه "بلا أخلاق، ساقط في الانتخابات ومزوّر وعميل". انتقد اللواء العملية الانتخابية الذي لم يشهد لبنان مثيلاً لها أبان الاحتلال السوري!

 

تحدث الريفي عن تبديل صناديق في مناطق له الأغلبية فيها بشهادة بعض الضباط حسب كلامه. هاجم عملية الفرز خاصة بعد انتشار خبر ٥٤٠٠ ورقة لاغية في دائرة طرابلس والمنيه، معظمها لصالحه! ولم يستثني وزير الخارجية باسيل أيضاً محملاً إياه مسؤولية تزوير حصل في الاقتراع من الخارج. اللواء لم يعترف بالانتخابات وهو بصدد تقديم طعون للمجلس الدستوري، معتبراً أنه وثلاثة من لوائحه يجب أن يكونوا في عداد الناجحين. كيف يمكن تصديق النتائج في طرابلس، وقد نال أحد المرشحين خالد تدمري على أقل من ألف صوت علماً أنه حصل في الانتخابات البلدية قبل عامين على أكثر من ١٦ ألف صوت!

 

اللواء لم يكن وحده معارضاً. فقد كشف المرشح عن المقعد الشيعي في دائرة بعلبك – الهرمل، يحيى شمص أيضاً عن تجاوزات ومخالفات وعملية تزوير ورشاوى وغياب القوى الأمنية وانتشار المحزبين في المدارس ودخول المندوبين وراء العازل والترهيب ووجود مندوبين باللباس العسكري. وأشار كذلك إلى منع بعض المندوبين من الدخول إلى بعض الأقلام، وإلى تنخيب المتوفين! وتساءل أيضاً: "ماذا جرى بعد ذلك؟ تم إتلاف ٦٠٠٠ صوت للائحتنا مع التركيز على المراكز التي أحظى بتأييد فيها"!

  

 اللواء أشرف الريفي (رويترز)
 اللواء أشرف الريفي (رويترز)

 

أيضاً المرشحة نعمة بدر الدين، عن المقعد الشيعي بيروت الثانية تساءلت عن سرقة ١٤ صندوق اقتراع في جزين. والشكوك لا زالت تحوم حول سقوط المرشحة في بيروت الاولى جمانا حداد من المجتمع المدني، علما ان أغلب الماكينات صنفتها من الناجحين. ولا يمكن تجاهل ما صرّحت به الجمعية اللبنانية لمراقبة الانتخابات في مؤتمرها، فقد تم طرد المراقبة المعتمدة واغلب المندوبين من لجنة القيد العليا لساعتين بحجة عطل تقني مما زاد الشكوك حول عملية تزوير حصلت.

 

هذه عيِنة من الأمثلة، والمجلس الدستوري على موعد مع استقبال قضايا طعون من أكثر من ٦٠ مرشحاً. ولكن المسألة لا تقتصر بعملية الاقتراع والفرز فقط، فالتزوير حصل في القانون نفسه، وإلا ماذا يُصنّف فوز المرشح مصطفى الحسيني عن المقعد الشيعي في جبيل بـ ٢٥٦ صوتا تفضيليا فقط، وخسارة العشرات وقد حصدوا على أضعاف هذا الرقم! ماذا يُصنّف فوز المرشح الكاثوليكي في دائرة صيدا وجزين سليم خوري وقد نال ٧٠٨ أصوات، في حين أن مرشح القوات اللبنانية عجاج جرجي حداد خسر وقد نال ٤٣٨٩ صوتا تفضيلياً! والمضحك أيضاً تمكن المرشح الأرمني في دائرة زحلة إدي دمرجيان ضمن لائحة تحالف فتوش وحزب الله من الفوز على الرغم من نيله ٧٧ صوتا تفضيليا فقط!

 

في دول العالم، يختار الناخبون ممثليهم، أما في لبنان، فقد اختار كل حزب ناخبيهم بِرسمهم حدود الدوائر، ذات صبغة طائفية، وأقرّوا قانون يجدد لهم تمثيلهم في البرلمان. انتخابات يديرها وزير داخلية وهو مرشح أيضاً هي محط شكوك.

 

تزوير انتخابات عام ٢٠١٨ هو إعادة لتاريخ تزوير عام ١٩٥٧، ومن الممكن أن نصل للمحصلة نفسها. فالأصوات المخنوقة في لبنان، في طرابلس وبيروت خاصةً، إذا لم تُترجم بأصوات داخل البرلمان اللبناني ستجد نفسها على طريق بعيد عن العمل المؤسساتي، خاصة أن مبدأ "المعارضة" من خارج المجلس لا يُجدي نفعاً في دولة ك لبنان. ستكون لهذه الانتخابات تداعيات خطيرة. الرئيس كميل شمعون طالب بالانخراط بحلف بغداد، زوّر الانتخابات ثم لجأ إلى الأميركي لصد الهجمة الناصرية؛ واليوم لجأ العهد إلى التزوير، حتى يؤمِّن برلماناً لا يُعكّر صفو مرحلته، وبالتالي سيُسهِّل على المنظومة الإيرانية في لبنان شرعنة وجوده الميليشياوي المسلح في لبنان، وقد ارتفعت أصوات الفائزين منهم "هزمنا حلف بغداد جديد!".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.