شعار قسم مدونات

الإسلاميون والسلطة.. هل تطحنهم طحانة الأزمات؟

مدونات - العدالة والتنمية بالمغرب

التأشيرة
من العسير الموازنة بين "المرجعية الإصلاحية" و"التورية السياسية" التي هي شهادة الدخول في دين "الديمقراطية العربية"، وما دمت في حال تورية فإن الله يحب من العبد إذا عمل عملا أن يتقنه -فالمرجعية إسلامية!-، ولا يزال الإسلامي في رخصة التورية حتى يصير إلى عزيمة القصد. وكثيرا ما يصير المصلح إلى مناقضة أصوله للحفاظ على (التأشيرة)، ويُرفِق ذلك -طردا- بزعم صيانة "المكتسبات السياسية" التي نيلت بعرق الجبين، ولسان تأويله: (قضية جزئية تخالَف فيها الأصول خير من نقض أصل مشروعية الوجود الإسلامي)، حتى تصير تلك الجزئيات المتراكمة إلى أصل كلي فاسد يكافَح دونَه ويُتطلّب له التأصيل.

 

وآفة ذلك الغفلة عن الإحكام العلمي التأصيلي للفعل السياسي، وقد كان الإسلاميون أحق الناس بتأسيس "المرجعية الحركية" على قواعد نظرية محكمة تسير بهم على هدى، إلا أن صخب المناضل الماكر غلب وقار المفكر الرشيد، وتبعت المعارفُ المعاركَ تقودها أنى شاءت وتسير بها حيث تريد. ولا ينكر عاقل قبول الأسس النظرية للتغيير والتبديل وفق تحولات المحالّ المنوطة بها، إلا أن ذلك لا يغادر اعتبار الثوابت الراسية التي لا يلحقها التحول أبدا، والتي تعد محدِّدة للسلوك السياسي الإسلامي. ومن الصور المشهورة للتغول الحركي على المرجعي استسلام "الذراع الدعوي" للحزب السياسي حتى صار رسما لا حقيقة له ولا أثر.

 

وإنك لا تجد إسلاميا خاض مخاضة السياسة إلا واستصحب أول شأنه أمرين:

 رأس مال الإسلاميين هو الشعب، وأي تمَلّك لقَدْر من السلطة هو ضرورةً قبول باستهداف السؤال عن حقوقٍ لا يملك الإسلاميون -في أكثر الأحايين- مفاتيح إعطائها

-فساد كثير من قواعدها.
-إرادة تغيير هذه القواعد واستحداث أخرى صالحة.
 
إلا أن مكر الليل والنهار يدفعه إلى التخفف من قواعده الصالحة-حكمة وبُعد نظر ومرونة…- للالتفاف على القواعد الفاسدة وإبطالها، فإذا هو بعد حين وقد أحيط به فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها من مبادئه التي كان يستظهر بها تميزا.

 

"السُّلطة" مقابل "الشعب"

باختصار كاختصار تصريحات الإسلامي "الحاكم" في أحوال الشعب فإن لسان حاله: "أيها الشعب لا تحزن، فإنما أعارض حقوقك للحفاظ على السلطة التي بدونها لن أستطيع الحفاظ على حقوقك"!
 

من "الدعوة" إلى "الدولة"

يغلب هذا المنطق على كثير من الإسلاميين عند أدنى ذوق لطعم "الحكم"، فيصبح الشعب زمن الدعوة على التحلية بأوصاف الوعي وتجديد عز الأمة والاصطفاء لحمل الأمانة وغير ذلك، ليمسي زمن الدولة على الرمي بالعامية والسذاجة وعدم إدراك تجاذبات السياسة وموازنات الواقع، هذا إذا لم يوسم بالحماسة المفرطة التي تهدد الأمن والسلم المجتمعي! وليس بخفي على العامة -فضلا عن خزنة الاستبداد- أن رأس مال الإسلاميين هو الشعب، وأي تمَلّك لقَدْر من السلطة هو ضرورةً قبول باستهداف السؤال عن حقوقٍ لا يملك الإسلاميون -في أكثر الأحايين- مفاتيح إعطائها، فيُخلّى بين الإسلاميين وبين الشعب المتشوّف تطحنهم طحّانة الأزمات، ليأتي الفاسد بعدُ متقمصا قميص المنقذ من عجز الإسلاميين وفشلهم.
 
لا نمتري في نظافة يد المصلحين وسلامة قصدهم، وما سلف من الكلام ليس إلا بارقة نصح لإصلاح ما فسد من حال الحركة الإسلامية حتى لا نفتح أعيننا على غد يجعلهم فيه "سلطان الشعب" على السوية مع أركان الفساد والاستبداد، وإن العقل الجمعي الشعبي لكَفّار للعشير إذا سخط قال: "لم أر منك خيرا قط"! ولا أتجه بالكلام إلى اعتزال السياسة في أي صورة من صورها، وإنما القصد أخذها بقوة لا تنفي المرونة، وتعقل لا يخلي الحزم، وعلمية لا تثقل الحركة، ومرجعية لا تغفل الواقع. سياسة تحمل الدعوة لتستبصر بها في الدولة، ولا تتخذ الدعوة سبيلا حتى إذا توهمت الحكم تنكرت لها! 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.